دراسة في القانون : المقاربة السوسيولوجية في منهجية إصلاح العدالة

الراسخ لدى الناس أن القضاء المغربي ينصف الأغنياء ويعاقب الفقراء إن منظومة العدالة، عبارة عن مؤسسات وتنظيمات اجتماعية، تلعب أدوارا اجتماعية وتحكمها علاقات اجتماعية وتشتغل على المشاكل الاجتماعية ...وعليه فإن أي عملية إصلاحية حقيقية، لابد أن تستند إلى مقاربة سوسيولوجية وسوسيوثقافية تطرح سؤال أي قضاء لأي مجتمع ، وتبلور رؤيتها التشخيصية لواقع العدالة ببلادنا على ضوء التحولات الاجتماعية والمجتمعية وفي إطار البنية الثقافية للمجتمع وتمثلها لدور المؤسسات القضائية إن أهم خاصية تتميز بها المساطر القضائية بالمغرب، أنها متحررة كليا من ضغط الزمن، أي أنها لا تدخل الزمن كمتغير أساسي في التدبير القضائي للمنازعات، وتقوم فقط على نظام تسلسل إجرائي يتبعه القاضي في تسييره للمنازعة القضائية، دون أن يكون مقيدا بأي شرط زمني إلا في حالات نادرة وقلما تحترم ( مثلا تنص المادة 190 من مدونة الأسرة على أن دعاوى النفقة يبت فيها في أجل أقصاه شهر واحد لكن لا توجد محكمة واحدة بالمغرب تحترم هذا الأجل)، ومع الاعتراف أنه في العمل القضائي، يعتبر الشكل ضمان الجوهر وأن الكثير من الإجراءات الشكلية تشكل ضمانات أساسية لحماية حقوق المتقاضين من حيث التوصل والتبليغ والحضور وبناء الحجج وحقوق الدفاع ...، إلا أنه من الضروري جعل ذلك متوازنا مع حق المتقاضي في عدالة سريعة كمبدأ جوهري من مبادئ المحاكمة العادلة ومدخل أساسي للنجاعة القضائية، لأن بطء العدالة يكاد يوازي انعدامها.إن السبب الرئيسي الذي يساق غالبا لتبرير البطء في البت في المنازعات، هو عدم التناسب بين كثرة الملفات والقضايا المتراكمة باطراد أمام المحاكم وبين ضعف الموارد البشرية المتوفرة من قضاة وموظفين (قاض واحد لكل 9000 نسمة بينما المعدل العالمي هو قاض لكل 4000 نسمة)، ذلك صحيح، لكن الخلل لا يكمن في النقص العددي فقط، بل أيضا في النمط العتيق واللاعقلاني لتدبير الموارد البشرية وفي عدم ترشيد توزيع الوظائف بين مختلف مكونات هذه الموارد.كما أنه لا بد أن نلاحظ أن لغة وممارسة المساطر والشكليات والإجراءات تستقر في المحاكم بين مهنيي القضاء كثقافة – إن لم أقل كإيديولوجيا – مهنية تساهم في جعل التنظيمات القضائية تشتغل لذاتها ويصبح لها منطق خاص ومصالح وأهداف منفصلة ومستقلة عن مصلحة الأطراف المتنازعة، بمعنى أن الأهداف والمصالح المهنية لمهنيي القضاء ( قضاة حكم- قضاة النيابة العامة – المحامون – كتاب الضبط – الخبراء – المفوضون ...) في علاقتهم بالملفات القضائية، سواء كانت هذه المصالح مشروعة أو غير مشروعة، تلعب دورا جوهريا في تحديد عمر وأمد القضايا داخل المحاكم. ومن البديهي أنه حين تتضارب تلك المصالح وتتعارض ويحدث هناك صراعات فئوية مهنية داخل المحاكم ( كما يحدث كثيرا بين قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة وبين القضاة والمحامين وكتاب الضبط أو بين المسؤولين القضائيين ومرؤوسيهم ...) فإن ذلك يكون له أثر سلبي كبير على سرعة البت في القضايا ويكون سببا رئيسيا لإهدار الزمن القضائي، لأن سير الإجراءات داخل المحاكم، في هذه الحالة، يضبط على إيقاع تلك الصراعات الفئوية . اللامساوة أمام القضاء وضعف المناعة الأخلاقية للجهاز القضائي إذا لم تكن العدالة متاحة للجميع على قدم المساواة، فمعنى ذلك أنه لا توجد عدالة، وبدون المساواة أمام القضاء فلا حديث عن استقلاله. ورغم أن هناك ترسانة كاملة من النصوص التي تحتفي بهذا المبدأ سواء في مقتضيات القانون الدولي أو الدستور والتشريعات الداخلية، إلا أنه مازالت هناك الكثير من مظاهر اللامساواة أمام القضاء، والتي تشكل عاملا أساسيا لانعدام الثقة في الجهاز القضائي، حيث أن الانطباع الشائع والراسخ لدى عامة الناس هو أن القضاء المغربي لا ينصف إلا الأغنياء ولا يعاقب إلا الفقراء . إن مبدأ المساواة أمام القضاء يقوم على مجموعة من الركائز، أهمها ضمان حق جميع المواطنين دون تمييز في الولوج إلى العدالة وإزالة كافة العوائق أمام هذا الحق، ثم توحيد معايير التعامل مع المتقاضين بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي . لكن هذه الركائز في المساطر القضائية المغربية تتميز بالهشاشة بسبب عوامل عدة، بعضها ذو طابع مجالي يتجلى في عدم وجود نظام وتصور حقيقي لتقريب القضاء من المواطنين في البوادي والقرى النائية وحتى داخل المدن، حيث هناك خصاص مهول في الوحدات القضائية، وبعضها ذو طابع مادي يرتبط بضرب مجانية القضاء وارتفاع تكلفة التقاضي وتخلف نظام المساعدة القضائية وبعض هذه العوامل ذو طابع قانوني يتعلق بنظام الحصانات والامتياز القضائي المشرع لفائدة مسؤولي الدولة وأصناف من الموظفين، ولا ننسى العوامل المرتبطة بالنوع الاجتماعي ومعاناة النساء في الحصول على الخدمة القضائية، وأيضا عامل الميز الثقافي المتمثل في صعوبة استفادة المواطنين، الذين لا يتكلمون اللغة العربية من مساطر قضائية معربة كليا.وفي المجال الزجري تبدو المساطر القضائية بالمغرب، كما لو أنها قصيرة القامة لا تطال يدها سوى الشرائح الدنيا من المجتمع أما الشرائح العليا من ذوي القوة والنفوذ فهي فوق متناول يد القضاء، وهذا الوضع لم يعد مقبولا ليس فقط لأنه يضعف الثقة في القضاء ويعمق الإحساس باللاعدالة في المجتمع، ولكن أيضا لأن التطورات الاقتصادية والاجتماعية، جعلت الفئات المتنفذة في المجتمع تصبح أكثر نشاطا في ميدان الإجرام، كما رأينا سابقا، وصارت جرائمها أكثر خطورة على المجتمع من تلك التي يرتكبها البسطاء من المواطنين، لأنها تهدد مستقبل البلاد والمجتمع ككل. وبالقدر الذي تؤكد لنا الوقائع والأحداث يوميا ارتفاع مؤشر هذا النوع من الجرائم من خلال الانفجار الحاصل في ملفات الفساد والرشوة والاختلاس والريع، فإنه بالقدر نفسه نكون شهودا على عجز المساطر القضائية عن التصدي لها بفعالية وبمنطق قضائي أساسه تطبيق القانون على الجميع لا بمنطق سياسي قوامه الانتقائية والحملات. إن مظاهر الإفلات من العقاب والتطاول على القانون، لا يمكن معالجتها إلا بتمكين القضاء من عناصر القوة والاستقلالية والثقة بالنفس، وأول ما يتطلبه ذلك هو إصلاح نظام الاتهام وجعل تحريك الدعوى العمومية مسألة خاضعة للقانون وحده، بما يتطلبه ذلك من تقوية جهاز النيابة العامة وتعزيز استقلاليته وأيضا القطع مع النظام الحالي للاتهام الخاضع لسلطة الملاءمة السياسية التي يمارسها وزير العدل بصفته رئيسا للنيابة العامة، وتعويضه بنظام اتهام تلقائي يقوم على الاستقلال التام للنيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية، بشكل تلقائي ودون انتظار التعليمات كلما كان هناك فعل جرمي. بقلم: عبد الرحمان السحمودي ,عضو المكتب الوطني للنقابة الديمقراطية للعدل

دراسة في القانون : المقاربة السوسيولوجية في منهجية إصلاح العدالة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شكاية جديدة ضد رئيس غرفة الجنحي الاستئنافي بالبيضاء

جمعيات المستهلك تطالب بالنصوص التطبيقية لقانون 31-08

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات