< هل تتجه الدولة نحو إقرار مبدأ الثنائية الحزبية أم أن نتائج الانتخابات أوهمتنا بوجود ثنائية بين "بيجيدي"، المهيمن بالمدن، و"البام"، المهيمن في البوادي؟< أظن أن الثنائية الحزبية هي إفراز طبيعي للتاريخ، وتطور يحصل داخل النسق الاجتماعي، يتم عبر تحقيق تراكمات تمتد لسنوات عديدة، وقد تكون مؤشرا حقيقيا لنضج الطبقة السياسية، وتحولا في الوعي السياسي لدى المجتمع، غير أن الدول التي تعرف الثنائية، تسمح أيضا بتعايش أحزاب صغيرة مع هذا الواقع، تكون لها أحيانا الكلمة الفصل في ميل كفة أحد الحزبين الكبيرين المتنافسين باستمرار حول السلطة، أما بالنسبة إلى المغرب، فالواقع مختلف تماما. حقا إن الكثير من السياسيين يتمنون أن يروا الساحة السياسية موزعة بين قوتين اثنتين، ولكن مازلنا لم نصل إلى هذه المرحلة، غير أننا دخلنا في مسار تحول حقيقي للحقل السياسي، عبر ترك آلية الانتخاب تشتغل بشكل طبيعي، وابتعاد الإدارة عن ترجيح كفة هذا الاتجاه أو ذاك، وتركيز اهتمامها على جودة الانتخابات، وأعتقد أنه في العشرين سنة المقبلة، قد تتغير الخريطة الحزبية في المغرب، بشكل جذري، لأننا دخلنا منطق معادلة سياسية جديدة تفرض البقاء للأصلح وليس للأقوى.< كيف هو وضع قيادتي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال على ضوء هذه النتائج؟< أظن أن النتائج الكمية تغني عن الإطناب في التحليل، فالاستقلال فقد 186 مقعدا والاتحاد الاشتراكي خسر 570، مقارنة مع انتخابات 2009، وهذا بطبيعة الحال قد يشكل فرصة لقيادة الحزبين لتشخيص أسباب التراجع، والحزبان يستعدان لعقد اجتماعات لأجهزتهما التقريرية، غير أن أي قرار، يتم اتخاذه، من الضروري أن يأخذ بعين الاعتبار الاستعداد للتشريعيات المقبلة.< "البام" ترأس الجهات الخمس التي يرأس فيها "بيجيدي" عمودية المدن، ورئاسة المجالس البلدية، هل ستشهد فصولا من الصراع بعرقلة المشاريع أم أن أنها واضحة الاختصاصات؟<أجاب الدستور على هذا السؤال بشكل صريح من خلال الفصل 143 الذي ينص على أنه "لا يجوز لأي جماعة ترابية أن تمارس وصايتها على جماعة أخرى...". ولعل من يطلع على القوانين التنظيمية الخاصة بالجهات، وتلك المنظمة للجماعات، ويتفحصها بتمعن، سيدرك جيدا أن مسألة الصراع لن تكون مطروحة إطلاقا. من جهة أخرى، المغرب اليوم وضع هذه الترسانة من القوانين، وهذا البناء المؤسساتي الجديد من أجل التنمية التي باتت التحدي الأكبر الذي تعمل البلاد على كسبه، وليس من أجل تنظيم الصراعات. كما أن المؤسسات عندما تنتخب مكاتبها، فإن شغلها الشاغل يصبح هو انتظارات المواطنين، وأظن أن التنافس الانتخابي الذي كان بين الحزبين حسم يوم 4 شتنبر، وهو اليوم جزء من الماضي، وأتوقع شخصيا أن الحزبين معا يتوفران على ما يكفي من الأطر التي تدرك بشكل جيد جسامة اللحظة السياسية، وأن ما سيهيمن داخل الجهات الخمس، هو نوع من التكامل بين مجالس المدن ومجالس الجهات، وقد تحقق هذه الجهات أفضل نسب التنمية التي سيشهدها المغرب في المستقبل، ثم إن السياسة ليس فيها عدو ولا صديق أبدي. أجرى الحوار: أحمد الأرقام * أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط