جماعة الإخوان تتهرب من تقنين أوضاعها

المماطلة ووضع حجج لتأخير أو تعطيل التقنين كانا دوما من قيادات وأعضاء الجماعة يبدو أن هناك مشكلة حقيقية في إقدام جماعة الإخوان المسلمين على تقنين أوضاعها القانونية بعد عقود طويلة من بقائها جماعة «محظورة» شرعيا. فالطبيعي بعد ثورة يناير من الجماعة التي كانت تشكو وتعاني إصرار النظام السابق على إبقائها في مساحة اللا شرعية القانونية بكل ما ترتب على هذا من عواقب، أن تبادر إلى تقنين وضعها في البلاد وأن تعود شرعية وقانونية كغيرها من الجماعات والجمعيات والأحزاب، إلا أن اللافت والغريب بعد ثورة يناير هو أن أحدا من قيادات الجماعة أو أعضائها لم يسع أو يطالب بهذا التقنين، بل إن المطالبين به كانوا من خارجها، وبعضهم خصوم سياسيون لها، وأن المماطلة ووضع حجج لتأخير أو تعطيل التقنين كانا يأتيان دوما من قيادات وأعضاء الجماعة.وقد كان ممكنا، ولو بصعوبة، قبول تأخر جماعة الإخوان المسلمين في تقنين أوضاعها وخضوعها للقواعد القانونية كغيرها من هيآت أخرى في البلاد لولا أن الجماعة ومعها ذراعها السياسية، حزب الحرية والعدالة، قررا خوض الانتخابات البرلمانية بمجلسيها وحصلا فيها على الأكثرية ثم الانتخابات الرئاسية وفاز فيها الرئيس محمد مرسي، عضو مكتب إرشادها ومسؤول الملف السياسي بها، ورئيس حزب الحرية والعدالة. فما كان مقبولا لعقود طويلة تحت وطأة النظام السابق أو لشهور بعد الثورة من بقاء الجماعة خارج الإطار القانوني لم يعد ممكنا أو مقبولا بعد أن صارت الهيأة التي تحكم البلاد عبر سلطتها التنفيذية الأعلى المنتخبة، وقبلها سلطتها التشريعية، حتى لو صدر حكم بحل نصفها حتى الآن، فلا يمكن لأي مجتمع أو دولة تحترم قواعد وجودها الدستورية والقانونية، حتى لو لم تكن اكتملت جميعها بعد، أن يقبل بأن يكون حكمه في يد جماعة أو هيأة تعد من الناحية الشرعية «خارجة عن القانون» أو «محظورة» بحسب المصطلح الأكثر شيوعا.وفي مواجهة مئات بل ربما آلاف المرات التي طالبت فيها أصوات وأقلام بتقنين أوضاع الجماعة خلال الشهور الأخيرة كان الرد الوحيد والدائم من جميع قياداتها أو قيادات حزب الحرية والعدالة هو أنها سوف تقوم بذلك بعد تشريع القانون الجديد للجمعيات الأهلية. وكانت هذه الإجابة النمطية المتفق عليها داخل الجماعة والحزب لا تحمل دوما أكثر من هذا العنوان العريض الذي يعطى إيحاء بأن القانون الحالي للجمعيات الأهلية به من السوءات والعوار ما يمنع قيام جماعة الإخوان المسلمين على أساسه، بل إنه يمنع قيام أي جمعية أخرى لما فيه من قيود وعقبات قانونية وإدارية وأمنية. والحقيقة أن حرص قيادات الجماعة على عدم الخوض في الأمر، أبعد من هذه الجملة الموحية، بدا «تكتيكا» ذكيا لصرف الأنظار عن قضية تقنين أوضاع الجماعة إلى تعديل قانون الجمعيات الأهلية، بحيث يتحول الموضوع إلى قضية عامة يلتف حولها الجميع ويبعد الأنظار عن المطالبة بتقنين أوضاع الجماعة الأكبر والحاكمة في البلاد.والحقيقة أيضا أن هذه الحجة ليس لها من أساس كما يعلم قادة الجماعة وجميع العاملين والمهتمين بالنشاط الأهلي في مصر. والبداية هي من طبيعة وضع الجماعة الحالي. والحقيقة في هذا الوضع تلخصه المعلومات الواردة في الدعوى التي رفعها عام 1977 المرشدان الراحلان للجماعة عمر التلمساني ومحمد حامد أبو النصر، ومعهما القيادي الراحل توفيق الشاوي، أمام القضاء الإداري للمطالبة بإلغاء قرار حل الجماعة الصادر عام 1954 واعتباره باطلا ولا أثر له. وقد قدم المدعيان في هذه القضية قرارين بحل الجماعة في يناير ودجنبر 1954 كانا هما محل المطالبة بالإلغاء والبطلان وانعدام الأثر. وقد قضت المحكمة عام 1992 برفض هذه المطالبة باعتبار أن قرارات الحل الصادرة من مجلس قيادة الثورة حينها لها من الحصانة الدستورية ما يمنع إلغاءها أو إبطالها. وبذلك الحكم، الذي يعد الأخير في هذا الملف، يبدو واضحا اعتراف قيادات الجماعة بوجود قرارين دستوريين بحلها، ويبدو مؤكدا بحكم قضائي أنها تعمل خارج الشرعية القانونية حتى اليوم.وأما عن قانون الجمعيات الأهلية الحالي الساري في البلاد، وهو القانون رقم 84 لسنة 2002، فرغم مما يحتاجه من تعديلات إضافية لكي يتناسب مع مرحلة ما بعد ثورة يناير وما يجب أن يتضمنه من مزيد من الحريات في إنشاء الجمعيات الأهلية، فهو يعد حتى الآن معقولا ويمكن قيام الجمعيات المختلفة بشروطه الحالية دون مصاعب حقيقية. ولم تمنع الشروط القائمة في القانون ولائحته التنفيذية جماعة الإخوان المسلمين خلال السنوات التي مضت من أن تؤسس عبر المحافظات المختلفة عشرات من الجمعيات الأهلية التابعة لها، والتي يعد نشاطها امتدادا طبيعيا لعمل الجماعة، أي أنها ترحب به وتعمل في إطاره عندما يتعلق الأمر بإنشاء جمعيات تابعة للجماعة الأم، بينما ترفضه وتسعى إلى تغييره لكي تشرع قانونا جديدا يتلاءم مع تعريف هذه الجماعة لدى قياداتها. بقلم: ضياء رشوان, عن موقع «المصري اليوم»

جماعة الإخوان تتهرب من تقنين أوضاعها

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المغالاة في الاعتقال… سوء الفهم الكبير

تفاعلات قرار الساعات الإضافية متواصلة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات