دوار تيكخت… انبعاث من الرماد

سكان يلملمون جراحهم وتعاون مع السلطات لاستئناف حياة ما بعد الزلزال المدمر بشيشاوة بعد مشاق كبيرة وفي تحد لوعورة المسالك الجبلية والانهيارات الصخرية، تمكنت «الصباح» من الوصول إلى جماعة أداسيل بإقليم شيشاوة، لتسليط الضوء على وضعية سكان قرية تيكخت التي سويت بالأرض، وتحولت في رمشة عين إلى أطلال شاهدة على قوة الزلزال الذي أجهز على البشر والحجر. إنجاز: محمد بها / تصوير : عبد الحق خليفة (موفدا الصباح إلى شيشاوة) مكنت زيارة "الصباح"، للدوار المنكوب، من الوقوف على محاولات الناجين تبني أسلوب طائر الفينق، للانبعاث من عالم الدمار، سعيا لحياة جديدة رغم ندوب فاجعة يصعب محوها من الذاكرة. عبد الله...يتيم الزلزال بحركات عفوية وبراءة الطفولة، انشغل الطفل عبد الله البالغ من العمر خمس سنوات بمشاركة أقرانه اللعب، إذ تحلق الأطفال في ما بينهم وسط خيمة تم نصبها بدوار تيكخت غير مستوعبين الأحداث الأليمة التي هزت قريتهم وحولت حياتهم رأسا على عقب. اقتحمت "الصباح" خلوة البراعم بإلقاء التحية والحديث إليهم باللغة الأمازيغية، إذ بعد مسايرتهم في لعبهم الطفولي دعما لهم، استفسرنا عن هوية الطفل عبد الله الذي أصبح حديث الدوار لفقدانه عائلة بأكملها، التي لم يتبق منها سوى ثلاثة أشقائه. بمجرد استفساره بالأمازيغية "ماتسكارت أ عبد الله؟ بمعنى "ماذا تفعل يا عبد الله؟" أجاب الطفل بعفوية "ألعب رفقة أصدقائي، رغم فقداني عددا من رفاقي الذين ألفت مشاركتهم تحركاتي". التفت عبد الله إلى مشاهد الدمار التي أصبحت عليها القرية التي دكت دكا، وهو يقول باللغة الأمازيغية "تزريت مايجران غودوارنغ؟ تيكما خلانت كلو ولا أيداري موتن»، بمعنى «هل شاهدت ماذا جرى؟ المنازل دمرت بالكامل وعائلتي توفيت». وبعفوية أضحكت أقرانه شرع عبد الله في سرد تفاصيل انبعاثه من تحت الأنقاض، بعدما انهار عليه سقف بيت أسرته التي توفيت بالكامل، ولم يتبق منها إلا شقيقه الذي كان يوم الواقعة بسيدي بيبي ضواحي أكادير وشقيقته الكبرى المتزوجة التي كانت ببيتها. وأضاف الطفل "نمت قبل وقوع الزلزال متوسدا مخدتي وتحت الغطاء، قبل أن أجد نفسي بعد الزلزال تحت الأنقاض، دون أن أتذكر شيئا سوى حينما تم انتشالي في الصباح من قبل أهل الدوار وأنا أبكي بشكل هستيري وأنزف دما من الجروح التي أصابتني في وجهي، قبل أن يتم نقلي إلى المستشفى للخضوع للعلاجات الضرورية". حياة وسط كومة الأحزان «رغم صعوبة الوضع وألم فقدان الأحبة دون وداع، إلا أن الحياة يجب أن تستمر حتى لو كان الفقد موجعا ومشاهد الخراب مربكة"...بلغة تزاوج ما بين الإحساس المرهف وتحدي الواقع المرير، يكشف حماد كيف يستعد رفقة ما تبقى من سكان الدوار المدمر بكامله، لاستئناف حياتهم الجديدة بعد الانبعاث من وسط الأنقاض التي خلفت جرحى وقتلى. وعاينت "الصباح"، كيف شرع سكان دوار تيكخت التابع لجماعة أداسيل بإقليم شيشاوة في وضع اليد في اليد، من أجل بذل الجهود الرامية إلى استئناف حياتهم بشكل طبيعي، بالتعاون واقتسام أعباء السخرة وتوفير المساعدة لمتضرري الزلزال المدمر، الذي ضرب المنطقة. ومن القصص المثيرة للناجين من موت محقق، قصة لحسن الذي فقد زوجته وأبناءه وأم شريكة حياته، فيما كتب له هو عمر جديد بعد أن نجا بأعجوبة في آخر الدقائق بسبب سيجارة. وأوضح لحسن في حديث مع "الصباح"، وهو يحاول التغلب على ألم فقدان أسرته الصغيرة وفلذات كبده، أن قراره الخروج من بيته لحظات قبل وقوع الزلزال من أجل تدخين سيجارة استحياء من حماته التي حلت ضيفة، كان سببا في نجاته من الموت تحت الأنقاض. وأضاف المتحدث نفسه أنه بمجرد أن ترك الزوجة ووالدتها والأبناء، حتى صعق بالهزة الأرضية التي حولت قريته إلى خراب وسط الظلام الحالك، الذي ازداد سوادا مع تطاير الغبار الناتج عن انهيار المباني، مشددا على أنه يحاول التعايش مع وضعه الجديد غير السوي في ظل صعوبة تحمل استئناف حياة دون شريكة العمر وفلذات كبده الذين قضوا نحبهم تحت الأنقاض. أطلال تحكي حجم الدمار حجم الدمار كبير جدا ورائحة الموت تفوح في كل مكان، بعد أن كان وقع الهزة شديدا إلى درجة التسبب في حدوث انقسام في الجبل الموصل إلى قرية تيكخت وسقوط عدد من الصخور بالطريق. وعاينت "الصباح"، كيف تعرضت فضاءات القرية لدمار سواها بالأرض بالكامل، خاصة أن معظم المنازل مبنية من الطين، كما أن المدارس المبنية بالآجر لم تستثن من الخراب بفعل قوة الهزة الأرضية. وعاينت "الصباح" من خلال زيارتها، كيف كان سكان الدوار يستجمعون قواهم المنهارة لمواصلة عملهم في تحد لقساوة الطبيعة، ومشاهد دمار تذكرهم بفقدان أحبة لفظوا أنفاسهم تحت الأنقاض، مستعينين بخصال يتميز بها سكان الجبال وهي القناعة والصبر على الشدائد. رشيد...ابن صار رب أسرة كشف رشيد، أحد أبناء دوار تيكخت بجماعة أداسيل، الذي فقد عائلته كاملة، ولم يتبق من أسرته سوى شقيقيه الصغيرين وأخته المتزوجة، تفاصيل وقائع ليلة استثنائية غيرت حياته رأسا على عقب وجعلته يتحول من ابن إلى رب أسرة خلفا لوالده الذي قضى نحبه تحت الأنقاض. وقال رشيد إنه في يوم الواقعة كان بعيدا عن الدوار بحكم عمله بسيدي بيبي ضواحي أكادير، قبل أن يتصل بعد الزلزال بعائلته ليجيبه والده الذي كان تحت الأنقاض بأنه عالق تحت غرفة الضيوف "الصالون"، ملتمسا منه إنقاذه وباقي أفراد الأسرة. دون شعور قرر الشاب المكلوم قطع مسافات على رجليه من سيدي بيبي إلى إنزكان بعد أن تعذر عليه إيجاد وسيلة نقل تقله، قبل أن يستقل سيارة أجرة أوصلته إلى دوار تيكخت في السابعة صباحا، ليصعق من هول مشاهد الدمار وخبر وفاة أسرته التي لم يتبق منها سوى شقيقته الكبرى المتزوجة وشقيقيه عبد الله وحمزة اللذين تم إخراجهما من تحت الأنقاض. يصمت رشيد لبرهة ثم يتنهد، وهو يحاول مسح دموعه التي كانت تتساقط بانسياب، قبل مواصلة سرد عملية انتشال الهالكين "رغم إيماني بالقضاء والقدر وحمد الله على ما قدر، إلا أنه من الصعب على المرء تحمل رؤية أعز ما يملك جثثا تحت الأنقاض، وجدت أبي وأمي وشقيقي محمد (16 سنة) وشقيقتي خديجة التي تبلغ من العمر خمسة أشهر وعمي وزوجته اللذين كانا يوم الواقعة يحتسيان الشاي مع والدي بغرفة الضيوف بعد تناول العشاء جثثا هامدة، شعرت بعد فقداني عائلتي أنني فقدت الحياة". وهو يحاول التغلب على الحزن، كشف رشيد البالغ من العمر 22 سنة، أنه رغم صعوبة كيفية الاعتناء بشقيقيه الطفلين، إلا أنه سيتكفل بإعالتهما وتربيتهما، مشددا على أن الرجولة عند المواقف تقتضي التضحية بالغالي والنفيس من أجل من نحب، خاصة أن شقيقيه مازالا قاصرين ويحتاجان إلى عناية خاصة، كما أنهما الكنز الذي بقيا له بعد وفاة أسرته. يد واحدة لمواجهة الصعاب يسابق ما تبقى من رجال الدوار ونسائه الزمن، بدعم من السلطات المحلية ومؤسسة محمد الخامس للتضامن لاستئناف حياتهم الجديدة، لتوفير حاجيات يوميات حياة غير عادية لعشرات المشردين الذين فقدوا منازلهم بسبب الزلزال المدمر، الذي خلف آلاف القتلى والجرحى بدوار تيكخت وباقي الدواوير والأقاليم المنكوبة. وشمر أبناء الدوار المنكوب، الذي سوي بالأرض ولم يتبق منه إلا المسجد، عن سواعدهم للمساعدة في تدعيم السكن في الخيم بالمؤن التي تخص الأسر في معيشها اليومي، بعد انتهاء فرق الإنقاذ من عمليات البحث عن ناجين وانتشال الجثث من تحت الأنقاض، إذ تكفل ما تبقى من رجال الدوار بتوزيع المساعدات على الأسر المنكوبة، في مشاهد تبرز قيم التآزر واقتسام "الحارة والحلوة" بين سكان القرية وإيمانهم بأنهم جسد واحد. صلة لا تنقطع رغم مرور أيام على الفاجعة، تتواصل زيارات السلطات وعائلات الضحايا وفاعلي الخير والمتبرعين لدوار تيكخت، وباقي دواوير جماعة أداسيل، متحدين وعورة التضاريس، لإيمانهم أن الصلة لا يجب أن تنقطع مهما كانت الظروف والأسباب. وبعد مغادرة فرق الإنقاذ المناطق المنكوبة إثر انتهاء عملها البطولي بنجاح، يسارع سكان دوار تيكخت والدواوير المجاورة الكائنة بتراب جماعة أداسيل، الزمن في محاولة لتحدي شبح العزلة في حال انقطعت الطرق المؤدية إليهم من جديد، بسبب الانهيارات الصخرية، نتيجة تداعيات الهزة العنيفة التي ضربت إقليمي الحوز وشيشاوة وباقي المناطق. عامل الإقليم... رجل الميدان في مشهد بعيد عن البرتوكول المعمول به، ظهر بوعبيد الكراب، عامل إقليم شيشاوة، وهو يسارع الخطى ويطأ بقدميه الأوحال ويتخطى الأحجار ويصعد أدراج الجبل، في محاولة للوصول إلى عدد من الخيم المتمركزة بدوار تيكخت، من أجل الاستماع إلى هموم السكان المتضررين، عوض الاكتفاء بالخيمة الرسمية التي تم نصبها وسط الدوار المدمر. وصادفت زيارة "الصباح"، لدوار تيكخت وجود عامل إقليم شيشاوة رفقة أطر مؤسسة محمد الخامس للتضامن، إذ واصل المسؤول الأول عن الإقليم إشرافه الميداني على تتبع وتفقد استفادة الأسر والأهالي من المساعدات الإنسانية المخصصة لهم عقب الزلزال، عن طريق التتبع للتفاصيل والجزئيات، ضمانا لتفعيل التعليمات الملكية التي أظهرت قوة الدولة في مجابهة الأزمات. ومن الأمور التي استرعت انتباه "الصباح"، التناغم الحاصل بين سكان المنطقة والعامل الذي ظهر خلال أحاديثه الجانبية ملما بتضاريس المنطقة، إلى درجة حفظه أسماء الدواوير والمناطق عن ظهر قلب. مؤسسة محمد الخامس... "الدينامو" أشرفت مؤسسة محمد الخامس للتضامن، في إطار جهودها الموصولة لمواكبة ودعم المتضررين من زلزال الحوز، بدوار تيكخت جماعة أداسيل إقليم شيشاوة، على توزيع المساعدات الإنسانية وعلى عملية نصب الخيام لفائدة سكان الدوار الذي دمر بشكل كامل جراء الزلزال. وحطت شاحنات المساعدات التابعة لمؤسسة محمد الخامس للتضامن، الرحال بدوار تيكخت، تحت إشراف سواعد جنود القوات المسلحة الملكية، الذين حرصوا على إنجاح عمليات التوزيع، قبل أن يغادر مختلف المتدخلين الدوار لاستئناف مبادراتهم الإنسانية. وعاينت "الصباح"، كيف أبلت عناصر القوات المسلحة الملكية صحبة فرق الوقاية المدنية والدرك الملكي والقوات المساعدة والسلطات المحلية، البلاء الحسن بدواوير ومداشر جماعة أداسيل، لإيصال المساعدات للمباني المنهارة، رغم الظروف الصعبة الناجمة عن طبيعة التضاريس الوعرة بهذه المنطقة الجبلية والانهيارات الصخرية التي خلفها الزلزال، والتي أدت إلى وقف حركة السير لساعات طويلة على الطريق المؤدية إلى الدواوير المنكوبة، والتي سويت مساكن العديد منها بالأرض. إشادة بجهود السلطات أشاد عدد من سكان دوار تيكخت، ترسيخا لثقافة الاعتراف بالجهود التي تبذلها السلطات العمومية تنفيذا للتعليمات الملكية من أجل التخفيف من معاناتهم ومدهم بالإغاثة والدعم اللازمين، منوهين بالمبادرات غير المسبوقة التي قامت بها عناصر الوقاية المدنية والقوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والسلطات الترابية. وجدد سكان قرية تيكخت امتنانهم للهبة التضامنية القوية لكافة مكونات أفراد المجتمع المغربي، من بينها جمعيات المجتمع المدني وفاعلو الخير الذين كانوا يحلون فرادى وجماعات، لمؤازرة سكان المناطق المنكوبة بمجرد وقوع فاجعة الزلزال المدمر. ولم يفت سكان دوار تيكخت بجماعة أداسيل، التعبير عن تقديرهم للجهود التي تبذلها السلطات المحلية ومختلف المتدخلين في ما يخص إنجاح عمليات إحصاء المنازل المتهدمة أو المتصدعة، استعدادا للورش الملكي لإعادة إعمار المناطق المتضررة، وكذا ما يتعلق باستئناف تعليم أطفالهم حتى لا يضيع مستقبلهم الدراسي جراء الزلزال.

دوار تيكخت… انبعاث من الرماد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إشبيلية يتضامن مع ضحايا الزلزال

مباراتا كوت ديفوار وليبيريا في أكتوبر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات