عاملات الجنس المعيشي: ״كاينة ظروف״

يحرصن على تمويه الأمن والمتربصين باعتماد طرق جديدة الساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلا. بشارع أنفا الراقي تصطف أعداد من الحانات والمطاعم الفاخرة التي يتوافد إليها علية القوم وكذا الميسورون، الوضع يبدو عاديا لكن المثير هو دخول وخروج مجموعة من النساء إما صحبة رفيق أو لوحدهن على متن سيارة أجرة. يبدو الأمر للوهلة الأولى عاديا، إلا أن الحقيقة تظهر بعدما تبدأ العلاقة بين الزبون والعاملة بمبادرة من الأول، ومساومة ولقاء ومن ثم العلاقة نفسها تتكرر حتى تصبح ماركة مسجلة مطلوبة في «الحانة أو المطعم» على حد سواء. المتنقل بين شارعي أنفا والراشدي لا بد له أن يكتشف الحيل التي تعتمدها عاملات الجنس لإبعاد شبهة الدعارة عنهن، إذ تنهج بعضهن طرقا متعددة، من بينها النزول من سيارة الأجرة وعدم الوقوف مباشرة في الشارع، بل لا بد من تمويه السائق ودوريات الأمن وحتى المتربصين بأنهن يقطن في إحدى الشقق الفاخرة هناك، وما إن تمر لحظات حتى تعود المرأة نفسها إلى الوقوف في رصيف الشارع لاستمالة الباحثين عن ليلة جنسية بامتياز. وفي ظل قلة إقبال زبائن الطرق تضطر عاملات الجنس إلى تعويض نقص مواردهن المالية باللجوء إلى تسول المارة أو المتطفلين على حركاتهن وسكناتهن. وقبل رصد تحركات ممتهنات الجنس المعيشي بالعاصمة الاقتصادية خصوصا المصطفات بشارع أنفا والراشدي، كان ل"الصباح" لقاء بفتاتين تختلف قصة دخولهما عالم الدعارة لكنهما تتوحدان في معاناتهما ومصيرهما الذي صار مرتبطا بأقدم مهنة في التاريخ. لم يكن اللقاء بهما سهلا فما بالك بالاطلاع على حكايتهما مع مهنة يرفضها المجتمع رغم مشاركته في انتشارها، إلا أنه أمام الإلحاح على المقابلة وتقديم ضمانات بعدم تصويرهما ولا التعريف بأسميهما الحقيقية استجابتا بعد وساطة شاب كان من بين زبنائهما، المهم في ذلك أنهما قررتا فتح قلوبهما للمجتمع المغربي حتى يتعرف على ظروف ولوجهما مهنة بيع الجنس وما تقاسيانه من عذاب جسدي ونفسي أثناء وبعد خدمة إرضاء الزبائن أو "الذئاب البشرية" كما جاء على لسانيهما. «ما كيهمنيش المجتمع حيت ماشي لخاطري ولكن الظروف هي السباب» جملة تقولها حنان، تلخص الكثير من الدوافع النفسية والضغوط التي تعيشها واحدة من أكثر الشرائح إثارة للجدل في المغرب، عاملات الجنس. حنان (اسم مستعار) 29 سنة، من مراكش، تعمل عاملة جنس منذ كان عمرها 20، بدأت المسألة مع أصدقاء الجامعة بالعاصمة الاقتصادية بعد قدومها لمتابعة الدراسة، ومع تعدد «الطلبات» بدأ صيتها في الشهرة بين شباب الحي الجامعي، ومن ثم بدأت تتلقى طلبات الزبائن عبر الهاتف. «لم أكن أتخيل نفسي عاملة جنس لكن كان ذلك نتيجة للسهرات التي كنا نقيمها رفقة زملائنا في الجامعة وبعد مغامرات عاطفية توجت بعلاقات جنسية، وجدت فكرة بيع جسدي مقابل جمع المال لتدبر مصاريف الدراسة والسكن والملابس، وأمام الربح السريع الذي لم أكن أتوقعه، قررت مغادرة أسوار الجامعة وكراء شقة رفقة صديقات يعملن في المجال نفسه، حتى وجدت نفسي في هذا الوضع» تقول حنان بنبرة حزينة. إضافة إلى نظرة المجتمع ومطاردات دوريات الأمن، هناك شبح آخر يسيطر على أذهان عاملات الجنس في ما يتعلق بمهنتهن التي يعشن منها ويعلن أسرا بكاملها، وهو «الإيدز» أو ما يعرف ب»السيدا»، إذ أسرت لنا حنان أن الزبائن لم يعودوا يقبلون ممارسة الجنس بطريقة عشوائية كما في السابق بل أصبحوا يحرصون على الممارسة بالواقي الذكري حتى يضمنوا وقايتهم من أي مشكل صحي، إضافة إلى السؤال عن عينة زبوناتهم، وهي الشروط التي بدأت تجعل مهنتها تصارع شبح الركود. مروة (اسم مستعار)، 34 سنة أم عازبة، من البيضاء، تختلف حكايتها تماما عن حكاية حنان، على الأقل يبدو وكأنها أكثر وعيا بما تمتهنه. لم تكن مروة تتخيل يوما أنها ستصبح ضمن عاملات الجنس، إلا أن ظلم ذوي القربى كان أشد وقعا عليها وهو ما ساهم أمام إصرار حبيبها على عدم الاعتراف بأبويته للطفل الذي كان ثمرة حب بينهما، وأمام نظام عائلي صارم، وميزانية مالية دقيقة، استطاعت مروة إقناع عائلتها باحتضان ابنها إلا أنها لم تستطع إقناعها بالإنفاق عليه، وأمام العجز عن تغطية كافة مصاريفها رفقة ابنها المنبوذ كان لا بد من الخروج إلى الشارع وتقديم خدماتها الجنسية لزبائن يرغبون في إشباع رغباتهم الجنسية ومن هنا كانت البداية. تقول مروة «أصبحت أقيم علاقات جنسية بمقابل مادي، لدي رقم خاص بالعمل، أتفق مع الزبائن وأعمل أربع مرات فقط في الشهر، أحصل نظير خدماتي على مبلغ يتراوح ما بين 400 و600 درهم، حسب الظروف». تعمل مروة لتغطية نفقات حياتها اليومية وابنها بل أصبحت تصرف حتى على عائلتها التي لا تعرف حقيقة مواردها المالية، مادامت أوهمتهم أنها تعمل في «صالون الحلاقة للنساء»، ومما يساعد على عدم كشفه أمرها، رغم شكوك جيرانها، أنها تحرص على عدم التعامل مع شباب حيها والأحياء المجاورة الذين يمنون النفس للاستمتاع بجسدها، خصوصا أنها جميلة وقوامها يلفت إليها الأنظار. محمد بها

عاملات الجنس المعيشي: ״كاينة ظروف״

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

متعة الجنس ... الصيغة المغربية عبر العصور

السراح لمتزوجة متهمة بالخيانة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات