حديث الصباح : مصر بين خيارين أحلاهما مر … الشيخ أو الجنرال؟

المصريون مطالبون بترك الجراح جانبا وفتح المجال للمصالحة الوطنية قصد استثمار مكاسب الثورة تعيش مصر على وقع الصدمة التي خلفتها نتائج الدور الأول للرئاسيات، والتي تأهل بمقتضاها مرشح الإخوان المسلمين، محمد مرسي، إلى جانب أحمد شفيق، المرشح المستقل الذي يعتبره شباب الثورة مرشح الفلول والجيش، باعتباره آخر رئيس وزراء في عهد المخلوع حسني مبارك. ومسؤوليته السياسية تلك جعلت خصومه يخندقونه مع النظام المنهار ويرون فيه كل الشرور التي اقترفها مبارك على مدى ثلاثة عقود؛ وإذا ما تم انتخابه رئيسا لمصر ، فإنه لن يخرج عن نهج مبارك الذي يعتبره «مثله الأعلى».إن هذه الصورة السلبية التي يحملها شفيق كرمز من رموز النظام المنهار سيكون لها تأثير على قرار فئات واسعة من الناخبين الذين قرروا ألا يمدوا النظام السابق بأسباب الحياة، وهم بالكاد تخلصوا من رأسه دون أطرافه. وقد تلعب أحكام البراءة الصادرة لصالح نجلي مبارك ومساعدي وزير الداخلية الستة دورا حاسما في ترجيح كفة مرشح الإخوان للرئاسة مخافة عودة الفلول ومصادرة أهداف الثورة. إلى حدود الجمعة الماضي كانت تيارات/ قيادات داخل شباب الثورة تعلن دعمها لأحمد شفيق لاعتبارات أهمها: أ ـ أن شفيق من النظام السابق، وكما أسقطت الثورة رأس النظام الذي عمر ثلاثة عقود، يمكنها إسقاط شفيق الذي لن يكون بدرجة استبداد مبارك.ب ـ أن شفيق لن يقيم دولة دينية، بل سيحافظ على الدولة المدنية. ج ـ أن شفيق هو مرشح العسكر وحليفه، وفي حالة نزوعه إلى الاستبداد سيكون الثوار في مواجهة العسكر فقط دون حليف سياسي له. أما في حالة فوز مرشح الإخوان، فسيكون الثوار في مواجهة تحالف أكبر وأشرس يضم العسكر والإخوان معا. لهذا تكون مواجهة شفيق والثورة ضده أهون من مواجهة تحالف العسكر والإخوان.د ـ أن الإخوان أمسكوا بالسلطات كاملة: التشريعية والتنفيذية، فضلا عن لجنة صياغة الدستور ولم يبق لهم سوى منصب رئاسة الجمهورية، مما يشكل خطرا على الحريات والحقوق، خصوصا أنه سبق لمحمد مرسي أن أعلن أنه سيفرض الجزية على الأقباط لأنهم أهل ذمة. فالأقباط يشعرون بضرورة اختيار مرشح يحافظ على التوازن بين السلطات. وطالما لا يوجد بديل عن شفيق، فإن الاختيار بين الدولة الدينية وبين الدولة المدنية يفرض التصويت لصالح شفيق، لأنه - كما صرحت قيادات قبطية - سوف يحافظ على الدولة المدنية، ولن يجعلها دولة دينية، إضافة إلى أنه سوف يحدث توازنًا بين السلطات، سيما في ظل سيطرة الإسلاميين على البرلمان، وسعيهم إلى السيطرة على الحكومة والرئاسة، كما أنه وعد باختيار امرأة قبطية في منصب نائب الرئيس، ومن السهل محاسبته وإقصاؤه في حال لم يحقق أهداف الثورة. إن الأحكام الصادرة في حق مبارك ونجليه وأعوانه هيجت المصريين، ودفعت فئات واسعة منهم إلى تغيير موقفهم من المرشح شفيق لصالح محمد مرسي، مخافة أن تدخل مصر النفق نفسه الذي خرجت منه فتعيد تكرار مآسي الاستبداد واجترارها. لهذا اعتبروا الأحكام سياسية تكرس هيمنة العسكر على القضاء. وهذه واحدة من الأخطاء التي سقط فيها المجلس العسكري الذي كان عليه أن يختار مرشحا غير محسوب على نظام مبارك إن هو فعلا أراد الابتعاد بالرئاسة عن جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الخطأ الفادح هو الذي وقع فيه القضاء لما برأ من قامت الثورة ضدهم. في هذه الحالة، ساهم القضاء والعسكر في تقوية جبهة الرفض وتوحيد صفوفها لاختيار مرشح الإخوان "اضطرارا"، لأنه، وإن كان يمثل المرشح "السيئ"، فهناك "الأسوأ" وهو أحمد شفيق. ومن هؤلاء الذين أعلنوا التصويت لصالح محمد مرسي، أيمن نور، زعيم حزب "غد الثورة" في تصريح جاء فيه "أعلن بعد صدور هذه الأحكام تأييدي الشخصي ومساندتي للدكتور محمد مرسي في الانتخابات". إذن، فأحكام القضاء ضد مبارك ومعاونيه حسمت الجدل والتردد بفعل الصدمة التي أحدثتها في نفوس أهالي الضحايا وشباب الثورة الذين كانوا ينتظرون أحكاما قاسية ضد رموز النظام. ولعل هذا المتغير الذي حدث لصالح مرشح الإخوان يلقي بمسؤولية أكبر عليه وعلى جماعته. إذ لم يعد مجرد مرشح لرئاسة الدولة، بل غدا "منقذا" للثورة وحارسا لأهدافها. من هنا سيكون مرسي مرشح شباب الثورة وأهالي الضحايا وأحزاب أخرى نافسته على الرئاسة، ذلك أن المسئولية الوطنية والدينية والأخلاقية تلزمه بالوفاء بكل الوعود والتعهدات التي قطعها على نفسه إذا ما انتخب رئيسا لمصر. وأهم تلك التعهدات ما أعلن عنه في مؤتمر صحافي عقب مروره إلى الدور الثاني لما قال (ألتزم أمام المصريين جميعا بألا تكون مؤسسة الرئاسة تحت سلطان الفرد الواحد، وإنما ستكون مكونة من الرئيس ونواب رئيس من خارج جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة. وسيكون هناك مستشارون من كل التيارات السياسية والأحزاب المختلفة ورجال الدولة). كما عليه أن يتحاور مع الأقباط ليطمئنهم على وضعهم الطبيعي في دولة مصر أيا كانت القيادة السياسية، وليزيل المخاوف التي تملكتهم جراء كثير من التصريحات والفتاوى التي تواترت وطفت على السطح، كلما احتدم الصراع السياسي.إن مصر اليوم تجتاز فترة دقيقة من تاريخها تجعل كل الفاعلين والمواطنين مسؤولين عن رسم مستقبلها بحرية ووعي وإرادة. وهذا يستوجب التعالي على الذاتية والحزبية والتعامل مع كل الفرقاء كشركاء في صنع المستقبل. وأيا كان الرئيس الذي ستفرزه انتخابات الدور الثاني ليومي 16 و17 يونيو الجاري، فإن المصريين مطالبون بترك الجراح جانبا وفتح المجال للمصالحة الوطنية قصد استثمار مكاسب الثورة ودعمها لما يفيد في تأسيس دولة مدنية ومؤسسات مستقلة لا يمكن لأي طرف سياسي أن يهيمن عليها أو يسيء استغلالها. وحسْب المصريين أنهم قطعوا مع المرشح الوحيد للرئاسة الذي تكون نتيجة فوزه محسومة ومعلومة مسبقا، وباتوا ينتخبون رئيسهم بحرية. فهل ستفلح مصر في تجاوز الهزات الارتدادية لتستقر على نظام سياسي يجعل مصلحة الوطن فوق الحزب والجماعة والطائفة؟ لا شك أن مشاكل الشعب المصري وانتظاراته لن تترك للرئيس القادم أي فرصة للاستراحة على كرسي السلطة حتى يستطيبها فيصير ضحية عشقه لها، وتلك مداخل الاستبداد. إن خيار التغيير الذي سلكته مصر وتونس في ما بات يعرف بالربيع العربي، لم يؤسس جاذبيته بعْد في بناء النظام والدولة مثلما أسسها في إسقاط الاستبداد. وتلك مسؤولية تاريخية على المصريين والتونسيين استشعارها، وهم يتلمسون خطوات البناء الأولى. بقلم : سعيد الكحل, أستاذ باحث

حديث الصباح : مصر بين خيارين أحلاهما مر … الشيخ أو الجنرال؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أغلبية بنكيران تخسر معركة تنازع السلطة مع الملك

سحاقية بالبيضاء تقتل عشيقتها بسبب الغيرة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات