حديث الصباح: العدالة أمانة عصية على الابتلاع

المحامون والقضاة ملزمون قبل غيرهم أن يقودوا الإصلاح إلى شاطئ الحياة مصير مستقبل المغرب ارتبط في آخر حلقة له بمشهد حركة الشباب بالشارع المغربي منذ فبراير من السنة الماضية، منه انطلق العد العكسي السياسي لمحاولة إنقاذ الوطن من الدمار والفساد والاستبداد، وواجبنا جميعا أن نحمي هذا المناخ التعبوي من الانحراف ومن الاختراق ومن الإغراء والابتلاع، وذلك من أجل المزيد من المكتسبات، وعلى القانونيين والمثقفين، ومنهم القضاة والمحامون والجامعيون أن يساهموا بثقلهم ومصداقيتهم ورمزيتهم في استمرار اليقظة من أجل استمرار المعركة. ومن ساحة عشرين فبراير الشبابية، فتح الباب لأشرف المعارك، إذ انطلقت صحوة قادها مبكرا المجتمع السياسي والحقوقي والمدني، لتجعل مصير العدالة في الواجهة يثير الانتباه والرغبة في اللاعودة إلى الماضي.واليوم انطلقت مسيرة نحو مستقبل العدالة بالمغرب تحت مقبض تجمع بشري يؤلف الهيأة العليا وهيأة الحوار الوطني، وهما آليتان ستعملان على تحضير منهجية الحوار وضبط مساطره وتحديد مواعده وآفاقه بغية رسم معالم «الدستور القضائي» أي الميثاق الوطني للعدالة.في اعتقادي أنه ابتدأ العد العكسي لتجربة من نوع آخر لم يعرفها سابقا المشهد السياسي والقانوني والمهني، لأن ما ألفه الرأي العام إلى اليوم، هو محاولات سابقات قيل إنها منطلقات إصلاح غالبها كان يطبعه التكتم والتفرد بالقرار والابتعاد عن ذوي الشأن مع استعمال مسكنات لا تنفذ لقتل الأورام، وكلها محاولات يمكن اعتبارها أسبابا موضوعيه دفعت إلى البدء في النموذج الذي أعلن عنه حاليا في شكل هيأة متعددة الأطراف بألوان فكرية متقاربة ومتباعدة في اللحظة ذاتها، وهي في اعتقادي تجربة من الصعب الحكم مسبقا عليها وعلى نتائجها قبل الكشف عن مخططاتها وفلسفتها، ولكن ما هو مؤكد ويتعين التنبيه إليه، هو أن الأعضاء المشاركين فيها اليوم يوجدون أمام امتحان تاريخي صعب، وهو اختبار عليهم كلهم أن يظهروا مهاراتهم وذكاءهم وخبراتهم وقدراتهم على النجاح فيه، أي أن عليهم أن يثبتوا أنهم يحملون بصدق ثقافة التغيير بتصورات واضحة، ويدافعون عن رسالة القضاء والوفاء للعدالة كأمانة، معبؤون لها بأخلاق عالية، يشعرون بواجب تنظيف سواد صورتها وبناء قواعدها من جديد لينعم الوطن غدا والمواطنون مستقبلا بالحق في القانون وفي العدالة.لسنا الأولين في تأسيس هيأة وطنية تناط بها مهمة التفكير والتأمل في الإصلاحات الكبرى التي يفرضها مجال القضاء والعدل، فقد سبقنا منذ عقود، في بلدان عربية وأوربية وغيرها، قيام هيآت لإصلاح القضاء تحملت ثقلها طاقات من مستوى رفيع ووازن من عالم القانون، وأمامنا كذلك تجارب في دول أكبر قدرا في سلم الديمقراطية، قضاؤها سلطة كاملة وحقيقية، وقضاتها لا شك في استقلاليتهم وفي صمودهم ضد قوة السياسة والمال، عَبروا نحو الإصلاحات بواسطة هيآت مكونة من شخصيات متعددة المشارب والتجارب، استمعوا واستمتعوا بآراء خبراء في القضاء والقانون والمحاماة والمهن القانونية ومن هيآت ومؤسسات تشعر بانتمائها إلى قافلة التغيير والإصلاح وتحظى بكبير الاحترام من قبل الرأي العام. وأعتقد أن من حق الرأي العام القانوني والمهني بالمغرب أن يطرح الأسئلة ويثير التخوفات سواء تعلق الأمر بشكل الهيأة وتشكيلتها ومكوناتها، أو من حيث مهامها ومسطرة ومنهجية عملها، أومن حيث الانتظارات المعقودة عليها، لكن ليس من المناسب أن نفترض وبالضرورة أن تكون كل مكونات الهيأة على قدر متساو من المفاهيم والقناعات والتجارب والمرجعيات، بل إنه مع وجود البعض من الأعضاء ممن لا علاقة له بمجال القضاء والقانون، بل ممن لا معنى لوجوده على الإطلاق داخل الهيأة، فإن ذلك لا يمكنه أن يعتبر مثار غضب ولا احتجاج، ولا نقصا أو تقصيرا ولا تناقضا جوهريا مع اهمية ودور الهيأة العليا للحوار الوطني، لأنه في ظل التباعدات والتنافضات ووجود المحافظين والمترددين والملاحظين داخلها يمكن رغم ذلك أن تطفو القناعات الصلبة المؤمنة بالعدالة على غيرها، والآراء الصحيحة في مجالات الإصلاح على من سواها، والمواقف الموضوعية في مجال تحليل الخلل والعيب في جهاز القضاء، وكما يقال لا يبقى في النهاية إلا ما ينفع العدالة والقضاء.لكن ليس من حق المهنيين عامة أن يكونوا فقط "ضيوفا "على المشروع وعلى المبادرة يلاحظون ويشتكون، بل لابد للجميع، وفي المقدمة هيآت المحامين وهيآت القضاة، من النزول لساحة النقاش والاقتراح والمشاركة غير المشروطة، لأنهم معنيون قبل غيرهم وملزمون قبل غيرهم أن يقودوا الإصلاح إلى شاطئ الحياة، وأن يشعروا أن المساهمة سهم يمكن أن يطلقوه من كل موقع قريب أو بعيد من داخل الهيأة أو من خارجها، وأن من مهام معركة الإصلاح التصدي لكل احتواء، مما يفرض عليها تحمل المسؤولية وتفجير ما تختزنه تجاربنا لفائدة إصلاح العدالة، وليس لفائدة الهيأة العليا أو لغيرها فحسب، لأننا نحمل رسالة وأمانة لمستقبل القضاء كما نريده أن يكون. المناظرة الوطنية انطلقت، وانطلقت معها بداية المغامرة نحو المستقبل، وعلينا أن نجعلها مجال للقاء وحوار وصراع حي واع ومسؤول، لبلورة إستراتيجية لعدالة شفافة ولقضاء مستقل يضمن الحريات والديمقراطية والحق في المحاكمة العادلة ويحمي مقومات الدستور، ويبعث الروح في ما أعلنه من قواعد خصوصا في مجال السلطة القضائية، وهذا من أدق المهام التي على الهيأة أن تخصص لها التفكير. بقلم: النقيب عبد الرحيم الجامعي

حديث الصباح: العدالة أمانة عصية على الابتلاع

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الرميد يشبه القضاة بعمال البلدية

أسلحة "حركة المجاهدين" مصدرها بلجيكا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات