التعصيب في الإرث… معاناة لا تنتهي

أسر شردت بسبب تطبيقه ومحافظون يعتبرون الأمر غير قابل للمناقشة من بين الإشكالات التي تطرحها نصوص الإرث في مدونة الأسرة، على امتداد سنوات، وكانت دائما تدخل ضمن دائرة الطابو، التعصيب في الإرث الذي يقف عائقا أمام استفادة النساء من الإرث كاملا في حال عدم وجود أخ شقيق، إذ أن التعصيب هو نوع من أنواع الإرث يضاف إلى الفرض، وأصحاب العصبات يأخذون ما بقي من الميراث بعد أن يأخذ أصحاب الفروض، إن وجدوا، حقهم من غير تقدير، ما يعني أن النساء يتقاسمن الإرث مع الذكور المقربين في حال عدم وجود أخ شقيق، وهم الأعمام وأبناء العمومة وغيرهم، وفي حال عدم وجودهم تقتسم مع أبناء عمومة أبعدين قد لا تربطهم بالأسرة آصرة أو قربى سوى الدم المشترك. ومع انطلاق عمل اللجنة المكلفة بمراجعة المدونة، خرجت من جديد أصوات تطالب بإلغائه من مدونة الأسرة، أو حتى تعديله بالشكل الذي يحفظ للمرأة حقوقها في الميراث، في حال عدم وجود شقيق لها، بعلة أن هناك مجموعة من العائلات شردت بسبب التعصيب لرفض الورثة التنازل عن حقهم. ورغم أن الدولة تنازلت بمقتضى ظهير منذ سنين عن حقوقها الإرثية بصفتها وارثة بالتعصيب، إذ جاء فيه "إذا كانت للدولة حقوق إرثية بصفتها وارثة بالتعصيب، فإن الحظ الذي ينوب بيت المال يتخلى عنه للورثة الفرضيين إن كانوا موجودين، فإذا لم يوجد ورثة فرضيون، فإن السلطة المكلفة بالأملاك العمومية تحوز الميراث لفائدة بيت المال (الخزينة العامة)"، هذا التخلي لا يقابله التخلي عن النصوص المؤطرة للتعصيب في مدونة الأسرة والتي يطالب العديد بتغييرها، على اعتبار أن الحق في الإرث يعطى كاملا للرجل في حال كان الوريث الوحيد، بينما لا تستفيد المرأة من هذا الحق، إذ ترث فقط نصيبا مقدرا معلوما يسمى فرضا، مما يعني أن الوارثات اللواتي ليس معهن شقيق ذكر، ينبغي عليهن تقاسم الإرث مع الذكور الأقربين، من إخوة وأبناء إخوة وأعمام وأبناء عم وإن بعدوا. هذا الرأي يقابله رأي المحافظين الرافضين له الذين يعتبرون أن الأمر محسوم بالنص القرآني والسنة ولا اجتهاد مع وجود النص، بل أكثر، من ذلك يعتبرونه من القواعد التي حظيت بتفصيل كثير في القرآن الكريم، وأكثر تدقيقا من مسائل أخرى تعد من أركان الإسلام. كريمة مصلي لا يمكن للمخلوق استدراك ما شرعه الخالق قال الشيخ محمد الفيزازي، رئيس الجمعية المغربية للسلام والبلاغ، إن الذين يدعون إلى إعادة النظر في التعصيب في الإرث، لا علم لهم بالشريعة ولا بمسألة التعصيب ابتداء. وتساءل الشيخ الفيزازي بشكل استنكاري "ماهو هذا التعصيب الذي يريدون مراجعته؟ هل يفهمون معناه وهل يعلمون أنواعه؟ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإذا كان الإنسان يجهل ما يناقشه والإطار الذي يتحدث فيه من خلاله، سيأتي بالعجائب كما قال الإمام ابن حجر العسقلاني في قولته الشهيرة (إذا تكلم المرء في غير فنه أتى بالعجائب)". وأضاف رئيس الجمعية المغربية للسلام والبلاغ، في تصريح لـ"الصباح"، أن الحديث عن التعصيب والأولاد والقسمة والتركة وعلم الفروض، أمور منصوص عليها في الكتاب والسنة، وهو ما يعني "رفعت الأقلام وجفت الصحف". وتساءل المتحدث نفسه قائلا "هل دعاة تغيير التعصيب في الإرث يريدون تغيير كتاب الله؟ وتغيير سنة النبي عليه الصلاة والسلام؟ هل يرغبون قلما أحمر ليصححوا به دين الله عز وجل؟ هل هم أعلم بالله وهل هم أحكم وأرحم بالمرأة من الله خالق النساء والرجال؟". وكشف الشيخ الفيزازي أنه يتعجب لهؤلاء الذين يرغبون في تغيير كلام الله وسنة نبيه وإنكار النصوص الشرعية، مضيفا "هؤلاء القوم الذين لا يعلمون شيئا عن التصعيب شيئا ولا عن أقسامه ولا التعصيب بالنسب ولا التعصيب بالسبب ولا يفقهون أي شيء، ماذا يقولون في قول الله عز وجل "ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد"، وأين الباقي إذا أخذت الزوجة الربع؟ فمن سيأخذه إذن؟ وقوله تعالى "فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث"، فأين هو نصيب الأب إذن؟ هؤلاء الذين يحشرون أنفسهم في ما لا يعلمون عليهم أن يدلونا على نصيب الأب في هذه الآية، وأين المتحججون من قوله تعالى "إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك" والنصف الآخر أين هو؟ وماذا يقولون في قوله سبحانه "فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك"، فأين هو النصيب الآخر". وأضاف رئيس الجمعية المغربية للسلام والبلاغ "ماذا يقولون في حديث النبي عليه السلام المتفق عليه "ألحقوا الفرائض بأهلها وما بقي فهو لأولى رجل ذكر"، هل هم أعلم من الرسول وهل هم أرحم بالأنثى من الرسول؟". وتعليقا على دعاة تغيير التعصيب في الإرث مردهم الخوف على مصلحة الزوجة والابنة اللواتي يتم رميهن في الشارع بعد وفاة الزوج والأب من قبل ورثة لم يشقوا في التركة ولا تربطهم علاقة ودية وصلة رحم بالموروث، قال الشيخ الفيزازي "أقول لهم إنكم تستدركون على الله ما لا تعلمون لأنه سبحانه لا يشرع لأسرة أو اثنتين بل يشرع لأمة، إلى قيام الساعة، وإذا كانت هناك استثناءات فلا يمكن للشرع أن يتغير بفعل هذا أو ذاك". محمد بها إشكال تنبغي معالجته قال مراد العبودي، محام بهيأة الرباط، إن التعصيب هو الإرث غير المقدر مقابل الإرث المقدر بالفرض لأصحاب الفروض وهو ينبني على قاعدة أساسية أما استحواذ الذكر على الإرث بصفة كلية أو أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين إذا اجتمع الاثنان، مما يوحي بأن هناك تمييزا بين الجنسين وهذا المقتضى أصبح يطرح إشكالا كبيرا في الآونة الأخيرة نظرا لتغير البنية الاجتماعية و الظروف ألاقتصاديه والحياتية وما بلغ له مبدأ المساواة ما بين المرأة والرجل من تقدم مما جعل النقاش يحتدم حوله. واعتبر العبودي في تصريح لـ"الصباح"، أن فكرة التعصيب كانت مرتبطة في زمن ظهورها بالعقلية الذكورية أي بالولاية للذكر، حيث إن تمكين الذكر مما تبقى من الإرث الخاص بالنساء وتفضيله عنهن في النصيب هو حماية لهن، أي النساء من الضياع ومن الاستبداد الذكوري الذي كان يسود المجتمع آنذاك على اعتبار أن المجتمع كان يحكمه الأقوى وغالبا كان هو الرجل بمعنى أن النساء كن في حاجة لحمايته. وأضاف المحامي بهيأة الرباط "من هنا طغت فكرة المجتمع الذكوري رغم استقلالية الذمة المالية للمرأة آنذاك فمن هنا تأسس هذا المفهوم، رغم أن النصوص القرآنية لم تأت على ذكره، وسند القائلين به هو الحديث النبوي الأحادي غير المتواتر السند حسب البعض القائل "الحقوا الفروض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر" . وشدد العبودي على أن النقاش المطروح حاليا هو نقاش حول مدى جدوى مفهوم التعصيب في زمن أصبح فيه الذكر العاصب يستحوذ على الإرث ويتخلى عن واجباته في الولاية والإنفاق، كما أن الدور الذي أصبحت تضطلع به المرأة داخل المجتمع قد تطور بشكل كبير، بل أصبحت أغلبية النساء تشتغل حاليا وتستطيع أن تمارس الولاية والإنفاق على نفسها بذاتها دون الحاجة لرجل في حياتها، مضيفا "وأكثر من ذلك أصبحت بعض الأسر تعتمد على المرأة من ناحية الإنفاق مما يستوجب معه إعادة تقييم هذا المفهوم في إطار مصلحة المجتمع، حتى نتمكن من بناء مجتمع متماسك تكون مردوديته عدم التمييز ما بين الجنسين لأن الله خلق الناس سواسية ولم يميز بينهم إلا بالتقوى". م. ب

التعصيب في الإرث… معاناة لا تنتهي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

البيـع لحرمـان المعصـب

"الكريديات" تغرق البيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات