مصحات بالبيضاء…بالوعة أموال

"رأسمالها" هروب المواطنين من خدمات طبية عمومية متردية بالشارع الكبير وسط الدار البيضاء، لا تنفك حركة السير والجولان عن التوقف حتى ساعات متأخرة من الليل. وبهذا الشارع كذلك تتجسد بما لا يدع مجالا للشك أحد مظاهر الضريبة التي يؤديها سكان الميتروبول لقاء النشاط الصناعي والاقتصادي الذي يتدبرون منه لقمة عيشهم.هنا السيارات والحافلات التي لا تتوقف عن حرق الوقود تبث، وبدون انقطاع، كميات رهيبة من غازات ثاني أوكسيد الكاربون السامة والملوثة للجو، حتى أن آثار هذا السم تعلو حتى واجهات المحلات السكنية والتجارية لتُحيل بياضها إلى لون هجين بين الأسود والبني والرمادي. وفي أحد أركان هذا الشارع توجد مصحة تخصصت في علاج آثار الثمن الباهظ الذي تؤديه أحياء الدار البيضاء نظير ما ترفل فيه من وفرة، نسبية، لفرص الشغل. المصحة إياها، تعالج ضحايا أمراض الجهاز التنفسي المتنوعة، علاوة على توفيرها علاجات للأشخاص الذين يعانون مشاكل واضطرابات في النوم، وهي الأمراض التي تكون غالبا ناجمة عن المشاكل التنفسية. ويحكي مراد، وهو واحد من الذين يترددون على هذه العيادة منذ حوالي شهرين تقريبا، أنه، في أول زيارة له، تفاجأ بحجم الإقبال الذي تعرفه. إذ يؤكد أن قاعتي الانتظار بهذه العيادة غالبا ما تكونان مليئتين عن آخرهما بالزبائن من كلا الجنسين ومن كل الفئات العمرية، كما لا تتوقف أرائك قاعتي الانتظار عن استقبال الزبائن حتى في أيام العطلة أو الأيام التي تعرف فيها المصالح الطبية بالقطاع العام إضرابات عن العمل أو تكون في عطلة.ويضيف أن من جملة الأمور التي استحسنها داخل هذه العيادة، الانضباط واحترام المواعد التي تُحدد سلفا للمرضى كل على حدة، زيادة على أن الأجهزة التي يستخدمها صاحب العيادة، متطورة جدا وعالية التكنولوجيا، أو «سوفيستيكي»، كما يصفها مراد، الذي يتابع علاجا لحساسية في جهازه التنفسي، خلال دردشة مع «الصباح»، التي رافقته عصر الاثنين الماضي خلال زيارته الأسبوعية للطبيب المعالج من أجل إعطائه إحدى الحقن التي تدخل في برنامج العلاج المحدد، والذي سيستمر لمدة خمسة أشهر. لكن ما لم يرق لصديقنا مراد هو أن رسوم الاستشفاء بهذه العيادة، التي هي استثمار خاص ملزم صاحبه بأداء مجموعة من الضرائب لخزينة الدولة، «مرتفعة وغالية، ومن لا يتوفر عليها قد يبقى رهين المعاناة والمرض ينهش رئتيه أو باقي أعضاء جهازه التنفسي». ويوضح أن العلاج الذي بدأه منذ حوالي شهرين كلفه إلى حد الساعة «حوالي أربعة آلاف درهم»، ثم يضيف مازحا «وما زال العاطي يعطي».. ويقول إنه، رغم أن هذه التكاليف مرتفعة و»تحتاج إلى مراجعة حتى لا يكون العلاج والاستفادة من الحق في التطبيب موضع مضاربات أو خاضعا لمنطق العرض والطلب مثل ما هو حال باقي الخدمات والسلع»، فإن لا بديل لديه سوى أن يقبل بالأمر الواقع طالما أن المؤسسات الحكومية التي يفترض أن توفر هذه الخدمة «مازالت تعيش في القرون الغابرة وعوض أن تبحث فيها عن العلاج قد تعود وقد تدهورت حالك أو وأنت تحمل بين ضلوعك أمراضا أخرى».وغير بعيد الشارع الكبير، حيث مازالت السيارات والحافلات، تبث مزيدا من سمومها السوداء دون رأفة أو رحمة برئات البيضاويين، انتقلنا إلى شارع أخر بالمدينة نفسها. هنا توجد مصحة متخصصة في أمراض العيون وتصحيح البصر.هذه المصحة تتخصص فقط في استقبال الحالات المرضية التي لها علاقة بأمراض العيون أو مشاكل البصر، مثل تصحيحه، أو عمليات إزالة «الجلالة» أو ما يُعرف في قاموس أطباء العيون ب»المياه البيضاء». وتعرف المصحة المذكورة، والتي لن ندرج اسمها كذلك للأسباب المذكورة، إقبالا منقطع النظير، إذ أن قاعة انتظارها، ورغم أنها شاسعة وفسيحة، إلا أنها تضيق أحيانا بالعدد الكبير للزبائن الذين قد تجد بعضهم ينتظر دوره في الكشف أو إجراء إحدى العمليات وهو واقف.ومن الأمور التي أكسبت هذه المصحة شهرة واسعة، وبالتالي إقبالا كثيفا، تجهيزاتها المتطورة والحديثة والدقيقة، إذ أن المريض، وقبل تحديد طبيعة المشكل الذي لا بد أن يمر عبر «مسلسل» من الكشوفات يُشرف عليه طاقم من الأطر التي لكل واحد منها دور يؤديه قبل أن يصل المريض عند الطبيب المعالج، وهو واحد من الذين تلقوا تكوينهم في إحدى الجامعات الفرنسية في مجال طب العيون، والذي يحسم في طبيعة التعامل مع الحالة، وما إذا كانت تحتاج إلى إجراء عملية جراحية أم فقط تتبع علاج دوائي...وفضلا على هذا الأمر فالأعمال الخيرية التي يقوم بها صاحب المصحة، والتي تتمثل في حملات طبية مجانية سنوية من أجل إزالة البيضاء من عيون الفقراء والمعوزين في عدد من مناطق المغرب مثل الشاوية ورديغة أو تانسيفت الحوز، إذ ساهمت في توسيع شهرة المصحة، فضلا على تناقل أخبار خدمات الطبيب المعالج «الجيدة». ففي إحدى الحملات التي نظمها، أخيرا، اضطر الطبيب والفريق المساعد له إلى الشروع في إجراء العمليات في ساعات الصباح المبكرة، ورغم ذلك لم يتمكن من إنهائها إلا بعد أن اقترب اليوم من منتصفه، في الوقت الذي كان فيه الزبناء المداومون على متابعة علاجهم بهذه المصحة يقتعدون كراسي قاعة الانتظار وبعضهم واقفا ينتظر دوره في العلاج.وإذا حدث أن قام أحدهم بزيارة خاطفة إلى باقي مصحات القطاع الخاص فسيجد أن المشاهد التي كانت مألوفة، لحشود تصطف أمام مداخل المستشفيات العمومية، تتكرر بالعيادات الخاصة في الوقت الذي مازالت فيه خدمات القطاع الصحي العمومي تعيش على وقع التدهور والتراجع، بينما يتم إطلاق برامج ليستفيد منها المعوزون والفقراء دون توفير البنيات التحتية أو الأطر القادرة على الاستجابة إلى كل هذا الطلب المتزايد... محمد أرحمني

مصحات بالبيضاء…بالوعة أموال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مصحات بمراكش...على جناح "العناية الإلهية"

مصحات خاصة... خطر لا مفر منه

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات