الدستور سكت عن الإساءة إلى العمل البرلماني

محمد خمريش قال إن الفعل البرلماني في ظل الدستور الجديد يقتضي التخلص بعض السلوكات والاتزام بقيم الممارسة الديمقراطية اعتبر محمد خمريش، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بسطات، أن البرلمان الحالي سمته الأساسية التراشق وتبادل الاتهامات بين الأغلبية والمعارضة والتركيز على الجزئيات الشكلية والكليشهات البلاغية، مع استمرار ظاهرة الغياب والتراخي في التعاطي المسؤول مع القضايا الكبرى للوطن. وقال خمريش في حوار مع "الصباح"، إن الدستور الحالي سكت عن إثارة هذه المظاهر المسيئة للعمل البرلماني، بعاملين اثنين، يتمثل الأول في افتراض حسن النية في نواب الأمة واعتبار ممثلي الشعب كائنات سياسية راقية المفروض فيها الدفاع عن مصالح المواطنين، أن العامل الثاني فيكمن في أن أحكام الوثيقة الدستورية ليست ناجزة أو جامعة مانعة، لأن المراسيم التطبيقية هي التي تقوم باستجلائها وتدقيقها وتفكيك مقتضياتها العامة. كيف تقرؤون مواصفات التحول البرلماني على ضوء الخطاب الملكي الأخير؟في ظل الدستور الجديد تقتضي الممارسة البرلمانية بالضرورة التخلص من مجموعة من السلوكات والممارسات الموبوءة التي عفا عنها الزمن، فطبيعة المرحلة تقتضي الالتزام بالقيم الإنسانية الكونية في الممارسة الديمقراطية والتدافع السياسي الشريف، بعيدا عن ثقافة الغوغائية والخطابات السياسية العقيمة غير المنتجة، تأسيسا على ذلك فالخطاب الملكي الأخير قام بتشريح دقيق للإشكالات البنيوية التي تعانيها الحياة البرلمانية ببلادنا، واقترح خطة عمل بديلة ومنهجية طموحة لرد الاعتبار للعمل السياسي بصفة عامة. ما هي أبرز سمات الممارسة البرلمانية في ظل تجربة العدالة والتنمية؟الانتخابات التشريعية السابقة بوأت حزب العدالة والتنمية الصدارة كأول قوة سياسية في البلاد، لكن واقع الحال والممارسة الميدانية يسعفان بمجموعة من المعطيات، فإدارة الشأن العام وممارسة العمل التشريعي يتم بعقلية المعارضة، وتوزيع الأدوار بين وزراء الحزب وبرلمانييه عن طريق الخرجات الإعلامية القوية يوحي للمتتبع أن الحزب الحاكم حزب أغلبي معارض.بالمقابل، ليست هناك أي قيمة مضافة للعمل التشريعي في ظل الحكومة الحالية التي يقودها حزب العدالة والتنمية، في ظل ضعف المنتوج التشريعي والبطء في إخراج مشاريع القوانين إلى حيز الوجود، فالاستقواء الانتخابي الرقمي والعددي لا يعني بالضرورة، ولا يعكس بصورة واضحة المردودية التشريعية وقوة الأداء الحكومي، في حين ما تزال الأمانة العامة للحكومة مقبرة حقيقية للقوانين. إلى أي حد تتفقون مع الرأي القائل إن البرلمان الحالي يشتغل بطريقة ما قبل الدستور الجديد؟نتفق إلى حد كبير مع هذا الرأي، لأن فيه الكثير من الوجاهة، فالبرلمان الحالي سمته الأساسية التراشق وتبادل الاتهامات بين الأغلبية والمعارضة والتركيز على الجزئيات الشكلية والاكليشهات البلاغية، مع استمرار ظاهرة الغياب والتراخي في التعاطي المسؤول مع القضايا الكبرى للوطن. ومن هذا المنطلق فإن بعض النواب البرلمانيين لا يحلو لهم النوم إلا داخل قبة البرلمان في ازدراء كبير لمشاعر المواطنيين. وعموما فإن بعض التدخلات للسادة البرلمانيين لا يكون الهدف منها تعرية عيوب الحكومة وتقويم اعوجاجها بقدر ما ترمي إلى استمالة شريحة واسعة من الناخبين، وكأننا في مهرجان خطابي انتخابي محض وليس داخل فضاء مؤسسة دستورية، دورها مراقبة العمل الحكومي لها حرمتها ومكانتها الخاصة. هل يساهم التنظيم الدستوري على منع بعض المظاهر المخلة بالعمل البرلماني؟الوثيقة الدستورية مهما كانت راقية تبقى مقتضياتها جامدة وتحتاج إلى التفعيل والأجرأة. وصمت الدستور الحالي كأسمى وثيقة في الهرم الدستوري على منع الظواهر المخلة بالسير العادي للمؤسسة التشريعية مرده إلى عاملين اثنين، العامل الأول، يكمن في افتراض حسن النية في نواب الأمة واعتبار ممثلي الشعب كائنات سياسية راقية المفروض فيها الدفاع عن مصالح المواطنين، وإثارة مشاكلهم واقتراح الحلول البديلة والملائمة لها، وليس الانزلاق وراء ارتكاب الهفوات وعرقلة العمل الحكومي والتشريعي، فالنائب البرلماني سواء كان في المعارضة أو الأغلبية يجب أن يكون قوة اقتراحية وخلية للخلق والإبداع ومشتلا لإنبات وإنتاج الأفكار لحل الاستشكالات والمعضلات الاقتصادية والاجتماعية، هذا طبعا بالإضافة إلى دوره الأصيل في التشريع والرصد والتتبع والنقد البناء ومراقبة العمل الحكومي.أما العامل الثاني، فيتمثل في أن أحكام الوثيقة الدستورية ليست ناجزة أو جامعة مانعة، لأن المراسيم التطبيقية هي التي تقوم باستجلائها وتدقيقها وتفكيك مقتضياتها العامة. ما هي حدود العمل البرلماني في مراقبة العمل الحكومي ؟ أتاح الدستور الجديد مجموعة من الصلاحيات في مجال التشريع، إذ أعطى للمعارضة الإمكانية التي لم تكن متاحة في السابق، وأيضا للمجتمع المدني وحتى المواطنيين، والهدف من ذلك هو إعمال مبدأ المقاربة التشاركية وتجسير التواصل المؤسساتي والعملي بين الأغلبية والمعارضة، وتفادي التشريع الأحادي الفوقي النمطي، وذلك بتحويل المنتوج التشريعي إلى بنية قاعدية تنبثق من القواعد لتنظيم العلائق بين مختلف السلط، لكي تكون القاعدة القانونية محينة وتستجيب لتطور المجتمع.كما أن اختصاصات رئيس الحكومة تطورت بشكل لافت نسوق منها على سبيل المثال لا الحصر رئاسة المجلس الوزاري وفق جدول أعمال محدد مشاركة الملك في التعيين في الوظائف المدنية السامية، وأصبح بإمكان المعارضة رئاسة اللجان البرلمانية واقتراح مشاريع القوانين، ولكن القراءة الاستنباطية وإعمال المساءلة النقدية للهندسة الدستورية يمكن تناولها من وجهة أخرى وعبر عدة مداخل:- لا يمكن خلق حكومة قوية ومنسجمة إلا في ظل وجود معارضة وازنة ذات امتداد شعبي كبير.- ضعف المعارضة يؤدي إلى هيمنة السلطة التنفيذية على باقي السلط، لذا فرئيس الحكومة يصول ويجول بحثا عن (التماسيح و العفاريت و الأفاعي والأشباح). دون تحديد طبيعتها وأماكن وجودها وكيف تشوش على العمل الحكومي.- الادعاء بأن تفعيل أحكام الدستور من اختصاص رئيس الدولة وليس رئيس الحكومة مصادرة على المطلوب وتهرب من المسؤولية، لان تحصين مكتسبات الدستور الجديد تقتضي بالدرجة الأولى ممارسة رئاسة الحكومة صلاحياتها بشكل كامل غير منقوص.- ضعف المعارضة أنتج حومة الأقوال لا الأفعال والنوايا الحسنة.- الحكامة البرلمانية لا تعني الإسهال التشريعي والإكثار من إنتاج القوانين بقدر ما تعني سن مخططات تشريعية متناغمة تستجيب لحاجيات المجتمع وتساهم في جلب الاستثمار، وخلق فرص الشغل لأن الرأسمال الأجنبي مهاجر وجبان بطبعه وهروب الرساميل الأجنبية إلى الخارج إنما يعود بالأساس إلى تعدد المتدخلين وتعقد المساطر، وجمود و تناثر الترسانة القانونية ببلادنا. أجرى الحوار: إحسان الحافظي

الدستور سكت عن الإساءة إلى العمل البرلماني

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الملك يؤسس مفهوما جديدا لأخلاقيات البرلمانيين

الميثاق الأخلاقي بين دعوة الملك وطبيعة السياسيين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات