لصوص المساعدات… التجارة البشعة

سطوا عليها بطرق احتيالية والنيابة العامة تصدت لهم حماية لقيم وأهداف العمل الإحساني في أوج حملة التضامن الكبيرة التي عبرت عنها جميع أطياف الشعب المغربي مع ضحايا زلزال الحوز، والتي كانت درسا بليغا للعالم أجمع، غردت فئة خارج السرب، وحاولت تشويه الحملة التضامنية، بعد أن تورطت في عمليات نصب للسطو على المساعدات، لكن مخططاتها باءت بالفشل، بعد تدخل صارم للنيابة العامة والمصالح الأمنية، وأجهضتها في المهد. إنجاز : مصطفى لطفي رغم الحزن الشديد على ما خلفه الزلزال من دمار وضحايا من مختلف الأعمار يقطنون مناطق مهمشة، ظهرت فسحة أمل أعادت البسمة للناجين، عندما تدخل المواطنون من طنجة إلى الكويرة وفي تنافس غير مسبوق للتضامن مع الضحايا وتمكينهم من مساعدات تنوعت بين مواد غذائية وألبسة وأغطية وخيام، إلى جانب الإسراع بزيارتهم في قراهم المنكوبة، وتقديم دعم نفسي لهم خفف من مصابهم الجلل، في رسالة تناقلتها القنوات العالمية بأن المغاربة جسد واحد وليسوا في حاجة لأحد. لكن خلال ذروة تحمس المغاربة في التبرع وتقديم المساعدات، بدأت تظهر فيديوهات لبعضهم تحذر من نصابين ولصوص، يحاولون السطو على المساعدات الموجهة إلى الضحايا، في البداية تم التعاطي مع هذه المقاطع بنوع من الحذر، قبل أن تدخل النيابة العامة على الخط وتصدر تعليمات بالتعامل مع أي بلاغ أو وشاية صادرة في هذا الشأن وإيقاف المتورطين. نصب وسرقات بـ"العلالي" كانت أول إشارة حول ظهور "لصوص المساعدات"، من خلال فيديو لمواطنة من فاس، نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، تطوعت رفقة زملاء لها لنقل مساعدات عبر شاحنات إلى الحوز. حذرت صاحبة الفيديو من عمليات نصب للسطو على المساعدات، بعد ادعاء زوجين، أنهما سيرافقانهم إلى المناطق المنكوبة، ولما وصلوا مدينة، طلبا تحويل وجهة الشاحنات صوب مستودع، على أن يتوليا هما نقلها إلى الحوز. أدركت صاحبة الفيديو أن الزوجين نصابان محترفان، سيما عندما ألحا على طلبهما، ولم تتخلص منهما إلا بعد أن هددت بإشعار الشرطة. بعد هذه الواقعة، كان أول سقوط للصوص مساعدات الزلزال بتمارة، ويتعلق الأمر بسائق شاحنة، وضع فيه محسنون الثقة كاملة من أجل نقل ما تبرعوا به على الضحايا، وسددوا ثمن الرحلة وأجرته، لكن بدل نقل "الأمانة" إلى المنكوبين، كانت الوجهة محلا للبقالة. وبناء على شكاية جمعوية، اعتقل سائق الشاحنة ومساعده ومالك محل البقالة، وتمت استعادة المساعدات المسلوبة. وإذا كان سائق شاحنة تمارة أول من أوقف من لصوص المساعدات، فإن سائقا ثانيا من الرباط، كان أول من يصدر فيه حكم بالحبس لتورطه في التهمة نفسها، إذ أدين من قبل ابتدائية سطات بسنتين حبسا نافذا، بعد أن أوقف بعاصمة الشاوية، وهو بصدد البحث عن شخص يفوت له تبرعات ومساعدات سلمت له من قبل مواطنين بالعاصمة الإدارية، لإيصالها إلى المناطق المنكوبة. ورغم الاعتقال والزجر، واصل لصوص المساعدات نشاطهم، إذ في فاس اعتقلت الشرطة أربعة أشخاص تورطوا في سرقة مساعدات عينية قدمت على سبيل التضامن من قبل المواطنين، كانت موضوعة على شاحنات، من بينها أغطية وملابس موجهة لضحايا الحوز، قبل أن تظهر فيديوهات لجمعويين ببعض المناطق المنكوبة تحدثوا عن عصابات مسلحة بسكاكين تعترض طريق القوافل التضامنية لسرقتها، لكن لم يتم التأكد من صحة هذه الأخبار. أبشع تجارة توصف تجارة الأزمات بأنها أبشع تجارة عرفتها البشرية، يحترفها من تجرد من إنسانيته ويحمل قلبا ميتا، مع انعدام الحس الإنساني والأخلاقي، لا يهم صاحبها موتى الضحايا ومآسيهم، بقدر ما يهمه جني المال. لهم قواسم مشتركة بتجار الأسلحة، الذين لا تعنيهم ما ستسببه أسلحتهم من قتل للضحايا والنساء والعجائز. تنوعت تخصصات تجار الأزمات، إذ نجد فئة لصوص المواد الغذائية والعينية التي سلمت على سبيل التضامن، وهناك من ابتكر طرقا جديدة للفوز بـ"كعكة" عائدات الفاجعة، منهم تجار سارعوا إلى رفع أسعار المواد الغذائية والألبسة وكل ما يحتاجه ضحايا الزلزال، وهناك من رفع ثمن الرحلات المتجهة صوب المناطق المنكوبة. ويبقى أكبر تجار الأزمات، هم الذين من حذرت منهم جمعيات تعنى بالمال العام، الذين، حسب قولها، يتربصون بصفقات الإعمار التي تبنتها الدولة، والتي تقدر قيمتها بمئات الملايير. الاصطياد في الماء العكر يصف علي الشعباني، أستاذ علم الاجتماع، تجار الأزمات بالذين يتحينون الفرصة للاصطياد في الماء العكر، فهم حسب قولهم، يركبون على الأزمات والفتن والكوارث ليحققوا مآربهم. وأكد الشعباني أن هؤلاء، تنطبق عليهم مقولة "حق أريد به باطل"، إذ تراهم في الصفوف الأولى في حملات التضامن مع الضحايا، يكدون في جمع التبرعات، لكنهم في الحقيقة، يخططون للسطو عليها والاحتفاظ بها لأنفسهم، والدليل أنه رغم إعلان الدولة عن رقم حساب بنكي لوضع التبرعات، سواء للمقيمين بالمغرب أو المهجر، ظهرت فئات تستغل المساجد وجمعيات للطعن في هذه المبادرة وضرب مصداقيتها، لتكشف عن حسابات بنكية خاصة بها، وتطالب المواطنين بوضع تبرعات فيهم، بحجة أن تبرعاتهم التي ستوضع في حساب الدولة سيكون مصيرها الاختلاس والنهب، في حين أنهم تجتمع فيهم صفة التقوى والوقار. هي وسيلة من وسائل النصب والاحتيال لتحقيق مصالح شخصية. وأضاف أستاذ علم الاجتماع، أن تجارة الأزمات تجارة سيئة، فالمتورطون فيها يتاجرون في الكوارث وآلام المواطنين وسرقتهم، بطريقة تشوه الأبعاد الحقيقية للتضامن، وهو ما يضرب مصداقية العمل الإحساني ومجهودات الدولة في تدبير الأزمات، كما تسيء إلى العديد من المبادئ والقيم وتقلل من منسوب الثقة لدى المواطنين، سواء في الدولة أو الأشخاص. وبخصوص تعمد بعض ضحايا الزلزال احتكار المساعدات لأنفسهم، وحرمان ضحايا آخرين منها، أكد الشعباني، أن الأمر يتعلق بـ"عقلية التسول" التي يتصف بها هؤلاء، إذ رغم استفادتهم من قبل جهة ما، إلا أنهم يصرون على الحصول على مساعدات من جهة أخرى، وتعتبر إساءة أيضا للعمل التضامني، الذي قد يدفع المتضامين والمحسنين إلى التأفف من هذه السلوكات والامتناع عن التبرع، ما يضر بفئات في حاجة ماسة إليها. ظروف تشديد قال مراد العبودي، محام بهيأة الرباط، عن كارثة زلزال الحوز، إنه بقدر ما كشفت عن أمور إيجابية جدا في المجتمع المغربي، على رأسها حملات التضامن غير المسبوقة ، فضحت في الوقت نفسه سلوكات مشينة تورط فيها بعض منعدمي الضمير، عبر استغلال هذه الكارثة، ومسارعة المغاربة في التبرع وإرسال مساعدات مادية ومعنوية للمناطق المنكوبة، للسطو عليها لإعادة بيعها بأثمنة تفضيلية لبعض التجار، قبل أن يفضح أصحاب الضمائر الحية والحس الوطني هذه المخططات، وقاموا بالتبليغ عن أصحابها، مشيدا بتفاعل السلطات السريع مع هذه البلاغات وتدخلها الفوري في حق المتورطين عبر اعتقالهم وزجر كل من سولت له نفسه سلب مساعدات الضحايا. وثمن العبودي بفخر واعتزاز موقف رئاسة النيابة العامة، عبر نشر بلاغ لها، أصدرت فيه تعليمات صارمة للنيابات العامة بالتفاعل مع أي إخبار أو وشاية في هذا الشأن، وإصدار تعليمات صارمة للضابطة القضائية لإيقاف كل من حاول استغلال الأزمة، لتحويل المساعدات والسطو عليها لتحقيق مصالح شخصية، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة في حقهم. وأوضح المحامي، أن استغلال كارثة زلزال الحوز، قد يكون ماديا عبر سرقة المساعدات وتبرعات المواطنين والتصرف فيها بشكل شخصي، أو استغلال مؤونات بأخذها للحساب الشخصي، بل وصل الأمر إلى حد أن مناطق منكوبة تورطت بدورها في هذا العمل المشين، عبر منع قوافل المساعدات من الانتقال إلى القرى المتضررة، وإصرار أشخاص على أن يستفيدوا منها لوحدهم بالقوة، دون إغفال تورط تجار في مضاعفة أثمنة مواد ضحايا الزلزال في أمس الحاجة إليها من قبيل الألبسة والأغطية، إذ كشفوا حسب المحامي، عن معدنهم الرخيص. وإلى جانب الاستغلال المادي يضيف العبودي، هناك استغلال معنوي تورط فيه من يسمون أنفسهم بـ"اليوتوبرز"، الذين انتقلوا إلى القرى المنكوبة ليس لنقل معاناة الضحايا، بل لتحويلهم إلى مواضيع لفيديوهاتهم بطريقة مشينة ومخالفة للقانون، والهدف منها الرفع من نسب المشاهدة، وهذا يتعارض مع حملة التضامن الكبيرة التي شاركت فيها جميع أطياف الشعب المغربي، أثرياءه وفقراءه، إذ ساهم كل من موقعه في التبرع لفائدة الضحايا، لهذا، يؤكد المحامي، يجب ردع تجار الأزمات ومعاقبتهم، حتى يكونوا عبرة، لأنهم تجردوا من حس الوطنية والضمير. وبخصوص موقف القانون من هذه السلوكات، شدد المحامي بهيأة الرباط، على أن المشرع نص أنه في حالة القوة القاهرة والظروف الطارئة، تكون هناك حالة استثناء، ومن قام بأعمال مخلة بالنظام العام وتم ضبطه، يكون مصيره عقوبات مشددة، حسب وقائع الجريمة، فكل من تورط في سرقة مساعدات لفائدة الضحايا أو سرقة متاعهم وممتلكاتهم مستغلا انهيار منازلهم بسبب الزلزال، يكون مصيره عقوبات مشددة، بحكم أن فعل السرقة يتم تكييفه من جنحة إلى جناية السرقة الموصوفة مع وجود ظرف تشديد، لأنه استغل الظروف القاهرة لتنفيذ جريمته، وهي حدوث الزلزال، كما قد يجد المتهم نفسه متابعا بتهم النصب وخيانة الأمانة أيضا. مناشدات بتشديد العقوبات تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع فضائح لصوص المساعدات، منهم من اعتبروهم خونة ويجب إسقاط الجنسية المغربية عنهم، لأن ما قاموا به إساءة كبيرة للمغرب وضربا للتضامن، الذي عبر عنه المغاربة قاطبة، في حين ناشد آخرون المسؤولين بإنزال عقوبة مشددة عليهم، أو على الأقل محاكمتهم بقانون الطوارئ. كانت أول التعليقات الغاضبة من صاحبها ياسين، الذي علق قائلا "كفى من المتاجرة في مساعدات الفقراء والمحتاجين. حسبنا الله ونعم الوكيل، تجب متابعة تجار المآسي. من قرر التبرع أو تقديم مساعدة، يجب عليه تتبع مسارها لان محترفي النصب يتربصون بها". أما عمر فعبر عن غضبه بطريقة لبقة بالقول "عندما تشارك هؤلاء المتورطين الحديث، يتهمون دون تردد مسؤولين بالاختلاس والسطو على أموال عمومية، لكن لما سنحت لهم الفرصة، لم يترددوا في سرقة مساعدات ثمن بعضها زهيد، لهذا فالسجن لكل من سولت له نفسه التلاعب بالتبرعات". اما أمينة، فعلقت قائلة :" هؤلاء عناصر خطيرة، من يفعل مثل هذه الأفاعيل في وقت كل أبناء الوطن مجندون لتخفيف الضرر عن المنكوبين،لا خير فيهم وقادرون أن يفعلوا أي شيء ضد أمتهم ووطنهم، لهذا نطلب من القضاء إنزال أشد العقوبات عليهم وعلى أمثالهم». وعلى المنوال نفسه، دون عمر " إذا تورط هؤلاء فعلا في السرقة، فلا بد من الجهاز القضائي إنزال العقوبة اللازمة دون رحمة، لأنه لا ينصفون حتى بقسط صغير من الإنسانية". في حين يرى إبراهيم أن لصوص المساعدات " هم نوع من أثرياء الحرب، هذا النوع يعتبر كمن يسرق المؤونة الموجهة للقوات المسلحة أيام الحرب". أما عصام فعلق قائلا " يجب إنزال أقصى العقوبات على كل من سمحت له نفسه سرقة حاجيات غيره". وتساند هاجر التعليق السابق، بدعوتها إلى "معاقبة هؤلاء المجرمين أشد العقاب ليكونوا عبرة للآخرين، كما تجب مراقبة الأسعار المشتعلة من قبل بعض التجار بالعديد من المدن، الذين أعماهم الطمع والجشع ويستغلون هذه الظروف، لهذا فالمرجو التبليغ عنهم ". وختم علال التعليقات بمناشدة النيابات العامة بالمملكة، بـ"محاكمة المتورطين بقانون الطوارئ، ومنحهم أقصى العقوبات لكي يكونوا عبره لأمثالهم، ويجب على الأقل، إدانتهم بعشرين سنة سجنا".

لصوص المساعدات… التجارة البشعة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إدانة أفراد شبكة الغش في الامتحانات

الجهاد الأكبر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات