الحق في الحياة … التشريع والممارسة

راجي: المشرع الجنائي المغربي لم يستطع بعد التأقلم مع الأجواء التشريعية الحديثة أوردت مداخلة لحسين راجي، رئيس نقابة المحامين بالمغرب، أن التغيرات التي تعرفها القوانين جاءت نتيجة للتحولات العميقة التي عرفها المجتمع المغربي، وأيضا بالنظر إلى الالتزامات الدولية وإصرار المواطنين أنفسهم على التخلص من المنظومة التشريعية التقليدية المحافظة، التي طبعت جل القوانين الجاري بها العمل، والتي تعود في معظمها إما إلى فترة الحماية الفرنسية، أو إلى فترة الستينات من القرن الماضي. اعتبر أن فترة التسعينات من القرن الماضي، كان لها الفضل الكبير في الإسراع بهذه التحولات، حيث تنامت بشكل مُلفت المطالب الحقوقية والسياسية بالإصلاح، ويكفي هنا الاطلاع على الأدبيات المتراكمة للجمعيات الحقوقية وللأحزاب السياسية، لتلك الفترة، والتي توجت بتوصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، وفتحت صفحة جديدة في تعاطي الدولة بشكل جديد مع قضايا حقوق الإنسان، إن على المستوى التشريعي أو المؤسساتي.وأضاف أنه علاقة بموضوع الحق في الحياة، فقد فتح نقاش واسع، حول عقوبة الإعدام وجريمة الإجهاض، بين مختلف الفاعلين والمهتمين على مستوى مختلف الدوائر، خاصة بعد 2011، إذ تمت دسترة الحق في الحياة وأعلنت ديباجة الدستور، باعتبار المبادئ الكونية لحقوق الإنسان، مرجعا يسمو حتى على القوانين الداخلية وأُسندت للقضاء مهمة حماية هذه الحقوق بعدما تم الارتقاء به لرتبة سلطة دستورية، رغبة في الانخراط في مجتمع دولي، أصبح احترام حقوق الإنسان فيه معيارا بالغ الأهمية في تصنيف الدول، و في اندماجها في المنتظم الأُممي. 99 دولة ألغت الإعدام الحق في الحياة، أصبح أول حق يجب أن تضمنه الدول لمواطنيها حتى في حالة الحرب، فأصبح أمرا مفروضا مراجعة كل التشريعات بهدف ضمان هذا الحق، لذلك فلا غرابة في أن نجد أن ما يفوق 99 دولة ألغت عقوبة الإعدام من تشريعاتها بشكل كلي بما فيها فرنسا، المصدر التشريعي للمغرب، وتركيا والسنغال باعتبارهما دولتين إسلاميتين، بينما اقتصرت دول أخرى وعددها يفوق السبع، على إلغاء عقوبة الإعدام في الجرائم العادية، لتصبح محدودة في جرائم قليلة، نظرا لخطورتها كالبرازيل والشيلي وكازاخستان والبيرو. في مقابل ذلك، اختارت 58 دولة الإبقــــــــــــــــــاء على العقوبة في تشريعاتها، دون اعتمـــــاد معيــــــــــــار الخطورة، مع تنفيذ هذه العقوبة كلما نطق بها القضاء، خاصة في ظل ظروف عدم الاستقرار التي تشهدها هذه الدول، كمصــــــــر والسعـــوديــــــــــة والعـــــــراق والصومــــــــــــال واليمن، مع الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والصين وإيران، كلها دول ما تزال متمسكة بعقوبة الإعدام تشريعا وممارسة. 35 دولة توقفت عن تنفيذهبين هذه الدول وتلك، انخرط المغرب ضمن لائحة 35 دولة توقفت عن تنفيذ عقوبة الإعدام، رغم أنها لم تتمكن بعد من شطب هذه العقوبة من تشريعاتها الجنائية، حيث يلاحظ أن آخر تنفيذ للإعدام بالمغرب يعود إلى 1993، فيما كان يعرف بقضية «الكوميسيـــــــــــــــــر ثابت».ورغم أن توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة كانت واضحة، في ضرورة الإلغاء التدريجي لعقوبة الإعدام، إلا أنه يبدو أن هذا المطلب واجهته مقاومة من الاتجاه المحافظ داخل الآلة التشريعية بالمغرب، حيث لم يتم الالتفات إليه إلا ضمن الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، والذي توج بميثاق لم ينل نصيبا من الاهتمام ضمن مسودة مشروع القانون الجنائي الحالي، والذي وإن قلص من عدد حالات الإعدام من 31 حالة إلى 8 حالات، فإنه بالمقابل أحدث 3 حالات جديدة للإعدام، ما يؤكد على أن المشرع الجنائي المغربي لم يستطع بعد التأقلم مع الأجواء التشريعية الحديثة، رغم التزاماته الدولية ورغم أن تنفيذ العقوبة، قد أوقف منذ 1993، ورغم تسجيل نوع من التروي القضائي في النطق بهذه العقوبة، وأخيرا رغم تكرار مبادرات العفو الملكي لفائدة المحكوم عليهم بالإعدام. الإجهاض والحق في الحياةالحق في الحياة غير مرتبط فقط بالعقوبات، وإنما يمتد كذلك لجريمة الإجهاض، فإذا كان البعض يصف الإعدام بأنه قتل باسم القانون الذي يسمح به ويكسبه شرعيته، فإن هناك قتلا من نوع آخر يمارس في إطار الإجهاض الذي يجرمه المشرع الجنائي، لأنه اعتداء على الحق في الحياة بالنسبة إلى الجنين الذي يعترف له القانون بشخصيته ويقر له حقوقا أهمها الحق في الإرث الذي لن يتحقق إلا بضمان حقة في الحياة أولا.وبين الإجهاض والإعدام، تكمن مفارقة غير مقبولة بين لمواقف الفرقاء من حق الحياة، ففي الوقت الذي يتشبث فيه المحافظون بالإبقاء على جريمة الإجهاض دفاعا عن الحق في الحياة بالنسبة إلى الجنين، يتشدد هؤلاء في الوقت نفسه في تشبثهم بالإعدام، متجاهلين الحق في الحياة نفسه. وفي الاتجاه الآخر، تتعالى أصوات الحقوقيين مطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام من منطلق الدفاع عن الحق في الحياة حقا دستوريا غير قابل لأي تأويل، كما نجد أغلبية هؤلاء تطالب برفع التجريم عن الإجهاض، متجاهلة هي الأخرى الحق في الحياة، أول حق يجب أن يضمن للإنسان وهو لايزال جنينا في بطن أمه. 24 طفلا متخلى عنهم يومياهذه المفارقات، تفرض على المشرع معالجة الإشكال في إطار شمولي، يضع نصب عينيه الواقع المجتمعي الذي يؤكد أن نسبة اللجوء إلى الإجهاض السري بالمغرب تتراوح بين 800 حالة و1000 حالة يوميا، خاصة للتخلص من حالات الحمل خارج مؤسسة الزواج، مما يستوجب فتح ملف الأمهات العازبات بكل جرأة و مسؤولية، لتنظيم وضعيتهن بشكل قانوني ينسجم على الأقل مع التطورات الأخيرة للتشريع المغربي في مجال الأحوال الشخصية، و كذلك بشكل يمكن من حل معضلة ظاهرة أطفال الشوارع والأطفال المتخلى عنهم والذين يصل عددهم لأربعة وعشرين طفلا يوميا.

الحق في الحياة … التشريع والممارسة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الإعدام والإجهاض... حرب المحافظين والحداثيين

مراحل النمو وتأثيرها على الحرية الفردية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات