السير الذاتية في التلفزيون بين البيزنس والاحتفاء

خلف كل عمل فني أرباح وادعاءات تسويقية بأن العمل سيجلب أكبر قدر من الإعلانات هل فعلا نحن محتاجون اليوم لنقل السيرة الذاتية لفنانينا إلى التلفزيون والسينما؟ الجواب سيكون حتما: نعم. هل لنا القدرة المادية والإبداعية لذلك؟ الجواب سيكون بلا جدال: لا. صحيح أن نقل السيرة الذاتية لمبدعين وفنانين وسموا مختلف المجالات ببصمتهم وعبقريتهم إلى شاشة التلفزيون احتفاء بهم ونوع من رد الجميل وتخليد أسمائهم وسيرهم التي صنعت عظماء وفنانين مميزين. كما تحوي هذه الرغبة الكثير من الشوفينية أيضا، فكثيرا ما سمعنا أصواتا فيها شعبوية كبيرة وقليل من الصدق، تدعو إلى الاحتفاء بأسماء بعينها وتكريمها عن طريق تخصيص أعمال درامية لسيرهم. ويقول الكاتب السوري محمد منصور في هذا الباب، إن رفع شعارات "المبدع للوطن" وهو "ملك للأمة" و"تراث للإنسانية" تخفي وراءها غالباً رغبة في الاستسهال… ورغبة في عدم أخذ اعتراضات أسرة الشخصية المستلهمة بعين الاعتبار… وهؤلاء مهما كانت توجهاتهم الأحرى بهم، أن يتم اتخاذهم أصدقاء للعمل، بدل تحويلهم إلى أعداء، وسلبهم حقهم في الاعتراض على الصورة التي يراد إظهار ذويهم بها، وهو حق تحفظه لهم أرقى القوانين في أرقى الدول! أما من الناحية المادية، فغالباً ما يتهم ورثة المشاهير بأنهم يتاجرون بشخصيات ذويهم، وبأنه لا يهمهم من كل الاعتراضات التي يبدونها سوى كسب المال… وهو كلام فيه من الوقاحة الشيء الكثير… ولأكثر من سبب. الأول: أنك تشتم إنساناً يطالب بحق من حقوقه… مهما بلغ حجم مبالغته في تقدير هذا الحق، والثاني: أنه ما من شركة إنتاج تنتج عملا عن شخصية شهيرة، لمجرد حبها لها، وتخليداً لذكراها، فخلف كل عمل فني من هذا النوع أموال وأرباح وادعاءات تسويقية مسبقة بأن العمل سيجلب أكبر قدر من الإعلانات حين عرضه، لأن الشخصية إياها حية في ذاكرة الناس ويحبون أن يتابعوا سيرة حياتها على الشاشة، وبالتالي فكل الادعاءات والشعارات الكبيرة حول: التاريخ وتخليد ذكرى الفنانين وتكريم عظماء الأمة، تسقط حين تكون الصيغة مسلسلاً تلفزيونياً مصنوعاً للعرض الرمضاني. وموازاة مع كل هذا فإننا لا نملك اليوم القدرة المالية ولا الظروف الإبداعية التي تسمح لنا بصنع أعمال تليق بعظمائنا، وسنكون بالتالي نقدم إساءة لهؤلاء بدل التكريم والاحتفاء، فمجرد محاولة رسم ملامح حقبة تاريخية ما يتطلب ميزانيات ضخمة، يقول منصور في هذا الإطار، "بغض النظر عن هذه السجالات والتفاصيل، لا بد من القول بأن هناك مشكلة حقيقية تكمن في طريقة التفكير بإنتاج مسلسلات السيرة الذاتية عن مشاهير عصرنا في الدراما العربية، وهي مشكلة يتحمل صناع الأعمال الفنية عموماً الكثير من تبعاتها وأسبابها، تتلخص هذه المشكلة في الاستسهال في جمع المعلومات المتعلقة بالسيرة الذاتية والعائلية من جهة، والاعتقاد أنه يحق لنا أن نفسر سيرة المبدع على هوانا ونضيف لها ونحذف وكأننا نكتب رواية من وحي خيالنا… ثم في محاولة تجاوز الحق المادي للورثة من جهة أخرى! ففي الحالة الأولى تتعامل الجهات الإنتاجية مع أسرة الأديب أو الفنان، على أنهم مجموعة من المتطفلين والمشككين الذين يريدون أن يمسكوا بيد الكاتب وهو يكتب كل كلمة من كلمات المسلسل، وهنا يدعي صناع تلك الأعمال، أن هذه الشخصية الشهيرة ليست ملكاً لأسرتها وورثتها بل ملكا للأمة كلها. وهذا كلام في جانبه العام صحيح… لكنه ينطوي على مغالطة، فالشخصية العامة ملك للأمة في فنها ونتاجها الإبداعي، لا أن أكتب ما أشاء في تحليلها وتقييمها فنياً، واستلهام معانيها كما وصلت إلي وكما عاشت في وجداني. لكن هذا لا يعني بالمقابل أن سير هؤلاء الشخصيات ملك لي، ولا يعني أنه يحق لي ككاتب سيناريو مثلا أن أصور الحياة الشخصية والعائلية لنزار قباني على النحو الذي أتخيله، ولا أن أقوّل أفراد أسرته كلاماً وأحملهم مواقف لم يتخذوها في حياتهم كما حدث حقيقة مع كاتب سيناريو مسلسل نزار قباني.ج.خ

السير الذاتية في التلفزيون بين البيزنس والاحتفاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حساب تحدي الألفية بالجنوب... مشاريع بدأت تعطي ثمارها

حياة وردة الجزائرية في مسلسل تلفزيوني

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات