حديث الصباح : زواج، دعارة، حب ومفاهيم مغلوطة

العلاقة بدون عقد زواج أمر اختياري بين شخصين ناضجين يتحملان مسؤولية اختيارهما يوم الأربعاء الماضي، قدمت إحدى الإذاعات الخاصة برنامجا حواريا خصصته لموضوع المعاشرة بدون عقد زواج، أو ما يصطلح عليه بالفرنسية (concubinage). الحلقة أثارت في ذهني العديد من التساؤلات:أول ما يثير الاهتمام، هو عنوان الحلقة: «هل المعاشرة حرية فردية أم دعارة؟» إنه سؤال خطير. أولا، لنتفق على المفاهيم. الدعارة، أو امتهان الجنس، إن شئنا أن نبتعد عن أحكام القيمة والمفاهيم القدحية، هي عملية تجارية يمارس من خلالها شخص الجنس بمقابل مادي. الشكل الأكثر شيوعا لهذه المعاملة التجارية، يتم بين زبون ذكر ومهنية جنس أنثى. باستعمال كلمة دعارة، ألسنا نضع كل اللوم على عاتق المرأة، بينما هو اختيار للطرفين ومسؤولية لهما معا؟ ثم، أين هي أوجه التشابه بين علاقة يختار من خلالها الطرفان الارتباط بدون عقد زواج، وبين علاقة جنسية تجارية؟ هل يعني هذا أننا نختزل العلاقة بين الرجل والمرأة في الجنس؟ بل والأدهى، الجنس بمقابل مادي؟ الكلمات التي نستعملها ليست مجانية وتحمل دلالات خطيرة ومهمة علينا أن نحترس منها. ثانيا، من ناحية أخرى، لا أفهم لماذا، كلما تعلق الأمر بالحريات الفردية والحريات الجنسية، تتم بسرعة ممارسة عنف فكري وربط الموضوع بالبورنوغرافية والدعارة والاعتداءات الجنسية على الأطفال. هناك أشكال كثيرة من العلاقات تبقى غير مقبولة، مهما كانت توجهاتنا الإيديولوجية، كالاستغلال الجنسي للأفراد، الاعتداءات الجنسية على الأطفال، الاغتصاب، البورنوغرافية... منذ بضعة أيام، اتصل بي صحافي يكتب موضوعا عن العلمانية وسألني عن موقفي من الأفلام البورنوغرافية والدعارة. نحن إذن أمام فئة تختزل العلمانية والحريات الفردية في الدعارة والبورنوغرافية، وفئة أخرى تختزل العلاقة الإنسانية بين رجل وامرأة في الجنس فقط، بل والأدهى، في الجنس المدفوع عنه... هل هو هوس حقيقي بالجنس، سوء فهم أم سوء نية مقصود؟ في نقطة ثالثة، ردد عدد من المشاركين اللازمة التالية: "غادي يدوّز بيها الوقت، يشبع منها ومن بعد يخليها"، وكأن المرأة في هذه العلاقة هي مجرد مفعول به، في حين أنها في العلاقة بالرجل مفعول معه. على المرأة أن تتوقف عن لعب دور الضحية في هذا الموضوع، لأنها تختار بشكل أو بآخر العلاقة الجنسية (نحن هنا لا نتحدث طبعا عن حالات الاغتصاب)؛ وعلى المجتمع ككل، رجالا ونساء، أن يقبل أن الرغبة الجنسية ليست عنصرا ذكريا بامتياز، يلبيه الرجل باستعمال المرأة، أي أن العلاقة لا تعرف اتجاها واحدا يَشبَع فيه أحد الطرفين من الآخر أو به، بل هي علاقة ثنائية للمرأة فيها أيضا رغبات واحتياجات. حين تكون هناك علاقة بين رجل وامرأة، تشمل الجانب الجنسي بالتراضي، فهي تأتي بناء على رغبة توجد لدى الطرفين. هناك أفراد يعون ذلك، ويقبلونه بشكل منطقي، وآخرون يستمرون في ممارسة لغة الزيف، معتبرين بأن الرجل "تفلى عليها"، "ضحك عليها"، "دوز الوقت"... سادتي، سيداتي، لمعلوماتكم: الرغبة الجنسية عنصر يُصرّف أيضا بصيغة المؤنث.النقطة الرابعة تتعلق بهذا الرفض المبدئي للعلاقة بين رجل وامرأة لا يربطهما عقد زواج قانوني. طيب. هل سنرفض إذن بالشكل نفسه زواج السلفيين الذين يكتفون بقراءة الفاتحة ليعيشوا معا تحت سقف واحد، في الحلال، لكن خارج القانون؟ هل سنتهم بالدعارة كل السيدات اللواتي تزوجن في مناطق قروية بدون عقد زواج، والذين ما زالت وزارة العدل تعطيهم الآجال تلو الأخرى لتصحيح وضعهم القانوني؟ هؤلاء كلهم إذن فاسدون؟ نساؤهم عاهرات؟ الأغلبية لن تقبل بهذا الطرح، على اعتبار أن الزواج في الحالتين حلال. لكن القانون لا يعترف إلا بالعقد، وحلقة البرنامج الإذاعي أعلاه كانت تتحدث عن الزواج بدون عقد قانوني؛ وهذه نماذج لمعاشرة بدون عقد قانوني... في الحقيقة، نحن نرفض الزواج بدون عقد حين يكون ذلك في إطار ممارسة حرية فردية. لا ضير منه إن كان عبر زواج بالفاتحة بين سلفيين، أو بين شخصين فقيرين لا يملكان الإمكانيات المادية أو اللوجيستيكية لإبرام العقد. هنا مربط الفرس.ختاما، العلاقة بين شخصين بدون عقد زواج، هي أمر اختياري بين شخصين ناضجين يتحملان مسؤولية اختيارهما. إنها ليست نموذج العلاقة الأكثر نجاحا في الكون، لكن الزواج أيضا ليس النموذج الأمثل. في الزواج القانوني، كما في العلاقة بدون عقد، هناك سلبيات وإيجابيات. فيهما معا قد يكون الغدر والاستهتار والكذب... فمنذ متى كان العقد القانوني، هو الضامن لصفاء العلاقة الإنسانية ولصدق المشاعر؟ سناء العاجي, كاتبة

حديث الصباح : زواج، دعارة، حب ومفاهيم مغلوطة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

رباح يغلق أقدم ميناء تجاري بالمغرب

رجال أمن مزيفون ينصبون على تجار درب غلف

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات