أصدقاء السوء هم البالغون!

الطبيب مبروكي: هذه مفاتيح حماية المراهقين من المتطرفين وتجار المخدرات وذئاب المجتمع لم يتقبل جواد مبروكي، طبيب الاضطرابات العقلية والمحلل النفسي المختص في شؤون التربية، في حوار مع "الصباح"، الفكرة التي تفسر بعض "انحرافات" المراهقين المغاربة بتأثير أصدقائهم عليهم. وفيما شدد الطبيب الذي يزاول في عيادة بمكناس، على أن المراهقة ليست مرضا ويمكن أن تمتد إلى عمر 30 سنة، قال بأن على الآباء تفادي الكذب والمثالية في الحكي عن تجاربهم الشخصية لأبنائهم، كما كشف عددا من المفاتيح التي ستساعد الأسر على تدبير مرحلة مراهقة الأبناء، منها التي ستحميهم من تجار المخدرات وأصحاب الإديولوجيات المتشددة. < ماهي أهم ملاحظاتكم حول سلوكات وأوضاع الجيل الحالي من المراهقين بالمغرب، وتقييمكم لطريقة تدبير الآباء لمرحلة المراهقة؟ < أجد أن المراهقين المغاربة غير مصاحبين بشكل كاف من قبل الآباء، ومن الأخطاء الشائعة أن الأسر لا تستحضر أن المراهقة تعني أن مرحلة الطفولة انتهت، وتواصل التعامل مع الابن على أنه طفل، ما يستفز "الأنا" لديه، ويقود العلاقة معه إلى الصراع والصدام، وبالتالي انخراط الطرفين في التحدي. ومن جهة أخرى، ألاحظ أن الأمهات والآباء المغاربة لا يتواصلون بشكل جيد مع أطفالهم منذ سن مبكرة لإعداد مساحات أو أرضية لحسن التواصل خلال مرحلة المراهقة، سيما وأن هذه المرحلة تتميز بوقوع تغيير لدى الابن بسرعة الضوء، ولا يستطيع الآباء اللحاق بها. وعوض أن يقوم الآباء، بمصاحبة ومواكبة التغيير وبتوسيع هامش الحرية التي يحتاجها الابن المراهق، يسيطر عليهم الخوف فيتشددون أكثر ويحاولون سجن المراهق، الشيء الذي لا يخدم الوضعية بتاتا ولا يعالجها. والملاحظ أيضا أن مدارسنا ليست لديها، خارج الدروس الرسمية، أي برامج خاصة لمصاحبة المراهقين واحتياجاتهم، وأمام هذا الوضع، يجد المراهق المغربي نفسه وحيدا في عالم البالغين، فيتعرض لكافة التأثيرات ويتم توجيهه من قبل ذئاب المجتمع، من خلال تناول المخدرات والسجائر وارتكاب السرقات. < ما الذي يتأثر به المراهق أكثر في هذه المرحلة من العمر؟ المحيط الخارجي من مدرسة و"أصدقاء سوء"، أم الأسرة بمفردها؟ < إن المراهق لا يتأثر بأصدقائه، لأن الذي يجمعه بهم هو القرب من بعضهم البعض وتقاسم التجربة ذاتها، والألم نفسه، والانشغالات والصعوبات نفسها في العلاقة مع البالغين. إن الذي يؤثر في المراهقين ويوجههم هم البالغون الموجودون على كافة الأصعدة (الإعلام، والإشهار، والنجوم، وتجار المخدرات والجنس، والأنترنت ، ورجال الدين، وأصحاب الإديولوجيات). إن المراهق يبني شخصيته، ويحتاج في ذلك إلى عدد من الوسائل، عندما لا يجدها لدى الأسرة والمدرسة، يبحث عنها في المحيط الخارجي حيث لا يتعرض للعتاب، ويتم القبول به كما هو، وبالتالي فالوسط الأسري بكافة مرجعياته، يمكن أن يؤثر على المراهق ويساعده ولكن بشرط وجود أرضية تواصل تم إعدادها سابقا. < نريد منكم المفاتيح الرئيسية لتدبير أمثل لمراهقة الأبناء من قبل أسرهم بالمغرب؟ < يأتي الوعي بأن المراهق لم يعد طفلا كما ليس بالغا، في طليعة المفاتيح، ثم معرفة الجمع بين التسامح والتشدد في العلاقة معه، ورعاية عالمه الخاص بالاهتمام بما يطالعه ومحتوى دروسه، والمطالبة برأيه، والمشاركة معه في الاطلاع، والاهتمام بأصدقائه وببرامجه وموسيقاه المفضلة، بأن نطالبه مثلا بأن يسمعنا ما ينصت إليه ويشرح لنا المضمون ومعاني هذه الأغنية أو تلك مما سيسمح لنا بأن ندفعه إلى التفكير. ويجب على الآباء أن يحكوا لأبنائهم المراهقين عن تجاربهم الخاصة حينما كانوا بدورهم مراهقين، بكل صدق، لأن المراهق وإذ تحكمه رغبة أن يكون مختلفا عن الآخرين، علما أنه مختلف أصلا، يعي جيدا أن والديه يكذبان بسعيهما إلى الظهور أمامه في قمة المثالية، وبخوفهما من الحديث عن تجاربهما السيئة، من تناول للسجائر والكحول والمخدرات والسرقة والشجار مع الآباء، ونقطهم السيئة في المدرسة وتكرارهم في سنوات الدراسة. إن الآباء عليهم أن يعوا أن خوفهم من تعريف أبنائهم بتجاربهم بحجة تفادي تقديم القدوة السيئة، يقومون بالعكس، لأن معرفة الأبناء بالتجارب السيئة للآباء، مطمئن لهم، إذ حينما يسقط المراهقون في تجربة سيئة، يدركون أنهم ليسوا الوحيدين الذين وقع لهم ذلك، إذ أن والديهم وأمهاتهم حدث لهم الشيء نفسه وتمكنوا من تجاوزه. إن تاريخ الآباء يشكل جزءا من تاريخ الأبناء، وعندما نحكي لأبنائنا تجاربنا السيئة، نقترب منهم أكثر ونرسي الثقة. ومن المفاتيح المهمة أيضا، الكف عن انتقاد المراهقين وعالمهم، والقيام في المقابل بتشجيعهم، لأن الانتقاد هدام لهم، سيما تفادي انتقاد ملابسهم وهندامهم وأجسادهم وطريقتهم في الحديث والتفكير، وموسيقاهم، وأصدقائهم، بالنظر إلى أن النقد يضعنا كآباء في موقع الدفاع، وبالتالي يؤدي بنا إلى التصعيد لأننا نحس كأن سيادتنا مهددة، في حين أن الشيء نفسه يحس به المراهق عندما ننتقده، وبالتالي تسوء الأمور جدا. كما أنصح أيضا بعدم وضع الابن المراهق في موقع مقارنة مع شخص آخر سواء من حيث السلوك أو اللباس أو النتائج الدراسية، لأن المقارنة هدامة. وعوض الانتقاد، يفضل اقتراح البدائل، لأن المراهق ليست لديه الوسائل لإيجاد الحلول ويفتقد إلى التجربة، كما يستحسن مساعدته على التفكير، ومثالا على هذا: إذا لاحظنا أنه يدخن، يفضل الحديث معه حول السيجارة، ورأيه فيها، وهل يعتقد أن التدخين سلوك صحي؟ وبدون أن نفرض عليه ما يجب أن يفعله لأنه سيحس بأننا نهينه وسيبتعد أكثر عنا، سيقوده ذلك إلى التفكير في الأمر بنفسه وتكوين قناعة جيدة. وإذا لاحظنا أن المراهق يرتدي لباسا يبدو لنا غريبا، يفضل أن نقول له "عندما كنت مراهقا، لم يكن جدك يعجبه لباسي، ولا يتفهمني، فماذا يقول أصدقاؤك عن لباس آبائهم حينما كانوا شبابا؟"، وبهذه الطريقة يلاحظ المراهق أننا نتفهمه، وسيقترب منا أكثر، ما سيساعده على التعلم والتحليل والتفكير. وعموما على الآباء والأمهات الصبر في مرحلة المراهقة، وألا يتوقعوا أن يشاهدوا نتيجة فورية لمجهودهم في المصاحبة والمواكبة، لأنهما عملان سيتواصلان طيلة سنوات، كما يجب عليهم الثقة في أبنائهم، لأنه عندما لا نثق فيهم يفقدون الثقة حتى في أنفسهم. احترام المراهق < كيف نناقش الدين مع المراهق؟ < يجب احترام المراهق كما هو، واحترام أفكاره وتمتيعه بحرية التعبير عن كل ما يخالجه حتى لو كان مغايرا للتقاليد الثقافية والدينية والسياسية للمجتمع، لأنه إذا قمنا بقمعه سيهرب منا، وهكذا لن نستطيع مستقبلا أن نعرف ما يفكر فيه وبالتالي لن نستطيع مساعدته. إننا إذا بادلنا المراهق الاحترام ومتعناه بالحرية سيقابلنا بالاحترام، كما سيحترم الآخرين المختلفين عنا في المجتمع. في بعض الأحيان، يجب في تعاملنا مع المراهق أن نكتفي برد قناعاته إليه على شكل أسئلة، فمثلا إذا قال يوما "إن الدين لا يعني لي شيئا"، يفضل الرد السليم عليه بكل هدوء واحترام بالسؤال التالي "تقول إنك تعتقد بأن الدين لا أهمية له؟"، لأن هذا سيسمح لنا بفتح حوار هادئ سيسمح للمراهق بتبرير وتعليل فكرته بما يقوده إلى مزيد من التفكير. أما إذا قلنا له بغضب "أنت كاتخربق، راه حرام وحشومة تقول هادشي !"، سيكون رد فعله الصمت ولن يقوم مستقبلا بالتعبير لنا عن أفكاره، وهواجسه حول الدين وقضايا أخرى، ثم سينغلق على ذاته، ويوما ما سيلتقي بشخص متطرف، سيعرف كيف يتعامل معه فيقوم بتوجيهه واستقطابه إلى جماعة متشددة، وحينها سيكون ابننا هو الذي يحرم علينا طريقة لباسنا وأكلنا. حقائق علمية قال جواد مبروكي، إن الأبحاث العلمية تقدمت بشكل مثير في ميدان المراهقة، وفي ما يلي لائحة بآخر الخلاصات والنتائج التي تتوجب معرفتها: • المراهقة ليست مرضا، بل أزمة بسيطة جدا، كما ليست فشلا أو عائقا، ولكن تغييرا وانتقالا من حالة إلى أخرى، ما يعني أنها تطور طبيعي، وحتى إذا اتخذت طابع الأزمة، فهي مرحلية ستنتهي بالضرورة، والمطلوب من الوالدين التحلي بالصبر ومصاحبة المراهق على تجاوز هذه المرحلة من التحول إلى "بالغ" بأقل الخسائر. • إن المراهق لا يعادي البالغين ولا يتصرف لإغاظتهم بمحض إرادته، ولكن لأنه لا يعرف كيف يتصرف إزاء بعض الوضعيات، وبالتالي فهو بحاجة إلى المواكبة والمصاحبة والتفهم والتشجيع أكثر من أي شيء آخر. • إن المراهقة تبدأ في سن 12 عاما وتستمر إلى عمر 25 سنة على الأقل، ويمكن أن تستمر إلى سن 30 سنة. كما أن نضج وتطور الدماغ لا يكتملان قبل عمر 25 سنة في المتوسط، ويمكن أن يتواصل إلى غاية 30 عاما. • رغم أن البنية الجسدية للمراهق مشابهة لنظيرتها لدى البالغ، إلى أن عقل المراهق مختلف كليا، وبالتالي فدماغا البالغ والمراهق لا يعملان بالطريقة نفسها، ومن الطبيعي أن تنشب مواجهات وعدم تفاهم بين الطرفين. • إن المنطقة الدماغية التي تتحكم في مشاعر المراهق، ليست على ارتباط تام وانسجام بالمنطقة التي تتحكم في الأفكار المنطقية والناضجة، وهذا ما يفسر ردود أفعاله وسلوكاته إزاء بعض الوضعيات. • إن المنطقة الدماغية التي تسمح بالانتظام والانضباط تظل غير ناضجة في سن المراهقة، وهذا ما يفسر عدم قدرة المراهق على الانضباط في دراسته وعمله، وهي القضية التي تكون دائما موضوع سوء تفاهم بينه ووالديه. أي أن المراهق لا يرفض الانضباط في الزمن، ولكن الدماغ هو الذي لا يسمح له بالقيام بعملية معقدة مماثلة. أجرى الحوار: امحمد خيي

أصدقاء السوء هم البالغون!

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التغيرات الجسدية سبب الاكتئاب

هوس بـ"الشوبينغ" وأيقونات الموضة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات