المختلون عقليا… قنابل موقوتة

يبثون الرعب في الشوارع متجولين عراة حاملين أسلحة بيضاء وحجارة وجرائمهم تسائل الدولة تتواصل سلسلة الرعب في عدد من المدن والأقاليم، مرتكبوها مختلون عقليا حكموا قبضتهم على الشارع العام وصاروا يتربصون بالأسوياء نساء ورجالا وشيبا وشبابا وأطفالا، لاستهداف حياتهم، في مشهد يومي لا يكاد يخلو من اعتداءات على الأشخاص والممتلكات. إنجاز: محمد بها أماطت واقعة قيام مختل عقليا، باقتحام مقصورة إمام مسجد عثمان بن عفان بحي عواطف بقلعة السراغنة، وسرقة محتوياتها، اللثام عن تداعيات ترك المختلين عقليا يتربصون بالأسوياء، عوض إيداعهم المستشفيات المختصة لعلاجهم. واستهدف المختل عقليا فضاء العبادة بعدما استغل صعود الإمام فوق المنبر وإلقائه خطبة الجمعة على جموع المصلين لتنفيذ مخططه، إذ لحسن الحظ أنه اكتفى بالسرقة ولم يقم باستهداف حياة الإمام وباقي المصلين. ولعل الواقعة الخطيرة التي شهدتها جماعة سيدي عيسى بن سليمان بإقليم قلعة السراغنة، أواخر غشت الماضي والتي تتعلق بإضرام النار في مسجد، بعد الاعتداء جسديا على الإمام تعتبر جرس إنذار بالخطر الذي يتهدد أفراد المجتمع من قبل فئة المرضى نفسيا. وارتكب المختل عقليا، الذي يتحدر من جماعة ولاد يعقوب حل بدوار آيت بن الشرقي التابع لجماعة سيدي عيسى بن سليمان بالإقليم نفسه، أفعاله الإجرامية حينما كان الإمام منشغلا بأداء صلاة النوافل لوحده. واقتحم الشخص غير السوي، المسجد بنية مبيتة للاعتداء على الإمام، حاملا أداة راضة (حديدة)، متوجها نحو "الفقيه" قبل أن يهوي بها عليه محاولا إزهاق روحه. ولم يكتف المختل عقليا بضرب الإمام، بل قرر ختم الاعتداء بفعل جرمي خطير، بإضرام النار في البيت المخصص للفقيه لتندلع النيران وسط المسجد. وأثار مشهد الهجوم وحالة منفذه الذي كان في حالة اندفاع متقدم، الفزع في سكان الدوار وعمت الفوضى المكان، قبل أن يتدخل عدد من الرجال لنجدة الإمام وتخليصه من قبضة المعتدي، الذي ظهرت عليه علامات الخلل العقلي، في حين تكلف آخرون بشل حركته ومحاصرته وإخراجه من فضاء العبادة. ولولا تدخل سكان الدوار في الوقت المناسب، لتطورت الأمور إلى ما لا تُحمد عقباه، إذ تم شل حركة المعتدي الذي كان في حالة هيجان والسيطرة على الحريق الذي شب وكاد يمتد لكافة أنحاء فضاء العبادة. واستنفرت الواقعة السلطة المحلية بمسرح الحادث، إذ تم نقل المعتدي إلى مستعجلات المستشفى لإخضاعه للإسعافات الأولية، بعد تعرضه لجروح ناتجة عن محاولة سكان الدوار محاصرته وشل حركته والسيطرة على سلوكاته التي كانت تتسم بالعنف، كما باشرت مصالح الدرك الملكي حينها بحثا قضائيا، لكشف ملابسات القضية وظروف وقوعها وخلفياتها الحقيقية، في انتظار تعليمات النيابة العامة لنقل المشتبه فيه على متن سيارة إسعاف لإحالته على مستشفى الأمراض العقلية لإخضاعه للعلاجات الضرورية، بعد أن تبين أنه مختل عقليا وأن سلوكه الإجرامي ناجم عن حالته الصحية غير السوية. ومن بين الاعتداءات الأخرى للمختلين عقليا، تلك التي اهتز على وقعها دوار الكدية بمراكش أخيرا، من قبل مختل عقلي تجاوزت عدوانيته الرشق بالحجارة إلى القيام بعمليات إضرام النار في حديقة عمومية بأبواب كليز للمرة الثانية ومهاجمته محلات تجارية والتجول عاريا وتهديد السكان والمارة ومطاردتهم. وأثارت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع المنارة مراكش، فضيحة رفض مستشفى الأمراض العقلية استقبال المختل وتقديم العلاج له لأكثر من ثلاث مرات خلال الأشهر الأربعة الماضية، بعد إحالته عليه من قبل السلطات إثر التفاعل مع شكايات السكان، وهي الوضعية التي استنفرت الجمعية لمطالبة الجهات المختصة بالتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، صونا لكرامة المريض وضمانا لحقه في العلاج وحماية لباقي المواطنين. وأمام الانتشار المهول للمختلين عقليا في شوارع وأحياء المدن ودواوير القرى، الذين أصبحوا يتحركون بشكل ظاهر ومخيف، نظرا لسلوكاتهم الخطيرة، انتقد فاعلون حقوقيون اعتماد السلطة المحلية ووزارة الصحة شعار "كم حاجة قضيناها بتركها"، بعدما فضلت التراخي عن القيام بواجبها المهني في ما يخص مسألة العناية بـ"المختلين عقليا"، الذين لا تقبل قضيتهم التأجيل، باعتبارها لا تتعلق بمصير شخص واحد، بل بمجتمع برمته. تقويض جهود تشجيع السياحة من الأمور التي تكشف المخاطر المرتبطة بالمختلين عقليا، لجوء عدد من المدن إلى التخلص منهم ورميهم بالضواحي والمدن الصغيرة، وهو ما يجعل اسم عدد من الأقاليم مرتبطا بفئة "المجانين"، الأمر الذي ينتج عنه تضييق على تحركات المواطنين وكذا الزوار والسياح. ومن الوقائع التي تكشف تداعيات التراخي في إيداع المختلين عقليا مستشفيات الأمراض العقلية حماية لأنفسهم وللمحيطين بهم، وما يصاحبها من تداعيات سلبية تضرب جهود تشجيع السياحة، تلك الواقعة التي شهدتها تزنيت العام الماضي، والمتمثلة في تسجيل اعتداء وحشي كاد يودي بحياة سائحة أجنبية على يد متشرد يعاني خللا عقليا. وباغت المختل الذي يبلغ من العمر 31 سنة، سائحة إيطالية وهي داخل أحد المطاعم بضربتين بواسطة "ساطور»، قبل أن تتم محاصرته من قبل المارة، في انتظار وصول مصالح الأمن التابعة للمنطقة الإقليمية للأمن بتزنيت، التي حلت بمسرح الجريمة، وتمكنت من إيقاف المشتبه فيه بعد شل حركته وحجز السلاح الأبيض، المستعمل في واقعة الاعتداء. وأسفر الاعتداء عن إصابة الضحية البالغة من العمر 51 سنة، بجرحين طفيفين على الظهر، إذ لولا سرعة تدخل شهود عيان لشل حركة المتشرد وإنقاذ حياة المرأة من ممارساته غير السوية لكانت في عداد الهالكين. وكشفت المعلومات الأولية للبحث الذي أجرته فرقة الشرطة القضائية التابعة لأمن تزنيت حينها، أن الموقوف يعيش حياة التشرد بأحياء عاصمة الفضة، ويعاني خللا عقليا وسبق له أن خضع في العديد من المناسبات للعلاج والمتابعة النفسية في مؤسسات استشفائية متخصصة في علاج الأمراض العقلية والعصبية، قبل أن يغادر بيت عائلته بالجماعة القروية تغيرت المنتمية إلى منطقة "إمجاط"، التابعة لعمالة إقليم سيدي إفني. وليست تزنيت التي شهدت واقعة اعتداءات المختلين عقليا، بل هناك عدة مدن وأقاليم، إذ عرفت منطقة مولاي بوسلهام إقليم القنيطرة بدورها واقعة اعتداء جسدي خطير استهدف سائحين أجنبيين على يد مختل عقليا، بعد رشق زوجين يحملان الجنسية الفرنسية ويبلغان سنا متقدمة، بالحجارة، دون الحديث عن فاجعة تزنيت التي أنهى فيها مختل عقليا حياة سائحة وكاد يزهق روح أخرى بعد فراره إلى أكادير، قبل إلقاء القبض عليه وإيداعه مستشفى الأمراض العقلية. مسؤولية الدولة قائمة أثارت حوادث الاعتداءات الخطيرة الناجمة عن المختلين عقليا، نقاشا قانونيا بين أفراد المجتمع، حول تحمل الدولة مسؤولية جرائم المرضى نفسيا والمجانين سواء التي تطول الأشخاص أو ممتلكاتهم المادية، في ما يخص التعويض عن الضرر. وقال رشيد وهابي، محام بهيأة الجديدة، إن إشكالية المختلين عقليا الذين يجوبون شوارع المدن والذين قد يشكلون خطرا على أمن وسلامة وحياة الأشخاص، من المشاكل الكبرى التي تتقاذف مسؤوليتها السلطات المحلية والمنتخبون والمصالح الأمنية. وأضاف وهابي في تصريح لـ"الصباح"، " كل واحد من السلطات المحلية والمنتخبة والمصالح الأمنية يحاول التخلص من مسؤولية المختلين عقليا، في الوقت الذي يجب تضافر جهود مختلف هؤلاء المؤسسات لكبح هذه الظاهرة والتقليل من مخاطرها". وأوضح المحامي بهيأة الجديدة، أنه بالرجوع للمادة 100 من قانون 14/113، يتضح أن من اختصاص الجماعات بالنسبة إلى الشرطة الإدارية هناك موضوع الوقاية الصحية والسكينة العمومية، مضيفا "وجمع هؤلاء المجانين يكون بالتنسيق مع السلطة المحلية ورجال الشرطة والنيابة العامة، كما أن الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار التي تنتج عن تسيير إدارتها بسبب أخطاء مستخدميها حسب الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود". واعتبر رجل القانون أن الفصل 79 يقر بشكل عام مسؤولية الدولة أو البلديات عن عدم تفعيل القوانين التي تنظم عملها في حماية سلامة المواطنين، إذ يتسبب عدم التفعيل في ضرر بدني بشخص ما أو إلحاق خسائر مادية بمنقولاته. وكشف المحامي وهابي أن المحاكم المختصة في التعويض عن الأضرار التي قد تنتج عن اعتداء بالشارع العام من قبل المختلين عقليا هي المحاكم الإدارية، مشيرا إلى أن هناك الكثير من الأحكام الإدارية عوضت أشخاصا تعرضوا للاعتداء بالشارع العام، من قبل مجانين وحكمت لهم بتعويضات مهمة. لعنة "بوياعمر" سلط نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الضوء على ظاهرة المختلين عقليا بالشوارع، بسخرية لاذعة بالقول "منذ إغلاق بويا عمر من قبل وزارة الصحة ونحن نعاني مشاكل المختلين عقليا". وأجمع رواد العالم الأزرق على أن مبادرة وزارة الصحة الرامية إلى حماية هؤلاء المرضى بعد تحريرهم وانتشالهم من ظروف مزرية، كانت فاشلة، بعد التخلي عنهم بتركهم يتجولون في الشوارع دون حسيب ولا رقيب، أمام قلة المستشفيات المختصة لإيوائهم وعلاجهم. ومن بين التدوينات التي تفاعلت مع توالي اعتداءات المختلين عقليا، تلك التي تعود لطالبة بكلية الحقوق بالبيضاء، التي قالت إن المسؤولية تتحملها السلطات المحلية، التي صار واجبا عليها التدخل لانتشال هؤلاء المرضى نفسيا من الشوارع وإيداعهم المستشفيات المختصة لعلاجهم، تفاديا للمشاكل التي أضحت واقعا مرعبا. ومن جهته، التمس أستاذ بالتعليم الثانوي، مراجعة طرق التعامل مع المختلين عقليا والمجانين التي تقتصر على تركهم متشردين في الشارع بحجة الاكتظاظ المهول الذي تعرفه مستشفيات الأمراض العقلية وكذا العمل بلازمة "غير خليه راه ما كيآديش واخا حمق"، مشددا على أن التراخي في التعامل مع الظاهرة تسبب في مآس كثيرة دون الحديث عن الخطر الذي صار يتهدد المجتمع. وتساءلت فاعلة جمعوية عن الأسباب التي تجعل المجتمع لا يتعامل بالجدية المطلوبة مع مؤشرات الخلل العقلي التي تظهر على المرضى، سواء في بداية المرض أو بعد تماثلهم للشفاء، مشددة على أن المختل عقليا لا ينبغي التخلي عنه أو نبذه من قبل مكونات المجتمع التي تتعامل معه إما شفقة أو خوفا، إذ يحتاج إلى رعاية خاصة، باعتباره مواطنا له الحق في العلاج الذي يضمنه له الدستور وكافة المواثيق الدولية. والتمس موظف بشركة خاصة، من الحكومة وجمعيات المجتمع المدني الخروج من دائرة المناسبات التي تجعلهم يتعاملون مع الملف بشكل مناسباتي، مقترحا ضرورة فتح نقاش مجتمعي يضم مختلف مكونات المجتمع، من أجل تسليط الضوء على مشكل المختلين عقليا لضمان حقوقهم في العلاج والعيش الكريم، وبما يحفظ حقهم في الكرامة وفي الوقت نفسه لحماية الأسوياء من تهديدات تطورت إلى مآس وندوب يصعب أن تندمل.

المختلون عقليا… قنابل موقوتة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شركات نهبت ضرائب بـ 500 مليار

" المرا والراجل"... أزمة ثقة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات