يرى نشطاء في "كوركاس" الذي أصيب بسكتة قلبية، ولم يعد يظهر له أثر، أن الجهوية التي ستعتمد في مختلف جهات المملكة، ضمنها الصحراء، لم يكن لها مفعول قوي، طالما أنها ستكون شبيهة بمجالس الجماعات والعمالات، رغم بعض الاختصاصات التي منحت لأول مرة لرؤسائها.وبرأي فاعل صحراوي ينشط في جمعيات مدنية، فإن تطبيق الجهوية بشكلها الحالي، هو فرصة ضائعة، لا يمكن أن تؤسس لحكم ذاتي يحتاج إلى رؤية متكاملة، طالما أن الجهوية بشكلها الحالي تفتقد إلى إطار تنظيمي من حيث الصلاحيات التي تؤطر الجهوية الموسعة. واستنادا إلى المصدر نفسه، الذي كان يتحدث إلى "الصباح" وطلب عدم ذكر اسمه، فإن الإطار التنظيمي بالنسبة إلى الجهوية التي ستعتمد في الأقاليم الصحراوية، يبقى بعيدا كل البعد عن تطبيق مفهوم الجهوية المتقدمة، لأن رؤساء الجهات مثلهم مثل رؤساء الجماعات المحلية. وقال المصدر ذاته "كنا نمني النفس أن تكون الجهوية التي شرع في تنزيلها، إطارا قبليا لتجريب وترتيب الأوراق، قبل أن نصل في مرحلة ثانية، إلى تطبيق مشروع الحكم الذاتي". وزاد معلقا بنبرة غاضبة "هذه مغامرة، لكن أعذر الحكومة، لأنه ليست لنا نخبة سياسية محنكة من أجل تطبيق وتجريب مخطط الجهوية الموسعة، وفق قراءة جديدة، تؤسس لمرحلة الحكم الذاتي".وإذا كانت الجهوية الموسعة تهم كل أقاليم وجهات المملكة، فإن أقاليم جهة الصحراء تحظى بأهمية كبرى، في إطار هذا الورش المهم، الذي يحظى بدعم وتشجيع أغلبية أعضاء المجتمع الدولي، بما فيها الدول الأعضاء الدائمة العضوية بمجلس الأمن، وكذلك الأمم المتحدة التي ما فتئت ترحب بالجهود المبذولة من قبل المملكة المغربية لحل النِزاع، في الصحراء. وما يؤكد جدية المقترح في تعامله مع النزاع هو القرار الأخير رقم 1920 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 30أبريل 2010، والذي يؤكد مصداقية المغرب، الرامية إلى المضي قُدما بالعملية صوب التسوية. وأكد مصدر من "كوركاس" لـ"الصباح" أن مبادرة المغرب الداعية إلى منح حكم ذاتي للأقاليم الصحراوية، ليست غاية في حد ذاتها، وإنما وسيلة لإثبات احترام الشرعية الدولية، وهي ثانيا آلية لإقرار وتعزيز الديمقراطية المحلية والحكامة الجيدة، التي من شأنها ضمان الحريات والمساواة والتدبير المعقلن للشأن العام الوطني والمحلي، وإرساء المفهوم الجديد للسلطة، الذي في إطاره يتولى أبناء الصحراء تدبير شؤونهم بأنفسهم، عن طريق المؤسسات التي تنص المبادرة على إحداثها. وأخذت مختلف التجارب العالمية في مسألة الجهوية وآفاق الحكم الذاتي بها، مسارات متباينة ومتفاوتة، بلورت طبيعة كل دولة على حدة، باختلاف ظروفها وبصيغة الأهداف التي تصبو كل دولة لتحقيقها، وبالتالي، فالجهوية قد تأخذ مفهوما ذا طابع إداري واقتصادي، كما هو الشأن بالنسبة إلى فرنسا، وقد تأخذ الجهوية مفهوما سياسيا، كما هو الشأن بالنسبة إلى إيطاليا وإسبانيا. كما أصبحت الجهوية بالنسبة إلى العديد من الدول السائرة في طريق النمو ضرورة اقتصادية وتنموية واجتماعية وإدارية تفرض نفسها أمام تراكم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي وصلت إلى الحد الذي أصبحت فيه الدولة المركزية عاجزة وحدها عن إيجاد الحلول اللازمة لحلها. فإذا كانت الجهوية عموما أحد الأساليب الحديثة للممارسة الديمقراطية، فالجهوية السياسية، تؤخذ فيها بعين الاعتبار المقومات الثقافية والاجتماعية داخل الدولة نفسها، فالمنطق الديمقراطي لا يقضي بخضوع الأقلية للأغلبية، وإنما اعتراف لهذه الكيانات الاجتماعية بخصوصيتها الثقافية وهويتها السياسية وحقوقها الاجتماعية، كحقها في تسيير شؤونها بنفسها، وهو ما يطلق عليه الحكم الذاتي.عبدالله الكوزي