دراسة: المجلس الاقتصادي والاجتماعي وضرورة تعديل القوانين (1/2)

أغلبها لا يتناسب مع التطور الاقتصادي الوطني والعالمي أشرف صاحب الجلالة على تنصيب المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي يتكون من عدة أعضاء يتوفرون على مؤهلات قد تساعد على إيجاد الحلول الناجعة للمشاكل التي تعترضنا في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي من جهة، ويكون ذلك المجلس قيمة مضافة تنبثق عنها اقتراحات تدفع في اتجاه تحسين الأوضاع في الحقلين المذكورين. لقد كان خطاب صاحب الجلالة واضحا كل الوضوح فيما يتعلق بالاختصاصات المستندة لهذا المجلس، والمنهجية التي يجب أن يسير عليها. ومن مهام المجلس التي شدد عليها الخطاب الملكي أن يقترح الحلول الناجعة لمعضلة توفير التكوين المهني والتعليم التقني للموارد البشرية المؤهلة لسوق العمل ولمتطلبات الاستراتيجيات القطاعية والأوراش الهيكلية فالهدف الأسمى للمجلس يقول صاحب الجلالة " يتمثل في ضمان أسباب العيش الكريم لكافة المغاربة سيما الفئات المعوزة وتحقيق تنمية شاملة كفيلة بتوفير فرص العمل المنتج وخاصة للشباب الذي نضعه في صلب سياستنا التنموية".لقد أراد صاحب الجلالة أن يكون هذا المجلس صلة وصل بين العاهل الكريم وجميع أفراد شعبه، يعبر بواسطته عما يخالجه من اهتمامات حول ضمان مستقبل الأجيال الصاعدة، بحيث يتعين على المجلس أن ينهج إصلاحات جديدة تحقق التجاوب العميق بين الملك وبين كافة مكونات شعبه.وبما عرف عن العاهل الكريم من بعد النظر، وإعطاء التعليمات بكل لباقة وكياسة، أشار في خطابه السامي إلى أن الاقتراحات المتعلقة بالإصلاحات يجب أن تكون جديدة مناسبة للحالة والوضعية التي يمر منها المغرب، لا اقتراحات لاكتها الألسن، أو اقتراحات خيالية يصعب تحقيقها على أرض الواقع أي مطبوعة بطابع الديماغوجية، أو اقتراحات يصعب توفير الإمكانيات اللازمة لها، وبذلك تظل حبرا على ورق.وليشعر جلالة الملك أعضاء المجلس بثقل المسؤولية، ذكر الجناب الشريف أن هذا المجلس لا يعتبر غرفة ثالثة تضاف إلى الغرفتين التابعتين للبرلمان، في إشارة واضحة إلى استقلالية المجلس وهو يباشر مهامه، وتجنب معارك المناقشات الفارغة، والشعور بالمسؤولية عن طريق الالتزام بالحضور في جلسات واجتماعات المجلس وتجنب منظر الكراسي الفارغة، فقد مل الشعب من تحمل الأعباء والتكاليف والامتيازات بدون مردودية أو مردودية هزيلة لا تتناسب مع تلك الأعباء والتحملات؟.وفي تصريح مقتضب للوزير الأول عقب تنصيب المجلس ، ذكر أن للمجلس طابعا استشاريا، وستعرض عليه مشاريع القوانين قبل عرضها على المجلس الحكومي أو المجلس الوزاري وقبل إحالتها على البرلمان ما عدا مشروع القانون المتعلق بالمالية نظرا لما لهذا القانون من خصوصيات. لاحظنا أن تشكيلة المجلس لا تضم من ضمن أعضائها رجال القانون، من عمداء الجامعات، أو من السلك القضائي، أو من المحاماة، مع أن القانون يعتبر العمود الفقري في تنظيم البنية الاجتماعية، والجامعات المغربية تضم كليات تحت اســـــــم "كلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية". المهم في نظرنا ، أن كل عضو من أعضاء المجلس وعددهم تقريبا مائة عضو، لو قدم كل واحد اقتراحا واحدا في كل سنة وفي ميدان الاقتصاد أو الاجتماع لتجمعت لدينا مئات الاقتراحات يتنقي منها ما هو أجدى وأنفع.ورغم إبعاد رجال القانون ولا أقول تهميشهم، فالواجب الوطني يدعوهم إلى مساعدة المجلس خدمة للوطن، ولأبنائه سيما الطبقات الضعيفة ، والقوة العاملة النشيطة ولا يريدون من وراء ذلك جزاء ولا شكورا. وكبداية، وللمساهمة في الانطلاقة، نلفت نظر المجلس إلى عدد من القوانين الاجتماعية التى مضى على صدورها قرن من الزمان ، ولم يلحقها تغيير جوهري وباتت لا تتناسب مع التطور الاقتصادي الوطني والعالمي، وأكثر من ذلك زادت الأمور تعقيدا بسبب صدور عشرات القرارات الوزارية التي حاولت بيان كيفية التطبيق، وهي قرارات متفرقة يصعب جمعها والإلمام بها، وأصبحت هذه القوانين بسبب تخلفها عن الركب سببا من أسباب الركود الاقتصادي وسببا من أسباب المشاكل الاجتماعية العويصة ، وقتل المبادرات، وفتح أبواب التلاعب والإبتزازات.ومن تلك القوانين على سبيل المثال ، نذكر ظهير 6/2/1963 المتعلق بحوادث الشغل والأمراض المهنية، إنه قانون يهم الطبقات الكادحة من العمال والمستخدمين، وهو قانون حاول تنظيم مشكل تعرض العمال للحوادث وللأمراض المهنية المزمنة، وهو قانون أخذ عن القانون الفرنسي وترجم ترجمة ركيكة، بعبارات مهلهلة ، وإصطلاحات عتيقة ، ونصوص غامضة تحتمل أكثر من تفسير وتأويل.ولعل أكبر غموض يشوب هذا القانون هو ما تبناه في موضوع احتساب التعويضات التي يستحقها العامل عند تعرضه للحادثة أو للمرض المهني، أو التعويضات التي يستحقها ذوو الحقوق عند وفاة العامل متأثرا بالحادثة أو المرض المهني.عمليات حسابية معقدة، ونسب مئوية ملتوية، وافتراضات متشعبة، بحيث نؤكد أن العامل الضحية أو المصاب لا يقدر على معرفة ما يستحقه بالضبط من تعويضات ويقنع بما يعطى له.ندعو المجلس الموقر إلى قراءة ما كتبه الفقهاء المغاربة في هذا الميدان ليقف على حجم المشكل، وأن يطلع على ما تصدره المحاكم من أحكام في هذا الموضوع ليدرك أيضا معاناة القضاء في معالجة هذا النوع من القضايا الاجتماعية.ندعو المجلس إلى قراءة ظهير 6/2/1963 بكل روية وتأن، ليخرج بحصيلة فهم جد زهيدة ومتواضعة.وكمثال على ما ذكر، نتطرق لجانب مهم يعالجه هذا القانون، ونقصد به موضوع مراجعة الإيراد العمري السنوي عند تفاقم مرض الضحية المصاب في حادثة شغل أو مرض مهني.والفرضية هي أن العامل أصيب بمرض مهني، وحكم له بإيراد عمري سنوي أي تعويضا يتقاضاه خلال السنة مقسما على أربع دفعات ، تدهورت حالته الصحية، ولم يعد ذلك الإيراد كافيا لسد حاجاته فيطلب من المحكمة في إطار الظهير المذكور مراجعة ذلك الإيراد. .إن موضوع الزيادة في الإيراد العمري بسبب تفاقم صحة المؤاجر المصاب في حادثة شغل أو إصابته بمرض مهني يدخل نقاشه في باب مراجعة الإيراد إما ارتفاعا أو انخفاضا.ولقد عالجت عدة كتب فقهية هذا الموضوع بنوع من التفصيل، وإعطاء أمثلة متعددة وعمليات حسابية لا تخلو من تعقيد للوصول إلى تحديد مبلغ الإيراد السنوي العمري، أو تحويله إلى رأسمال أو ما يعرف اصطلاحا بإفتكاك رأس المال.ونظر لكون الإيراد العمري السنوي الذي يؤسس بناء على حوادث الشغل أو الأمراض المهنية التي تقع للأجراء، فقد لا تكون درجة العجز التي أسس عليها مبلغ الإيراد السنوي العمري مستقرة بصفة دائمة، فقد تتطور وتتفاقم وترتفع نسبة العجز مثلا من 40./. بدلا من 30./. وهذه هي المسطرة التي تطرح غالبا على القضاء .لقد أعطى المشرع لصاحب المصلحة وهو هنا الأجير المصاب أعطاه حق اللجوء إلى المحكمة المختصة لطلب مراجعة الإيراد العمري السنوي كلما تفاقمت حالته الصحية ، ولم يعد ذلك الإيراد مناسبا لحالته وإحتياجاته ، و ذلك ما نص عليه الفصل 276 من ظهير 6/2/1963 الذي جاء فيه: "إن إمكانية طلب مراجعة الحقوق في التعويض المرتكزة على تفاقم أو انخفاض عاهة المصاب يبقى معمولا بها لمدة خمس سنوات ابتداء من تاريخ الشفاء الظاهري أو برء الجرح".ويظهر من قراءة النص أن طلب المراجعة لا يمكن تقديمه في كل وقت وحين ، والطلب قد يتعرض للسقوط بسبب التقادم بمرور خمس سنوات ابتداء من تاريخ الشفاء الظاهري أو برء الجرح. بقلم: عبد الواحد بن مسعود: من هيأة المحامين بالرباط

دراسة: المجلس الاقتصادي والاجتماعي وضرورة تعديل القوانين (1/2)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

راغب علامة يغني "مرسول الحب" في ستوديو دوزيم

مواصلة حملة توثيق العلاقات الزوجية بالرشيدية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات