عشت سبع سنوات من العزلة

إلياس العماري قال إنه تنقل خفية بين المدن وتنكر بأسماء مستعارة هروبا من حكم غيابي بالسجن لم يردد إلياس العماري، الأمين العام للأصالة والمعاصرة، في كشف تفاصيل سبع سنوات من حياته قضاها متنقلا خفية بين المدن ومتنكرا في أسماء مستعارة هروبا من حكم غيابي بالسجن، إذ رفض أن تكون هناك منطقة رمادية في كتاب حياته، معتبرا أن الأمر يتعلق بفراغات فرضتها اعتبارات تاريخية سيكون لها في نهاية المطاف تأثير واضح على شخصيته وكذا على صورته في مخيلة الناس. واعترف المرشح لرئاسة الحكومة المقبلة بأن السرية طبعت مساره لدرجة أنه آمن، في وقت من الأوقات، بأن العمل السري هو أساس كل نجاح يمكن أن يحققه المرء، وأن الاعتقال والملاحقة ضريبة لا بد أن يدفعها المتمردون والثوار، معتبرا أن ماضي السرية، أبى إلا أن يلازمه حتى وهو خارج أسواره ليس شبحا بل واقع جسده الخوف من الظهور ومن تحمل المسؤوليات علنيا. أجرى الحوار: ياسين قُطيب < وجد كثير من الزملاء الصحافيين صعوبات جمة في كتابة سيرة ذاتية لإلياس العماري، وكانت حججهم لتبرير غياب بعض التواريخ أن هناك مناطق رمادية في حياة الأمين العام الحالي للأصالة والمعاصرة، كيف تردون على ذلك ؟ < ليست هناك أي منطقة رمادية في مسار حياتي، وقد يجد من يحاول أن يضع لي بورتريها فراغات فرضتها اعتبارات تاريخية سيكون لها في نهاية المطاف تأثير واضح على شخصية إلياس العماري وبالتالي على صورته في مخيلة المغاربة. والأكيد أنني لم أختر السياسية عن طواعية، بل هي التي أخذتي منذ الطفولة في متاهة السنوات الأولى من الدراسة وبعدها مرحلة الثانوي، التي تأثرت بطبيعة الأشخاص الذين جمعني بهم العيش المشترك، خاصة بعدما طردت من الداخلية، وبانتماءات معلمي، بالإضافة إلى الأحداث التي عرفتها منطقة الريف في ذلك الوقت. < هل يعني ذلك أن السياسة بدأت عند العماري عند الطرد من الداخلية؟ < ربما قبل ذلك بقليل، أي مباشرة بعد نيل شهادة الدروس الابتدائية مع بداية الثمانينات، عند ما غادرت الدوار في اتجاه المدينة للدراسة في إعدادية داخلية، سأطرد منها بسبب احتجاجي على رداءة وجبة الفطور فيها مقارنة بقهوة أمي، وبعدها وجدت نفسي أدخل شيئا فشيئا وسط جيل أكبر من عمري، رفاق من مستوى تعليمي أعلى، بل فيهم أساتذتي، أتكلم لغتهم وأتكلف ببعض مهامهم، بل أكثر من ذلك كنت حريصا على أن أقرأ كتبهم، ومقابل ذلك قمت بجميع الأشغال من طبخ و تنظيف وغسيل. مع مرور الأيام سأدرك أنني أصبحت طفلا يساريا، بحكم أن كل هؤلاء كانوا يعتنقون الفكر الاشتراكي مع اختلافات بسيطة، لكنهم كانوا يجتمعون على حتمية التغيير الجذري. ولأن أصحاب تلك المطالب اختاروا نهج السرية في تحركاتهم فقد أصابتني العدوى وأصبحت مدمنا على الاشتغال في الخفاء، كما هو الحال بالنسبة لكل الأطفال عندما يقلدون من يعتبرونهم المثل الأعلى. < كيف قضى إلياس العماري سنوات الهروب من الحكم الغيابي؟ < السرية طبعت مسار حياتي، لدرجة أنني كنت أومن بأن العمل السري هو أساس كل نجاح يمكن أن يحقق المرء في كل أعماله وليس فقط السياسية، وأن الاعتقال والملاحقة ضريبة علينا أن ندفعها ثمنا لأعمالنا. وعلى هذا المنوال قضيت آخر سنوات الطفولة، بعيدا عن بيت الأسرة، من 1982 إلى 1986، ثم سأجد نفسي، سنة 1987، محكوما غيابيا بخمسة سنوات سجنا، كما هو الحال بالنسبة لأغلب الرفاق إثر انتفاضات الثمانينات، في ذلك الوقت كان علي أن أعيش في السر ليس تقليدا كما كان الحال في السابق، ولكن كما يقال مجبر أخوك لا بطل، وبدأت سنوات الهروب الكبير، التي قضيتها جوالا بين المدن والقرى بدون سكن قار وبأسماء مزورة، إذ كان علي أن أحتاط من الجميع بمن في ذلك من أقيم معهم. لكن بعد العفو الصادر في حقي في 1989 حاولت قدر المستطاع أن أخرج إلى الحياة المكشوفة مثل الجميع، وأن أكشف عن هويتي الحقيقية، وفعلا بدأت مسار حياة عادية، تزوجت سنة واحدة بعد ذلك، أي في 1990، وفي 1992 أصبحت أبا عندما رزقت بأول أبنائي. ولكي أكسب قوت يومي اشتغلت في شركات كثيرة وطنية ودولية، لكن لم أستطع الإقلاع نهائيا عن «بلية" النضال دخلت أوراش الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فاعلا أساسيا في لجنة الخروقات الوطنية. تحركت في دائرة التنسيق والنقاش بخصوص اليسار، وانتهي بي المطاف واحدا من الأعضاء المؤسسين لحزب الديمقراطيين المستقلين، إذ كنت مسؤولا في لجنته الوطنية. لكن الماضي السري، أبى إلا أن يلازمنا حتى وأنا خارج أسوار السرية ليس شبحا كما يحلو للبعض أن يصفه، بل واقع جسده الخوف من الظهور ومن تحمل المسؤوليات علنيا. لا أظن أن هناك رجل سياسية في المغرب مر من هذا المسار الطويل شمل جل المدن تقريبا وعشرات الشركات و مثل ذلك العدد من الجمعيات والمشاريع الاجتماعية والحقوقية، كل ذلك لأقول لأن كتاب حياتي ليس فيه صفحة بيضاء، وأبدا لم تكن هناك منطقة رمادية في مساري. < هناك من يقول إن إلياس العماري كان من أشد المعارضين لتأسيس الأصالة والمعاصرة، فكيف انتهى به الأمر أمينا عاما له؟ < كنت اعتبر أن فكرة تأسيس الحزب في ذلك الوقت متسرعة، لأن الفكرة التي ولدت في حياة سي إدريس بنزكري، تمحورت حول كيفية تأسيس حركة مدنية تقدم مشروعا سياسيا للأحزاب من أجل تفعيل توصيات التقريرين الصادرين عن هيئة الإنصاف والمصالحة. ظلت الفكرة تروج بين رفاق الراحل وتم إحياؤها من جديد بعد وفاته وتأسست الحركة لكل الديمقراطيين، وحضرت جميع النقاشات المؤسسة، ورفضت أن أكون في مكتبها ولا في باقي أجهزتها، وفضلت أن أشتغل بصفة منخرط عاد. عندما قدمت الحركة مشروعها للأحزاب هناك من استقبلها وهناك من رفض لسبب أو لآخر، وحتي التي استقبلت لم تبد تجاوبا إيجابيا. بدأ التفكير في تأسيس حزب وتحفظت على ذلك، وطالبت بضرورة إعطاء فرصة ثانية للأحزاب علها تعيد النظر في مواقفها السلبية تجاه المشروع المذكور، ومن بينها الحزب الاشتراكي الموحد، الذي كنت عضوا فيه في ذلك الوقت، بالإضافة إلى التوجس من أن يكون الحزب الجديد متناقضا مع ثقافتي السياسية التي اكتسبتها كالنقش على الحجر ولا يمكن أن أسمح لكل ما من شأنه أن يزعزع إيماني بها، لذلك اخترت أن أتوارى و «مشيت قابلت الخدمة ديالي"، ومع المحافظة على علاقات طيبة مع كل الرفيقات والرفاق الذين انخرطوا في عملية التأسيس الأولى للأصالة والمعاصرة. لم أسع في حياتي إلى منصب أو مسؤولية وحتى الترشح للانتخابات الجماعية والجهوية السابقة لم يكن قراري، بل كان أمرا حزبيا أطلقه الأمين السابق مصطفى باكوري الذي فرض الترشح على كل أعضاء المكتب السياسي باستثناء الناطق الرسمي، وبما أنني لم أكن الناطق الرسمي كان علي الامتثال لقرار النزول الجماعي للمعترك السياسي. وأراد الأمين العام أن أترشح في الرباط، فقلت له "إلا كان الترشح ضروري نزل في بلادي"، لكنني سأقع في حرج عندما رفض أهل جماعتي أن يترشح ضدي أي واحد منهم، فطلب مني مرة أخرى أن أواجه امتحان الشرعية الشعبية و أترشح في اللائحة الجهوية، وذلك ما حدث بالفعل وحصلت على 46 ألف صوت بنسبة 50 في المائة من مجموع الأصوات المعبر عنها في الإقليم. من الدولة إلى الجهة < بصفتكم رئيس جهة، هل تعتقدون أن المغرب بدأ يتقدم نحو الجهوية الموسعة بعد سنة من الانتخابات المحلية ؟ < لا أعتقد أن أحدا من أعضاء المجالس الجهوية يمكن أن يجادل في أن هناك تأخرا في هذا المستوى، إذ مازلنا بعيدين عن الهدف المنشود، ورغم أن هناك قوانين جيدة تساير تراكمات التجربة المغربية، خاصة في ما يتعلق بالقانون التنظيمي للجهوية، لكن المركز مازال متشبثا بالسلطات المنصوص على تركها لصالح الوحدات الترابية الجديدة، من خلال التأخر المسجل في عملية إصدار النصوص التطبيقية للقانون التنظيمي، على اعتبار أن الحكومة لم تصدر بعد المراسيم المتعلقة بنقل الاختصاصات. وباستثناء مرسوم التعويضات ومرسوم المخططات الجهوية للتنمية فإن الحكومة لم تتخذ الإجراءات التنفيذية الكفيلة برسم خارطة توزيع الاختصاصات بين الدولة المركزية والجهات. عشرات المراسيم في غرفة الانتظار الحكومية رغم أهميتها الكبيرة، إذ تتعلق بإعادة النظر في هيكلة القطاعات الحكومية، خاصة التعليم والصحة وغيرهما من المجالات التي أصبحت تضطلع فيها الجهات باختصاصات محورية، وسأغتنم الفرصة للتأكيد على أن ذلك سيكون من الأولويات الحكومية المقبلة، وأن الأصالة والمعاصرة يتعهد بإتمام ورش الجهوية في الأشهر الثلاثة الأولى من عمر حكومة 2017 إذا اختاره المغاربة لذلك ووضعوا فيه ثقة قيادتها وذلك بالإسراع في الانتقال من الإقرار النظري إلى الطور العملي. ومع ذلك ينبغي علينا الاعتراف بأن الوضع الحالي يعطي إمكانيات للعمل في الجهات رغم النقائص المسجلة، خاصة إذا توفر عامل الانسجام بين مكونات الوحدات الترابية الكبرى، كما هو الحال في جهة طنجة تطوان الحسيمة التي أتشرف برئاسة مجلسها. وعد الحر دين عليه < يقول خصومكم إن برنامج البام لم يأت بخطط لتنفيذ وعوده ومطالبه زمن المعارضة ؟ < كل الأرقام التي تضمنها برنامجنا جاءت مرفقة بآليات تحقيقها على أرض الواقع، فجوابا على السؤال المتعلق بخفض نسبة البطالة، على سبيل المثال، اقترحنا إحداث 150 ألف منصب شغل في السنة، ولا يمكن الوصول إلى هذا الرقم في ظل نسبة نمو لا تقل عن 5 في المائة، على اعتبار أن كل نقطة من النسبة المذكورة تعادل 30 ألف منصب شغل جديد، ولبلوغ نسبة من هذا الحجم سنراهن بشكل كبير على تشجيع الاستثمار، الذي نقترح أن تخصص له بين 23 و24 في المائة من الميزانية العامة للدولة، بالإضافة إلى رقمنة الإدارة، التي من شأنها أن تجنبنا هدر ملايين الدراهم. وفي قطاع التعليم لا أعتقد أن هناك حزبا يمكن أن يأتي بأحسن من توصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين، لذلك نعتبر ألا بديل عن التطبيق الحرفي لوصفته التي تربط بين التدريس والتشغيل، مع العمل على توفير الإمكانيات اللازمة لتطوير البحث العلمي وتأهيل العنصر البشري. سنعيد النظر في إصلاح التقاعد، وذلك بتدارك الخطأ الذي وقعت فيه الحكومة المنتهية ولايتها وسنشرك المعنيين والمستهدفين في عملية البحث عن الحلول الناجعة، إذ لن نتردد في إعادة قوانين إصلاح التقاعد والمقاصة إلى البرلمان وسنفتح النقاش من جديد، على اعتبار أن ورش الرقمنة سيوفر ثمن إعادة النظر في قرار حذف الدعم، وذلك بإيجاد آليات عادلة للاستفادة عكس ما عليه الحال في الوضع الراهن، حيث إن الذي يسكن في حي كاليفورنيا الراقي بالبيضاء يشتري قنينة الغاز بالثمن نفسه الذي يؤديه أهل سيدي مومن، أو أولئك الذين يقطنون في قصور السويسي بالرباط ويستفيدون من الدقيق والسكر المدعمين مثلهم مثل سكان دوار الحاجة. في سطور - من مواليد 1967 بمنطقة بني بوعياش، إقليم الحسيمة. - انخرط منذ شبابه المبكر في اليسار السياسي إذ بدأ مسارا سياسيا من الريف متأثرا بقيم المقاومة وواقع التهميش. - رئيس جهة طنجة تطوان الحسيمة. - الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة. - بعد أحداث يناير 1984 انخرط في العمل السري لخمس سنوات . - في 1989أسس جمعية ضحايا الغازات السامة بالريف لتسليط الضوء وإثارة الانتباه إلى الانتهاكات الجسيمة لمرحلة الاستعمار الإسباني. في تسعينات القرن الماضي انضم إلى «التجمع الديمقراطي"، الذي جمع عددا من اليساريين. من الأعضاء المؤسسين للحركة لكل الديمقراطيين. الرئيس المؤسس للمجموعة الإعلامية الدولية آخر ساعة.

عشت سبع سنوات من العزلة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

النقابات تعلن انخراطها في المعركة الانتخابية

الإصابة تبعد العلاوي عن آسفي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات