تحول منظومة القيم ساعد في تغير سلوك القاصرات

شعباني أستاذ علم الاجتماع أفرد أسباب وقوع قاصرات في براثن الدعارة والإدمان يرى علي شعباني، أستاذ باحث في علم الاجتماع، أن التغيرات التي طرأت على القاصرات في السنين الأخيرة، تكشف تحولات كبيرة تهم منظومة القيم المرتبطة بالحريات والتربية والمظاهر السلوكية، وعلاقة الآباء بالأبناء ذكورا كانوا أو إناثا، راشدين أو قاصرين، مبرزا أن هشاشة هذه الفئة فضلا عن عوامل من قبيل الفقر والجهل وتساهل العائلة أو لا مبالاتها تيسر انسياقهم وراء الدعارة والإدمان على المخدرات وارتياد مقاهي الشيشة. تفاصيل أكثر في الحوار التالي: أصبحنا اليوم نسمع عن ظاهرة جديدة مرتبطة بالقاصرات، من قبيل الدعارة والإدمان وغيرها. وكلها أمور كانت في السابق مرتبطة بأشخاص بالغين. ما الذي حدث؟ ما تتناقله الصحف ووسائل الإعلام المختلفة يوميا حول دعارة القاصرات وإدمانهن على مختلف أصناف المخدرات وارتيادهن المستمر لمقاهي الشيشة في المدن الكبرى، وغير هذا من أنواع الانحرافات، يدخل في إطار الكشف عن تحولات كبيرة تهم منظومة القيم المرتبطة بالحريات والتربية والمظاهر السلوكية، وعلاقة الآباء بالأبناء ذكورا كانوا أو إناثا، راشدين كانوا أم قاصرين. التحولات على هذا المستوى، أصبحت ظاهرة للعيان وفارضة نفسها على المجتمع. هذه التحولات ليست بالضرورة إيجابية، بل هي في الغالب، تحولات اعتباطية، عشوائية وسريعة، تلحق أضرارا فادحة بالمجتمع وبالضوابط الأخلاقية والاجتماعية التي تعتبر هي الضامن لاستقرار المجتمع وسيادة القوانين فيه. ومن المعروف عند المختصين في علوم التربية أن القاصرين، ذكورا كانوا أو إناثا من الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة، والأسهل استقطابا لمافيا الدعارة والمخدرات. ومن حين لآخر تكشف الدوائر الأمنية أو وسائل الاعلام عن ضبط أو تفكيك عصابة تغرر بالقاصرات وتدفع بهن نحو جحيم الدعارة أو الإدمان.هذه الإشكالية تدخل في صميم اهتمام علماء الاجتماع، خاصة أولئك الذين يراقبون التحولات الاجتماعية والتغيرات التي تحدث على المجتمع وتؤثر على الأنظمة والقيم السائدة فيه، سواء تلك التي ترتبط بالقيم الدينية أو الأخلاقية، أو قيم الحياة الاجتماعية والعلاقات بين الأفراد في ما بينهم، أو في ما بين هؤلاء والمؤسسات التقليدية أو الحديثة التي تحرص على فرض نوع من الضبط الاجتماعي في المجتمع، حتى يحافظ على تماسكه. وعلى هذا المستوى، لا يختلف اثنان، على أن الكثير من المياه جرت تحت الجسر، وأن الكثير من التغيرات مست، أحيانا، في الجوهر، النظام العام لهذه المؤسسات، وبصفة خاصة، مؤسسة الأسرة وأنظمة العلاقات التي كانت سائدة بين مختلف مكوناتها (الآباء والأبناء والأهل والأقارب...) كما أن نظم الضبط الاجتماعي اختلفت كثيرا بين الأمس واليوم. فلم يعد مقبولا لا تربويا ولا قانونيا، اللجوء إلى أساليب عتيقة كان يلجأ إليها الآباء، عند الضرورة، لردع أبنائهم، حتى الراشدين منهم، والتحكم في سلوكاتهم وعلاقاتهم وتحركاتهم. أما اليوم، فهذا الجانب أدخلت عليه الكثير من التعديلات، ولم يعد من المقبول العودة إلى مثل هذه الأساليب، وتدخلت جهات مختلفة لمراقبة أو انتقاد أساليب كانت متداولة في السابق لضبط سلوك وتحركات الأبناء وبصفة خاصة الفتيات القاصات. هذا التساهل، وهذه اللامبالاة، في مراقبة ومتابعة سلوكيات الأبناء القاصرين أديا إلى ظهور وانتشار مثل هذه الظواهر، خاصة في المدن الكبرى بالمغرب. فلم يعد من المفاجأة في شيء أن تلتقي أفواجا من القاصرات يتجولون في المدينة وفي أوقاتا متأخرة من الليل، وفي أماكن مشبوهة. وليس من العجب أن تجد أسرابا من القاصرات في المقاهي يشربن الشيشة ويتناولن خلسة أو علانية بعض القطع من المخدرات. أما ما يصطلح عليه حاليا "بدعارة القاصرات"، فقد أصبحت من التخصصات الجديدة في عالم الدعارة، ولها زبناؤها من الأثرياء والسياح الأجانب. لماذا برأيكم تغيرت مفاهيم القيم والمبادئ عند القاصرات؟التغير، كما هو معلوم، من شيم العصر الحديث، وهو قاعدة كونية من الصعب التحكم في إيقاعاتها وتوجهاتها. والتغيرات الاجتماعية لها ديناميات داخلية وأخرى خارجية تفرض هذه الإيقاعات والتوجهات. وهذه التغيرات، سواء تلك التي تتعلق بمنظومة القيم، أو التي تتعلق بكل مظاهر الحياة الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية في المجتمع، تنعكس آثارها على الأفراد والجماعات، سواء كانوا قاصرين أو راشدين. إلا أن آثار وتأثير تغير القيم والمبادئ، يكون له مفعول قوي على من لا يمتلك القدرات العقلية والكفاءات اللازمة لاستيعاب توجهات هذه التغيرات، وبصفة خاصة على القاصرين. وبما أن القاصرات من بين هذه الفئات الهشة وغير كاملة النضج النفسي والعقلي والاجتماعي، يكون من السهل عليهن الانسياق وراء مغريات الحياة، كما قد يقعن فرائس سهلة للمتربصين بهن وإغوائهن ودفعهن إلى ارتكاب سلوكيات تمس بكرامتهن وتدفعهن إلى الانحراف. الأكيد أن هذا التغير سيكون له انعكاس على المجتمع. أين يتمظهر ذلك؟ أي سلوك منحرف لا بد أن تكون له انعكاسات وتبعات، ليس على الفرد نفسه فقط، بل على كل المجتمع. إن الفتاة القاصر التي تكون ضحية استقطاب مافيا المخدرات أو الدعارة، أو ضحية انسياقها وراء الأوهام، لا بد أن تعاني خيبة الأمل بعد فوات الأوان، وستتحول مع الوقت إلى لعبة في أيدي عصابات المخدرات والدعارة، وستسلب منها شخصيتها وإنسانيتها. وقد لا تستطيع تقديم أي خدمة لمجتمعها بل ستلحق به الضرر وتسيء إليه.إن القاصر، بهذه الصورة، تدخل باكرا إلى عالم الرذيلة، وهو العالم الذي تتجسد فيه أقسى درجات الإساءة للنفس وللمجتمع. صحيح أنه عندما تسقط القيم الأخلاقية والاجتماعية، تسقط معها كل الأقنعة. وعندما تغيب سمات الشخصية الناضجة، الفاعلة والقادرة على تجنب مخاطر وإكراهات الحياة، يصبح من السهل القيام بأي فعل مشين وعمل فاسد يضر بالمجتمع. هناك معطيات ووقائع تؤكد أن القاصرات أصبحن يتحررن يوما عن آخر من قيود التقاليد والأعراف و"الحشومة" و"حتى تكبري". لكن في المقابل، ما تزال بعض الظواهر لصيقة ببعضهن، من قبيل زواج القاصرات، وتشغيلهن خدما في البيوت. ألا تعتقدون أن هذا التغير يمس شريحة دون أخرى، ويرتبط بمعطيات اقتصادية واجتماعية ويختلف بين المدن والبوادي؟من مميزات العصر الحديث، الثورة على العادات والتقاليد والأعراف، وتكسير "الطابوهات". هذه الثورة نكاد نجدها، وتتجسد قيمها وأفكارها ومبادئها في كل المجتمعات المعاصرة، إلا أن نتائجها لم تكن بالإيقاع نفسه. فهناك من المجتمعات التي استطاعت استيعاب توجهاتها وعملت على تكييفها مع قيمها الاجتماعية والأخلاقية والدينية من أجل بلورة ثقافة جديدة وحديثة، ساهمت في رقي ذوق وسلوك وممارسات إنسان هذه المجتمعات. وفي المقابل، هناك من لم تستطع لذلك سبيلا، واكتفت بالتقليد الأعمى والتطبيق المشوه لمبادئ وقيم التغيرات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا ما جعل المتابعين للتغيرات المجتمعية يلاحظون مثل هذا التباين. ومن الصعب تعميم هذه الصورة القاتمة على كل فئات وشرائح المجتمع، فهناك الكثير منهن منضبطات لقيم المجتمع والأخلاق السائدة فيه، وتواقات إلى تحقيق مستقبل مشرق ومشرف. بل هناك أيضا من يعكسن صورة مشرفة للفتاة الناضجة الواعية، الذكية التي تعكس كل إرهاصات النجاح والتفوق. فليست كل قاصرات المغرب يرتدن الملاهي وأوكار الدعارة، أو يدمن على تناول المخدرات ويقمن بأعمال منحرفة. وليس كل الآباء يؤمنون بتزويج بناتهم القاصرات، أو يدفعون بهن للعمل في البيوت. إن الفكر المتحرر ليس بالضرورة مرادفا للانحلال. والانفتاح الحضاري على قيم العصر الحديث، ليس بالضرورة الوقوع في الرذيلة، وليست كل قاصرات المدن الكبرى منساقات وراء الأفعال التي ينبذها المجتمع ويجرمها القانون. أجرت الحوار: هجر المغلي

تحول منظومة القيم ساعد في تغير سلوك القاصرات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"الشيشة" شغف المراهقات الجديد

قاصرات يتهافتن على موديلات الكبار

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات