محاكمة مجرم استثنائي في تاريخ المغرب

قتل 10 أشخاص ضمنهم والداه والمحكمة حولت إعدامه إلى مؤبد لم يكن ذلك اليوم عاديا في تاريخ محكمة الاستئناف بالجديدة، فالأمر يتعلق بمحاكمة استثنائية لمجرم استثنائي، أراق دما كثيرا في صفوف أصول وأقرباء وجيران، وتربع على عرش القتلة ببلادنا بتصفيته 10 أشخاص دفعة واحدة بدوار "القدامرة" بتراب جماعة زاوية سايس ذات سبت من ماي 2016. لم يكن الدخول إلى محكمة الاستئناف في يوم محاكمة السفاح متيسرا للجميع، إذ وقف حراس أمن خاص مدعومين برجلي أمن ومثلهما من القوات المساعدة، يمنعون فضوليين من حضور هذه المحاكمة الاستثنائية، وتشددوا في ضرورة الإدلاء بما يفيد وجود أغراض لهم بالمحكمة وضمنها استدعاءات حضور إلى جلسات. وصدرت تعليمات بضرورة التحكم أكثر في منافذ الدخول إلى قصر العدالة، سيما بعدما رشحت أنباء بأن البعض، من سكان دوار القدامرة المكلوم، سيحضرون للتعبير عن استيائهم الكبير مما تم الترويج له بأن السفاح سيطلق سراحه، أخذا بعين الاعتبار سقوط مسؤوليته الجنائية عن جرمه المشهود لخلل في قواه العقلية. كانت الجلسة المعقودة في هذا اليوم، تندرج ضمن اختصاصات الغرفة الجنائية الاستئنافية. هناك داخل قاعة الجلسات جو من الحذر الشديد، لمسناه في زيادة عدد الأمنيين مقارنة بجلسات أخرى سابقة، ولم يسمح أبدا بأي حركة غير عادية بباب القاعة المذكورة، إذ من المقرر أن يتم إصدار أحكام في قضايا جرائم جاهزة، وضمنها قضية سفاح "القدامرة" الذي يحضر بعض من عائلته، وليس ضمنهم طبعا والدته ووالده لأنه قتلهما في ذلك السبت المشؤوم، وحتما هي محاكمة غير مسنودة بعطف وحنان الوالدين وتعد أطول محاكمة جنائية استغرقت أزيد من 6 سنوات. بداية الإرسال وظهور السفاح ما أن سرى التيار في أحشاء شاشة المحاكمة عن بعد المربوطة بالسجن المحلي سيدي موسى، حتى ساد صمت رهيب داخل القاعة واشرأبت الأعناق للتملي بطلعة "ع.ذ"، الذي ظهر وكأن الأمر يتعلق ببطل من زمن أفلام سفاكي الدماء، وحتما بالجهة الأخرى من قاعة الحضور بالسجن، كانت الأمور هي الأخرى غير عادية بحراس بعدد مضاعف، وخارج قاعة الجلسات، وبمحيط المحكمة كانت سيارات شرطة مرابضة بالجوار، في إجراء أمني احترازي . أطوار المحاكمة الاستثنائية نادى سعيد الدشراوي، رئيس غرفة الجنايات الاستئنافية، على سفاح "القدامرة"، وبعد أن وجه إليه مجموعة من الأسئلة الاعتيادية للتأكد من هويته، ذكره بالمنسوب إليه والمرتبط بقتله في ماي 2016، 10 أشخاص ضمنهم والداه، وبطريقة بشعة تقشعر لها الأبدان. همهم الماثل بالشاشة بكلمات وصل صداها أرجاء القاعة "ما بقايتش عاقل"، وهي إجابة تتماشى إلى حد ما مع تقرير خبرة طبية ثلاثية صدرت عن مستشفى الأمراض العقلية ببرشيد، تؤكد أنه ناقص القوى العقلية في الوقت الحالي، دون أن تحسم بأنه كان منعدم التمييز في أفعاله لحظة ارتكابه جريمته التي هزت الإنسانية عبر المعمور. بعد ذلك، أخذ محمد الدك، ممثل الحق العام، الكلمة وأكد أن المحكمة اليوم تحاكم شخصا، لم تحسم الخبرة الثلاثية في انعدام قواه العقلية، ما يجعله فعلا فاقدا للتمييز، وبالتالي انعدام المسؤولية عما ارتكبه من أفعال، وإنما قالت الخبرة الطبية إنه منقوص القوى العقلية، ما يعني أنه ضمن خانة ذوي الجنون المتقطع. وزاد ممثل النيابة العامة أن "الماثل أمامنا لا يتوفر إطلاقا على ملف طبي سابق لجريمته، يفيد أنه كان مختلا عقليا ويواظب على العلاج"، وعلى خلفية ذلك طالب بأن تنزل عليه المحكمة أقصى العقوبات، لأن القتل في جريمته كان بالجملة، وشمل والديه المسنين أيضا، وهي الإبقاء على عقوبة الإعدام التي أصدرها في حقه المرحوم نورالدين فايزي . من جهة أخرى، حاول دفاعه إقناع المحكمة بانعدام مسؤوليته الجنائية للخلل الواضح في قواه العقلية، وذلك في محاولة لاستفادته من رحلة استشفاء ببرشيد، تنتهي بإطلاق سراحه، وعودته مجددا إلى دوار "القدامرة" مسرح المذبحة النكراء . من الإعدام إلى المؤبد كانت العبارة المدونة في الخبرة الطبية الثلاثية، والتي قالت بنقص في القوى العقلية وليس انعدامها، المنفذ الذي اتخذه سعيد الدشراوي لإصدار حكم شجاع بكل المقاييس، قضى بمؤاخذة السفاح بما نسب إليه وتخفيف الحكم الابتدائي الصادر في حقه من الإعدام إلى المؤبد، وهو الحكم الذي تلقاه سكان "القدامرة" بفرح شديد، لأنه خلصهم من عودة شبح السفاح ليعيش مجددا بين ظهرانيهم، في وقت كان الجميع يلوح بمغادرة أبدية لذلك الدوار إذا أطلق سراحه . عبد الله غيتومي (الجديدة)

محاكمة مجرم استثنائي في تاريخ المغرب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

القرار 2654 يعري "بوليساريو" وعرابيها

الحكم الذاتي... العد العكسي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات