حملت انتخابات رابع شتنبر الجاري، الخاصة بالانتخابات الجماعية والجهوية، جملة من الدروس، وجب على الأحزاب التقاطها، والتعاطي معها بالجدية اللازمة، حتى لا تكرر الأخطاء نفسها التي كلفتها غاليا.وأول درس يجب أن يستخلصه بعض زعماء الأحزاب التي تصف نفسها بـ"التقليدية"، هو تغيير الخطاب السياسي والانتخابي لقادتها الذين نفروا الناخبين من رموزها، واختاروا الارتماء في أحضان خطاب لا يقل شعبوية، غير أنه كان ممزوجا بالديني والأخلاقي، الذي انطلق من عيوب الآخرين، خصوصا الثلاثي حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، وإدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، وبدرجة أقل إلياس العماري، النائب الأول للأمين العام للأصالة والمعاصرة. وكان عبد الإله بنكيران، الأمين العام للعدالة والتنمية، ركز في الحملة الانتخابية لحزبه على "قصف" الثلاثي، ونجح في مسعاه، ولقي تجاوبا كبيرا من قبل المئات الذين حضروا المهرجانات التي أشرف على تأطيرها. ويبقى ثاني درس لقنته هذه الانتخابات للأحزاب "الكبرى"، هو تراجع شعبيتها الانتخابية في بعض المواقع، التي كانت تشكل معقلها الانتخابي، خصوصا في المدن الكبرى، التي صوتت فئاتها المتوسطة والغنية على العدالة والتنمية، بدل التصويت الاعتيادي والطبيعي، الذي كان سائدا ومعمولا به في التجارب الانتخابية السابقة، وكانت أصوات الناخبين في المدن الكبرى التي سيطر عليها "بيجيدي" سيطرة مطلقة، تذهب إلى الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، قبل أن تنقلب الآية. ويتجسد الدرس الثالث، في سقوط رموز انتخابية معروفة، عمرت طويلا في المشهد الانتخابي، قبل الإطاحة بها من قبل مرشحين "بسطاء" من حزب "المصباح" لا يملكون لا مالا ولا جاها، بل زادهم الوحيد، هو خطاب أمينهم العام. ويبدو أن "تسونامي بيجيدي" الذي ضرب المدن الكبرى والمتوسطة، دون تدخل من الإدارة التي نالت، بفضل تعليمات الملك، الداعية والمشددة على نزاهة الاستحقاقات، وسام استحقاق، ستكون له تداعيات وانعكاسات على الانتخابات التشريعية لصيف 2016، ذلك أن بعض الأصوات المؤثرة داخل العدالة والتنمية، ارتفعت مبكرا، وهي تردد أن "المصباح"، "سيضيء" من جديد سماء الانتخابات التشريعية، وأنه سيحتل المركز الأول، تماما كما جاء على لسان عبدالعالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لـ"بيجيدي" الذي بدأ يتعامل مع قضية التحالفات بذكاء، خصوصا بعد تسجيل حالات "خيانة" من قبل بعض حلفائه في التحالف الحكومي، مثل التجمع الوطني للأحرار، وبدرجة أقل الحركة الشعبية، فيما أشاد بنكيران و"إخوته" بمواقف التقدم والاشتراكية في العديد من المحطات. ولم يستبعد مقربون من رئيس الحكومة، الذي من المحتمل جدا أن يواصل مهامه على رأس الحكومة في مرحلة ما بعد انتخابات 2016، أن يبرم تحالفا ثنائيا ومحصورا مع "البام" من أجل تسيير شؤون ومطبخ الحكومة المقبلة، دون الحاجة إلى أحزاب أخرى التي قد تصطف كلها في صف المعارضة. وإذا كانت نتائج الانتخابات الجماعية في المدن الكبرى والمتوسطة قد أعطت دروسا وعبرا للبعض، فإن انتخابات رؤساء الجهات حملت بدورها مفاجآت ودروسا كثيرة، وذلك من خلال تصدر الأصالة المعاصرة، رئاسة خمس جهات من بين الجهات الـ12 بالمملكة، رغم أن خصمه السياسي، العدالة والتنمية، هو من تبوأ الرتبة الأولى في الانتخابات الجهوية، التي جرت في رابع شتنبر، وهو ما حير كل المراقبين والمتتبعين للشؤون الانتخابية. وقد لعبت التحالفات دورا كبيرا في إسقاط مرشحي الحزب في جهات كان يراهن عليها.ع . ك