الرشوة… “كل ذي إشاعات”

تقارير دولية ومحلية تؤكد استفحالها والرقم الأخضر لم يتمكن من حصد سوى خمس حالات رغم كثرة الحديث عن تفشي الرشوة في عدد من المؤسسات العمومية والتصريحات اليومية للمواطنين ضحايا الرشوة، إضافة إلى التقارير التي تضعها المؤسسات الوطنية أو الدولية حولها، إلا أن المعطيات الرسمية التي صاحبت بعض المبادرات التي اتخذت لأجل حث المواطنين على التبليغ على كل عملية ابتزاز أو رشوة يتعرضون إليها، والتعديلات التي أدخلت على القوانين المتعلقة بحماية المبلغ، إضافة إلى إحداث الرقم الأخضر، تفيد غير ذلك، وتؤكد أن المغرب من البلدان التي يمكن أن تدخل موسوعة غينيس في عدم التبليغ. إنجاز: كريمة مصلي في 19 يونيو الماضي أخرجت وزارة العدل والحريات، إلى الوجود رقما أخضر لمواجهة تعرض المواطنين للابتزاز وضبط المرتشين في حالة تلبس بالسرعة اللازمة مباشرة بعد تلقي المكالمة الهاتفية عبر الرقم الأخضر وهو 0800004747 وأكد مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، أن هذه الخدمة تعتبر آلية سهلة للتبليغ من أجل ضبط الجناة في حالة تلبس بسرعة كبيرة، مع إمكانية عدم كشف اسم المبلغ عن الرشوة، مشيرا إلى أنه بمجرد الاتصال بالرقم الأخضر سيتم تحويل مكالمات المواطن المتصل لثلاثة قضاة مكلفين بتلقي المكالمات الخاصة بالتبليغ عن الرشوة، وبعد تسجيل كل المعطيات عن الحادث أو الجناية المحتملة سيتم الاتصال بوكيل الملك في تلك المنطقة وتبليغه بالمعطيات من أجل التحرك بالسرعة اللازمة لضبط الجاني المحتمل.مباشرة بعد انطلاق العمل به لم تسجل في البداية أي حالات للرشوة، إذ لم تتوصل تلك الخلية من بين المكالمات المحالة عليها بأي قضية تبليغ عن الرشوة، ما أعطى انطباعا أن المغرب بلد بعيد عن الرشوة، بعد السماء عن الأرض أو أن المرتشين أخذوا استراحة محارب لكي لا يكونوا حسب نظرهم أكباش فداء لحملة الرميد، الذي أعلن في تصريحات صحافية أنه منذ إعطاء الانطلاق للخط الأخضر للتبليغ عن حالات الابتزاز والرشوة، تم استقبال عدد مهم من المكالمات التي كان الهدف منها التأكد من أن الخط الأخضر مشغل، وأضاف الوزير، أنه لم يتم إلى ذلك الحين التبليغ عن أي حالة رشوة أو ابتزاز، وسط هذا الكم الهائل من الاتصالات التي توصل بها المشرفون على استقبال المكالمات.خمس حالات مجموع القضايا التي أطيح بهابعد أزيد من شهر على انطلاق العمل بالرقم الأخضر تمكن من الإطاحة برئيس جماعة «بني ونجل تفراوت» التابعة لباشوية طهر السوق بإقليم تاونات، متلبسا بحيازة شيك قيمته ستة ملايين، من مقاول بالمنطقة.كانت تلك الحالة التي جرت وراءها أربع حالات أخرى والتي خصت عون سلطة بالبيضاء ورئيس الجماعة القروية بالدخيسة ومستخدم بمكتب الصرف، ومديرة الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات بخنيفرة، من أصل عشرات الآلاف من المكالمات، التي تقاطرت على الرقم الأخضر والتي حددت في 285217 مكالمة إلى غاية 31 يوليوز، أي بمعدل يومي 6632 مكالمة مقسمة على الخطوط الثلاثة التي وضعتها الوزارة.واعتبر تقرير صادر في الموضوع أن المكالمات الواردة على الخط تخص إما مكالمات نتج عنها ضبط الجناة في حالة تلبس بالرشوة؛ أو مكالمات تتعلق بعمليات باءت بالفشل، أو مكالمات لا تتعلق بالتبليغ عن الرشوة، وإنما هي عبارة عن طلب الاستشارة تخص مواضيع مختلفة تدخل في اختصاص قطاعات حكومية أخرى؛ أو مكالمات تتعلق بتظلمات المواطنين من الإدارة أو تظلمهم بشأن ملفات معروضة على القضاء، سيما فيما يتعلق بطول أمد البت في القضايا؛ أو مكالمات غير جادة. حالات لم تكتب لها النهايةلم تتمكن جميع عمليات الارتشاء التي رصدها الرقم الأخضر المحدث من قبل وزارة العدل والحريات، أن تطيح بالمرتشين متلبسين بجرائمهم، بعد أن فشل عدد منها، إما بسبب عدم إتمام العملية من قبل المبلغ، أو فطنة المشتكى به إلى الكمين، في حين تمكن الرقم نفسه من أن يطيح بست عمليات إرشاء ضبطت في كمائن نصبت لأصحابها، وأحيل المتورطون فيها على العدالة التي قالت كلمتها. وأفاد تقرير حول آلية الرقم الأخضر للتبليغ عن الرشوة، أن مجموع عمليات الارتشاء التي باءت بالفشل، منذ إحداثه ست حالات أولاها تخص قائد كوكبة الدراجات النارية للدرك الملكي بقلعة السراغنة، أما الثانية فتتعلق بعون سلطة بالمحمدية طلب مبلغا ماليا من أجل منح شهادة السكنى، وهمت العملية الثالثة التي لم يكتب لها النجاح بسبب المبلغ، حسب التقرير نفسه اتفاقا بين صاحب مدرسة لتعليم السياقة بالبيضاء طلب مبلغ 500 درهم قصد منحه إلى المهندس التابع للمكتب الوطني للنقل مقابل حصول المبلغ على رخصة السياقة. أما العملية الرابعة فكانت لموظف ببلدية وجدة، طلب مقابل تمكين المٌبَلغ من الإبراء الضريبي 1000درهم. وكانت آخر عملية من عمليات التي باءت بالفشل تخص تقنيا تابعا لوزارة الفلاحة طلب 2000 درهم مقابل تمكين المُبلغ من رخصة لاستغلال محل تجاري.الفشل في انهاء تلك العمليات راجع إما إلى تراجع المبلغ في آخر لحظة، أو أن المشتكى به فطن إلى الكمين الذي وضع له، أو أن هناك جهة أخبرته ليحتاط، ما يطرح التساؤل حول الدور الذي أكد عليه مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، بشأن المواطن والذي أفاد بخصوصه خلال ندوة صحافية عقدت لإعطاء الانطلاقة الرسمية للتطبيق المعلوماتي والبوابة الإلكترونية الجديدة، أنه لا يمكن محاربة الفساد بشكل كبير دون مشاركته، داعيا جميع المواطنين إلى المساهمة الفعالة في هذه العملية لمحاربة الرشوة، معتبرا إياها آلية سهلة للتبليغ من أجل ضبط الجناة في حالة تلبس بسرعة كبيرة، مع إمكانية عدم كشف اسم المبلغ عن الرشوة. معيقات تعترض الرقم الأخضر في التقرير الذي أصدرته الوزارة عن الرقم الأخضر هناك حديث عن معيقات تعترضه وتحول دون تحقيق النتائج المرجوة، وتلخصها في كثرة المكالمات ما يجعل الخط في كثير من الأحيان مشغولا ويحول دون استقبال جميع التبليغات، إضافة إلى الخلل في الاستقبال إذ أن الخط الهاتفي ينقطع لمرات عدة بمجرد استقبال المكالمة، إلا ان السبب الأكثر أهمية والذي يمكن أن يكون له تأثير إيجابي في رصد عمليات التبليغ إذا ما عولج يتعلق بالعنصر البشري، وبصفة خاصة القضاة المكلفين باستقبال التبليغات عن الرشوة، والذين يعانون عدم التفرغ بسبب المهام الموكولة إليهم، ما يتطلب من الوزارة الوصية أن تعمل على توفير قضاة متفرغين ومتخصصين في تلقي تلك الشكايات، وذلك لتسهيل التواصل مع المواطنين. ضمانات قانونية لحماية المبلغينشكل القانون رقم 10.37، ضمانة نوعية، إذ مكن كل شاهد في أي قضية، إذا كانت هناك أسباب جدية من شأنها أن تعرض حياته أو سلامته الجسدية أو مصالحه الأساسية أو حياة أفراد أسرته أو أقاربه أو سلامتهم الجسدية أو مصالحهم الأساسية للخطر، أن يطلب من النيابة العامة أو من قاضي التحقيق كل فيما يخصه تفعيل الإجراءات الحمائية في حق الشاهد وعائلته حسب نوع الشهادة، من خلال الاستماع إليه شخصيا وإخفاء هويته في المحاضر والوثائق التي تتعلق بالقضية، بشكل يحول دون التعرف على هويته الحقيقية، ويمكن في حالات معينة أن يتم تضمين هوية مستعارة أو غير صحيحة للشاهد ضمن المحاضر والوثائق التي ستقدم إلى المحكمة بشكل يحول دون تعرف الغير على هويته الحقيقية. وتصل الحماية كذلك إلى وضع رقم هاتف خاص بالشرطة القضائية، رهن إشارته للاتصال بشأن أي فعل يهدد سلامته أو سلامة أسرته وأقاربه. كما وضع القانون ضمانات لتلك الحماية، إذ يعاقب كل عمد إلى الإبلاغ بسوء نية عن وقائع غير صحيحة بإحدى العقوبات المنصوص عليها في الفصلين 369 و370 من مجموعة القانون الجنائي.ومن بين التدابير التي ينص عليها القانون أيضا، تضمين هوية مستعارة أو غير صحيحة للشاهد أو الخبير في المحاضر والوثائق التي ستقدم أمام المحكمة، بشكل يحول دون تعرف الغير على هويته الحقيقية، وعدم الإشارة إلى العنوان الحقيقي للشاهد أو الخبير ضمن المحاضر والوثائق التي تنجز في القضية المطلوب فيها شهادة الشاهد أو إفادة الخبير، وذلك بشكل يحول دون التعرف على عنوانه. ويتعين الاحتفاظ بالهوية الحقيقية للشاهد أو الخبير في ملف خاص يوضع رهن إشارة هيأة المحكمة، لتطلع عليه وحدها عند الاقتضاء. غير أنه إذا كان الكشف عن هوية الشخص ضروريا لممارسة حق الدفاع، جاز للمحكمة إذا اعتبرت شهادة الشاهد أو إفادة الخبير أو المبلغ وسيلة الإثبات الوحيدة في القضية السماح بالكشف عن هويته الحقيقية بعد موافقته، شريطة توفير تدابير الحماية الكافية، إلا أنه في الحالة التي تقرر فيها المحكمة عدم كشف هوية الشخص لا تعتبر شهادة الشاهد أو المبلغ سوى معلومات لا تقوم بها حجة بمفردها. ولا يمكن متابعة المبلغين سواء تأديبيا أو جنائيا على أساس إفشاء السر المهني، إذا كانت الجرائم المبلغ عنها قد تم الاطلاع عليها بمناسبة مزاولتهم لمهامهم. القضاء والأمن الأكثر ارتشاء انتقد تقرير صادر عن مجلس أوروبا انتشار الرشوة في قطاعات عدة بالمغرب بينها القضاء والشرطة، مؤكدا أنه رغم إقرار إجراءات لمحاربة الفساد على المستويين التشريعي والمؤسساتي، فإن الرشوة ما زالت ظاهرة مقلقة في المجتمع، وتمثل تهديدا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد.وأفاد التقرير الذي حمل عنوان «من أجل تعزيز الحكامة الجيدة ومحاربة الرشوة وتبييض الأموال»، والذي أنجز بتعاون مع الهيأة المغربية للوقاية من الرشوة،أن التنسيق محدود جدا بين المؤسسات في مجال محاربة الرشوة، وهو الأمر الذي يفسر ضعف عدد المحاكمين بتهم الفساد.وبخصوص القضاء، انتقد التقرير عدم خضوع القضاة لمراقبة صارمة من قبل الأجهزة الرقابية، مسجلا أنهم «ما زالوا يتلقون هدايا»، وأن التصريح بالممتلكات لا يجري تطبيقه بالشكل المطلوب، ناهيك عن الإجراءات التأديبية في حق القضاة التي لم تمأسس بالشكل الكافي. ودعا التقرير إلى تنفيذ توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة بهدف تعزيز استقلال السلطة القضائية.وفي ما يتعلق بقطاع الأمن، ذكر التقرير أن أفراد الشرطة والدرك ورجال الجمارك «يستفيدون من الكثير من الامتيازات التي لا تخضع لمعايير الشفافية، في حين أن جميع الامتيازات التي يستفيد منها هؤلاء يجب أن تكون مقننة ويجري نشرها بشكل رسمي»، وانتقد التقرير «غياب ميثاق أخلاقي للعمل في سلك الشرطة والدرك». ودعا إلى وضع تشريعات تمنع على أفراد الأمن قبول هدايا.إن ما يعانيه المجتمع المغربي اليوم بشأن الرشوة بصفة عامة لا يمكن حله بالحلول الترقيعية والمناسباتية، التي تنتهي بسرعة، وإنما يحل بإقرار المبدأ الدستوري الذي يقرن المسؤولية بالمحاسبة، والتي تعتبر قاعدة عامة يفترض في الجميع احترامها، لأن المسؤولية كيفما كانت لا تعطي الحق في تجاوز القانون والإتيان بأفعال مجرمة، وتكون المحاسبة مضاعفة عندما يتعلق الأمر بمن يفترض فيهم العمل على حماية المواطنين وتقديم الخدمات لهم من خلال عملهم، ويستغلون تلك المسؤولية لأجل ابتزازهم والتعسف عليهم، وبالمقابل لا يمكن التسامح مع المواطنين في الحالة التي يعمدون فيها إلى مخالفة القانون ويبحثون عن حلول مشبوهة للإفلات من العقاب.

الرشوة… “كل ذي إشاعات”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ديربي الشمال يمدد إقامة لوبيرا

بنكيران يخسر معركة مجلس المستشارين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات