حادثتا القتل الأخيرتان أظهرتا خللا في المراقبة والقانون لا يكفي للردع بقراءة بسيطة للقانون المتعلق بتنظيم المواد المتفجرة ذات الاستعمال المدني والشهب الاصطناعية الترفيهية والمعدات التي تحتوي على مواد نارية بيروتقنية، يلاحظ أنه يتضمن عقوبات ثقيلة في حق كل من يحوزها أو يصنعها أو يروجها بطريقة غير قانونية، إذ تصل العقوبة فيه إلى خمس سنوات و500 ألف درهم كحد أقصى، مع مصادرة هذه المواد وإتلافها وفق ما سينص عليه قانون تنظيمي. العقوبات الزجرية التي يتضمنها القانون لم تمنع من عملية تهريب هذا النوع من الشهب، والذي طالما تسبب في كوارث آخرها جريمتا القتل التي راح ضحيتهما شابان بالبيضاء على التوالي، السبت والأحد الماضيين، بواسطة مفرقع "الفيزي"، ما يطرح سؤال من سمح بإدخال هذه المفرقعات بشكل غير قانوني للمغرب؟ ومن المسؤول عن بيعها؟ إذ أن الأبحاث لا ينبغي أن تنصب فقط على اعتقال من استعملوها وأحدثوا ذلك الجرم، بل يجب أن تشمل أيضا من أدخلها ومن ساعده على ذلك، لأن الأمر خطير، وهذه الحوادث تتكرر بين الفينة والأخرى، والتساهل أعطى انطباعا خاصة لمستعمليها من القاصرين ومشجعي الأندية الرياضية أن الأمر عاد ومسموح به. حادثتا القتل وإن لم تكونا الوحيدتين بخصوص استعمال الشهب النارية والمفرقعات الخطيرة من قبل القاصرين في مناسبات عدة، توحيان أن هناك "حربا" تعيشها الشوارع ومدرجات الملاعب، بشهب اصطناعية خطيرة، لا يمكن التعايش معها، أو تجاهلها لأن الوضع لم يعد يحتمل وقوع ضحايا آخرين. ما عاشته البيضاء، أخيرا، يفتح النقاش حول هذه الظاهرة التي تعددت مظاهرها ولم تعد مرتبطة باحتفالات عاشوراء وامتدت إلى صراعات الإلترات. كريمة مصلي صواريخ "فيزي"... نيران تحاصر البيضاء مقتل الشابين كشف توجها نحو استعمال أسلحة خطيرة في إحدى السلسلات الفكاهية للممثل القدير حسن الفد، والتي تؤرخ لحقبة "الويسترن"، داهم لص بنكا بسكين، مهددا مسيره بطعنه في حال لم يسلمه المال، لكن الأخير تظاهر بالخوف الشديد، قبل أن يوجه فوهة مسدسه صوب اللص، مخاطبا إياه"واش أنت ولد كازا"، في إشارة إلى أنه كان يتحوز مسدسا، ومع ذلك فضل استخدام السكين. هذا المشهد الهزلي حمل رسالة حول تنامي العنف والسرقات بالعنف بالعاصمة الاقتصادية، إلا أنها ستبقى مجرد ذكرى مستقبلا، بعد أن صار الجانحون يتصارعون بشهب نارية، أبرزها صاروخ "الفيزي" الذي أودى في أقل من يوم بحياة شابين. تسبب صاروخ "الفيزي" في فواجع منذ فترة طويلة، كان أكثرها صدمة للمغاربة، مقتل خمسيني أمام زوجته بخريبكة بعد أن أصابه واحد في عنقه خلال مواجهات بين جماهير الرجاء وخريبكة، وقتها توهم الجميع أن السلطات ستتدخل للقطع مع "الأسلحة" الجديدة لخطورتها، إلى أن هزت جريمتا قتل بالبيضاء الجميع، وكشفت أن الوضع بدأ ينفلت إذا لم تتدخل المصالح الأمنية في الوقت المناسب. تفاصيل الجريمة الأولى، والتي شهدها حي المسيرة بعمالة مولاي رشيد بالبيضاء، امتزج فيها الشغب الرياضي بالانتقام الشخصي، بحكم أن القاتل والضحية كانا يعشقان الفريق نفسه، قبل أن "ينشق" المتهم عن انتمائه الرياضي، ما جعله عرضة لتحرشات زملائه السابقين، من بينهم الضحية، إذ وصل الأمر إلى حد تعريضه لاعتداءات جسدية. توقف التحرش بالمتهم لفترة بسبب قضائه عقوبة حبسية، وبمجرد مغادرته السجن، تم التحرش به من جديد، فقرر الاستعانة بزملاء له للهجوم على خصومهم، ما دفع الضحية إلى الاحتماء بمنزل، وبعد عودة الهدوء إلى الحي، غادره معتقدا أن كل شيء انتهى، ليفاجأ بطلقة من صاروخ "الفيزي" تصيب رأسه وتتسبب في مصرعه في الحال. اعتقل المتهم بعد جريمته بساعات رفقة فتاة كان ينوي الفرار معها صوب وجهة مجهولة. أما بمنطقة سيدي مومن، فكان الأمر مختلفا، فالضحية لا ينتمي لأي فصيل رياضي، وفارق الحياة لأنه كان في المكان الخطأ لحظة اندلاع المواجهة بين أنصار الوداد والرجاء، إذ أصيب بصاروخ "الفيزي" في عينيه فسقط مغمى عليه إلى أن فارق الحياة. القصة بدأت بعدما هاجم مشجعون خصومهم وهم قلة واعتدوا عليهم جسديا، فاستنجد الضحايا بمنحرفين لرد "العدوان" والقصاص منهم، لكن الأمور ستأخذ منحى آخر، لحظة وصول الجانحين على متن سيارة ودراجات "تريبورتور"، لحظات قبل الإفطار، إذ تحول المكان إلى مواجهات بين أنصار الفريقين، استعملت فيها صواريخ "الفيزي"، تسببت إحداها في قتل الضحية. تم حجز سيارة المهاجمين بعد تخريبها من قبل المواطنين الساخطين على الجريمة، تبين أنها في ملكية وكالة لكراء السيارات، ما سهل تحديد هوية أحد المشاركين في الجريمة، قبل أن تنجح الشرطة في اعتقال المتهم الرئيسي وأربعة من شركائه، ليلة الاثنين الماضي. مصطفى لطفي عاشوراء وشغب الملاعب... مناسبات الإقبال الصاروخ القاتل تحول إلى سلاح للمواجهات بين الإلترات والمتناحرين ووسيلة للضحك "الباسل" إقبال الشباب والقاصرين على المفرقعات النارية الخطيرة خاصة "صاروخ فيزي"، صار واقعا مقلقا، بعد أن تحول من ممارسات معزولة إلى ظاهرة تهدد الأمن والنظام العامين. وأضحى صاروخ "فيزي" سلاحا يحوزه عدد من الجماهير الكروية في وقائع الشغب التي يتورط فيها جانحون سواء بالملاعب ومحيطها أثناء صراعهم مع أنصار الفريق الزائر، أو في حسم الصراع خلال المواجهات الدموية التي تنشب بين أفراد الإلترات. وتحول "صاروخ فيزي" إلى سلاح فتاك يستعين به المتناحرون فيما بينهم أثناء خوضهم حرب الشوارع، إما للدفاع عن النفس أو أثناء تنفيذ مخططات الهجوم على أفراد الالترات الغريمة في إطار تصفية الحسابات، وهي المعارك التي انتهت بإزهاق أرواح عدد من الشباب في عمر الزهور، ذنبهم الوحيد أنهم ينتمون للفريق الغريم، أو كانوا حاضرين بالصدفة بساحة «الاقتتال». ولم يعد صاروخ "فيزي" مرتبطا بشغب الملاعب والمزحة الثقيلة في احتفالات عاشوراء، بل صار وسيلة للتناحر بين عصابات السرقة وتجار المخدرات و»الفتوات» الذين يحاولون بسط سيطرتهم على الأحياء والدواوير. وترتفع حمى الاستعانة بالألعاب النارية الخطيرة من بينها "صاروخ فيزي"، التي تستعمل من قبل عدد من المراهقين والقاصرين والمنحرفين وما تتسبب فيه من مخاطر على صحة وسلامة مستعمليها وكذا المواطنين، الذين يتم استهدافهم خطأ أو عن قصد، من قبل بعض المنحرفين، كلما اقترب موعد الاحتفال بعاشوراء، باستغلال "الشعالة"، وهي التي يعتمد فيها على إشعال النار في إطارات وعجلات السيارات غير الصالحة، في بعض البقع الخالية وسط الأحياء، ويتناوب الأطفال والشباب على القفز فوقها، ويكررون العملية ذاتها إلى أن ينطفئ لهيب النار. ورغم حرص السلطات المحلية والأمنية على منع مظاهر وطقوس الاحتفال بعاشوراء خاصة "الشعالة" بعد ظهور مخاطرها على حياة الأفراد، إلا أن المراهقين والجانحين والأطفال يتحدون القرار ويخرجون للاحتفال ونشر الفوضى بمختلف أزقة وشوارع المدن والأقاليم، دون اكتراث للمخاطر التي يسببونها للجيران والمارة وسيارات المواطنين التي يمكن أن تتحول إلى قنابل موقوتة. واستغل جانحون ترويج المفرقعات والشهب النارية المهربة التي يتم الإقبال عليها للاحتفاء بمناسبة عاشوراء، لإدخال صواريخ "فيزي" التي تتجاوز مخاطرها إصابات جسدية إلى إزهاق أرواح الأشخاص الذين تصيبهم. ومن الأمور التي تكشف خطورة اللعب بالمفرقعات، وقوع أحداث خطيرة العام الماضي، إذ لم يكتف الجانحون والمراهقون بتبادل العنف في ما بينهم بالمفرقعات وتخويف المارة، بل امتد شغبهم إلى الاعتداء على الشرطة والسلطة المحلية، وإبداء مقاومة عنيفة في حق عناصرها، بعدما لم يتقبلوا محاولات إخماد النيران ومنع الاحتفالات المرعبة. ويطور المروجون لهذا النوع من السلع المحظورة، أساليب التمويه لإنجاح تجارتهم وفي الوقت نفسه لتفادي افتضاح أمرهم واعتقالهم، سواء بالاعتماد على قاصرين في عمليات البيع أو ربات بيوت للبقاء بعيدا عن الشك، إضافة إلى طرق تهريبها التي تجعل الآباء يتساءلون عن دور السلطات المختصة في منع استيراد وترويج هذا النوع من المفرقعات المحظورة. محمد بها شبكات التهريب < أولا، لا يوجد فراغ قانوني، في ما يتعلق باستعمال الشهب الاصطناعية الترفيهية، حتى نطالب بمزيد من التقنين، بل على العكس من ذلك، فالعقوبات التي تنتظر خارقي القانون أو المتسببين للغير بأضرار، صارمة سواء عند خرق الشروط المحددة في المرسوم 2.22.490 المتعلق بتصنيفات المواد المتفجرة ذات الاستعمال المدني أوالشهب الاصطناعية الترفيهية، الصادر في غشت الماضي، أو تلك التي وردت في مدونة الجمارك، ثم أخيرا فصول القانون الجنائي التي تتأرجح بين الجنحة والجناية، حسب تكييف النيابة العامة للنتيجة الإجرامية، عند تعريض سلامة الأشخاص أو الممتلكات للضرر، ومن النتائج الإجرامية التي قد تحدثها هذه الشهب الاصطناعية المتفجرة، مثلا القتل والعاهة المستديمة وإضرام النار، وهذه جرائم خطيرة وعقوباتها مشددة. < المشكل يتحدد في خطر التهريب وشبكاته الحلزونية في البر والبحر، فجل الشهب الاصطناعية التي تستعمل في شغب الملاعب أو في الاعتداءات التي ذكرتم، مصدرها التهريب، لأن الأشخاص المرخص لهم قانونا ببيع هذا النوع من المواد المتفجرة الترفيهية، يدركون جيدا المخاطر، وهم مطوقون بحزمة من الإجراءات ومراقبة متعددة الأطراف، موزعة بين مصالح السلطة الوزارية المكلفة (وزارة الطاقة والمعادن)، ومصالح وزارة الداخلية/ القائد العامل الوالي، عبر التراخيص التي يزاولون بها المهنة وغيرها من المساطر، التي تعنى بالمراقبة وضبط هذا النوع من التجارة، وكذلك مصالح الأمن الوطني والدرك الملكي، فبيع هذه المنتجات النارية يستلزم ملء استمارات وتحديد الشركة، أو الجهة التي تقتني وغير ذلك، بل حتى إتلاف هذه المواد عند انتهاء صلاحيتها، حدد القانون بدقة القنوات التي تسهر على هذه العملية، وبالتالي فالتجار الشرعيون لهذه المتفجرات، لا يمكنهم المجازفة بخرق القانون، لأن ذلك يكلفهم كثيرا. ويبقى مصدر الشهب التي تستعمل في الملاعب وفي عاشوراء، غير شرعي، إذ دخلت سرا إلى البلد. < كما قلت فالمتفجرات الترفيهية، تخضع للتقنين منذ الاستعمار وبالضبط في 1918، وتم تجديد هذا القانون في غشت الماضي، بتحديد المساطر المتعلقة بالتراخيص لاستيراد وتصدير وبيع وشراء واستعمال المواد المتفجرة ذات الاستعمال المدني والشهب الاصطناعية والمعدات، التي تحتوي على مواد نارية بيروتقنية. والحرب اليوم هي مكافحة تهريب هذه المتفجرات والتشدد مع مستعمليها، ونهج أسلوب استباقي في تحديد مروجيها، فاليقظة هي الحل، للضرب بيد من حديد في حق المخالفين من أفراد شبكات التهريب. أجرى الحوار: المصطفى صفر * محام بهيأة البيضاء