نفائس فاس العتيقة : فشل العلماء في حل أزمة فاس

- فاس كانت نهاية عشرينات القرن 17 عبارة عن أحياء منقسمة متصارعة في ما بينها محاولة العلماء حل أزمة فاس وما حل بالمدينة من اضطرابات وقلاقل بعد وفاة المنصور جراء النزاعات بين أبنائه وتحركات القبائل المجاورة وعدم اتفاق علمائها على بيعة ثابتة لأحد أبنائه، أفرد لها صفحات كتاب "تاريخ مدينة فاس" الذي شارك في تأليفه محمد مزين ومحمد اللبار وعبد الإله بلمليح ومحمد فتحة وعبد الرحيم بنحادة ومحمد بوكبوط ومحمد حاتمي وجامع بيضاء وموسى عوني.الكتاب أورد أن علماء فاس لم تكن لهم القدرة على وضع حد لتدهور الأمور بالمدينة بعد أفول نجم الدولة السعدية، وإيقاف الحروب والحسم لصالح أمير واحد، رغم سلطتهم المعنوية والدينية، ما بررته المصادر التاريخية بتحكم نزاعاتهم الشخصية والعلاقات التي نسجوها مع الأمراء السعديين، في ذلك خاصة الموالين منهم لزيدان أو المامون ابن المنصور الذي نصحوه بقتله لما ثار عليه. لكن المثير أن علماء تأثرت علاقتهم بالدولة السعدية، حاولوا البحث عن شرعية سياسية دون القاعدة السعدية، قائلة بأن الحكم "للأكبر فالأكبر" كموقف عبر عنه القاضي أبو الفضل عياض لما أقر بأن "القوم إذا بقوا فوضى مهملين لا إمام لهم، فلهم أن يتفقوا على إمام يبايعونه ويستخلفونه عليهم بعضهم من بعض ويقيم لهم الحدود"، حيث يأتي ترشيح الشرفاء الأدارسة للأخذ بزمام الأمور. وأضحت فاس نهاية عشرينات القرن 17 عبارة عن أحياء منقسمة متصارعة فيما بينها، إذ بلغ التوتر فيما بينها أقصى درجاته، واندلعت حروب بين العدوتين، بل انقسمت عدوة القرويين إلى معسكرين متنافرين واشتد الصراع بين معسكر اللمطيين والأندلسيين الوافدين على فاس، بعدما قاد علماء انتفاضات بعضها باء بالفشل كحال الشريف أبي العباس أحمد ابن إدريس العمراني.هذا الشريف أشهر ورقة الجهاد ضد الدولة، جامعا الناس حوله عازما التوجه إلى العرائش لتحريرها، لكنه فشل شأنه شأن علماء وفقهاء آخرين من قبيل الشريف الزرهوني الذي ثبت عضده بالفقيه اللمطي المعروف ب"المربوع"، محاولة للقضاء على المامون الذي خرج من المدينة، لكنهما سرعان ما عبرا عن عجزهما عن مواصلة المقاومة فدخلا في خدمة عبد الله بن الشيخ. وكان للصراعات السياسية التي عرفتها المدينة في هذه المرحلة إلى درجة أن استولى الخراب عليها ودام الشر بين أهل عدوتيها و"كادت فاس أن تضمحل ويعفو رسمها"، تأثير على المساجد خاصة جامع القرويين الذين تعطلت فيه الصلاة لمرات متعددة، في ظل غياب سلطة مركزية قوية والهجمات المتكررة للقبائل المجاورة التي استنجد بها "بحثا عن سلطة ضائعة" من أيدي السعديين.وكان للحركة الفكرية دور في عدم استسلام المدينة نهائيا، إذ ساهم العلماء في النقاشات الفقهية التي عرفها المغرب ونبغ فيها فقهاء لهم باع في فقه العبادات والمعاملات، سرعان ما انتبه إليهم العلويون لضمان مركز قوة لفاس، حيث عمل السلطان المولى الرشيد على تعيين الفقيه حمدون المزوار قاضيا على المدينة واستقدم الفقيه أبا علي الحسن اليوسي للتدريس في جامع القرويين.لكن الصراع سرعان ما انفتح منذ البداية بين العلماء والمخزن الإسماعيلي، وشمل مناحي تداخل فيها الديني بالسياسي، خاصة بعدما مارس السلطان ضغوطا نفسية على العلماء لضمان رضوخهم لسياسته، ما أدى إلى توتر كان له أثر على المدينة، بالنظر إلى موقف عبد السلام جسوس من تمليك الحراطين وبراءة أبو علي الحسن اليوسي الذي غربه المولى الرشيد، عن زاوية الدلاء، إلى السلطان. ولم ترق السياسة المالية لحكام فاس، هذا الشيخ الذي انضم لصفه علماء، وراسل المولى إسماعيل في موضوع الجبايات بعدما فرض المخزن ضرائب "لا شرعية" لإحقاق التوازنات بين وضعية بيت المال ومتطلبات تكوين قوة عسكرية نظامية، إذ زاد من النوائب وجعلها ضريبة دائمة عوض أن تكون مؤقتة، وكانت تفرض نقدا أو عينا، وأضاف إليها المكوس التي فرضت على تجار المدينة. ولا تقل محنة العالم عبد السلام جسوس، مع تلك لليوسي مع المخزن، بعدما أمر السلطان أن يقبض منه 20 قنطارا من المال، فاعتقل وسجن وصودرت ممتلكاته وأهين وضرب من قبل القائد قبل الطواف به بعدة أماكن لتكميل القدر المالي، إذ فرضت الفروض على بعض العلماء الآخرين من قبيل بردلة ومحمد ميارة، قبل أن يقتله القائد في اليوم الموالي لجمع المبلغ والإفراج عنه. وتبرر المصادر التاريخية قتل السلطان إسماعيل الذي ناوء مخزنه الإسماعيلي عدة علماء وفقهاء ورجال دين، لهذا العالم، بحظوته بين عامة الناس الذين أغدقوا عليه المال والجواهر واليواقيت لما كان مسجونا، "فجمعوا ما وظفوه عليه في أقرب مدة وذهبوا إلى السلطان وقال له أنظر محبة الناس فيه"، بل "في تسريحه يخاف منه على الملك في السر والعلن، وقتله فيه الراحة والسلامة". حميد الأبيض (فاس)

نفائس فاس العتيقة : فشل العلماء في حل أزمة فاس

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

محكيات أحمد الطالبي : زنـــزانــة الـبــركــاويـــة

إرهاب تحت قبعة «الجهاد» : بوكو حرام... ترفع وتيرة عملياتها بنيجيريا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات