لم يكن صديقنا المدمن، الذي نرسم هنا "البورتري" الخاص به ضمن ملفنا حول "البيضة"، يعتقد أنه سيتعافى يوما من إدمانه ويصبح شخصا "طبيعيا" كأيها الناس، بعد أن دمرت الكوكايين حياته وفقد بسببها الكثير.بدأ الأمر على سبيل "الضسارة"، قبل أن يتحول إلى "بلية" يصعب التخلص منها مهما كانت الإرادة قوية. يقول صديقنا الذي رفض الإشارة إلى اسمه ولو بحروف مختصرة: "يعتقد العديدون أن مدمن الكوكا يمكن أن يتخلص من إدمانه لو أراد حقا ذلك. لكنهم مخطئون. ما كا يحس بالمزود غير اللي مضروب بيه. مهما كنت قويا يصعب عليك التخلص من إدمانك وحدك. الأسرة تلعب دورا كبيرا في ذلك، والأصدقاء أيضا، وجميع من يحيط بك... يلزمهم الكثير من الصبر ليرافقوك في رحلتك نحو العلاج".صديقنا، الذي نقترح أن نطلق عليه اسم "أيوب"، لتحمله الكثير من أجل التخلص من السم اللذيذ القاتل، غادر المغرب شابا يافعا، واستطاع بفضل ذكائه وموهبته في التجارة، أن يكوّن ثروة محترمة تكفل له رغد العيش مع أسرته الصغيرة، قبل أن تتسرب أفعى الكوكايين إلى العش السعيد الهادئ لتحوله إلى جحيم يومي.يحكي صاحبنا بكثير من المرارة بداية قصته مع تعاطي المسحوق الأبيض: "كانت أعمالي تسير على أحسن ما يرام. والفلوس كانت ضايرة مزيان. وبما أنني كنت من عشاق الخروج ليلا والسهر في الملاهي والكباريهات، شاءت الصدفة أن أتعرف على مجموعة من الأصدقاء كانوا يتعاطون الكوكايين. في البداية، دخلت التجربة على سبيل الاكتشاف، لكن مع توالي اللقاءات معهم، والسهر شبه اليومي إلى ساعات متأخرة من الليل، أصبحت مدمنا وأصبحت الكوكا هي محور حياتي. أعيش وأحيا بها، ومستعد أن أضحي بكل شيء من أجلها".ستتحول ساعات النشوة لدى صديقنا "أيوب" إلى نقمة، بعد أن تمكنت "البيضة" منه تماما، وأصبح شخصا آخر غير الذي كان قبل أن يبدأ التعاطي. "فقدت الثقة في نفسي. لم أعد أستطيع أن أشتغل أو أواجه المجتمع وأنا في وضعي العادي. كان خاصني نغبّر باش نولي طبيعي ونقدر نخدم ونتعامل مع الناس. أما حين أكون في مجمع تمارس فيه طقوس التعاطي، فيستحيل أن أغادره إلى أي موعد آخر مهما كان مهما أو مصيريا". بدأ "أيوب" يفقد العديد من زبنائه والمتعاملين معه في "البيزنس" بعد أن أصبحوا ينظرون إليه نظرة مغايرة. فالرجل لم يعد يعوّل عليه، وأصبح، بين ليلة وضحاها، شخصا غير مسؤول ولا ملتزم. وبدل أن ينمي صاحبنا ثروته، بدأت أمواله تنفد، ولولا مشاريع صغيرة أقامها هنا وهناك تديرها زوجته، لأصبح مفلسا "ما يكساب ما يعلام". ولم يكن العمل وحده ما تأثر بإدمان "أيوب"، بل انعكس ذلك على حياته وحياة أسرته. أهمل الرجل زوجته وابنته الوحيدة. أوقاته كلها يمضيها مع أصدقائه ورفقائه في درب "الزق" و"التنفيحة". حياته الجنسية مع زوجته شبه غائبة أو منعدمة. لقاءاته الأسرية والاجتماعية آخر ما يفكر فيه. باختصار... سيطرت الكوكايين عليه تماما وجعلته عبدا لها. عبودية "أيوب" ل"البيضة" استمرت سنوات. ولم يبدأ في استيعاب الأمر إلا بعد أن قررت زوجته، بعد محاولات عديدة لحثه على العلاج، طلب الطلاق ومغادرة بيت الزوجية دون رجعة، بعد أن يئست منه ومن عيشتها معه. يحكي أيوب "كانت زوجتي نقطة الضوء الوحيدة في حياتي. تزوجتها بعد قصة حب كبيرة، وحين أنجبت منها ابنتي أحسست أنني أسعد رجل في العالم. في الواقع، لم تخذلني، وظلت لسنوات وهي تحاول إقناعي بالبدء في العلاج، دون جدوى. كنت أوهمها أنني أستجيب لها، قبل أن تكتشف كذبي عليها وتمثيلياتي التي لا تنتهي. رغم ذلك، لم تيأس. استعملت جميع الوسائل المؤثرة لتجعلني أتوقف، لكنني كنت أستمع لنفسي فقط. كنت أعتقد أن حبها لي سيمنعها من الرحيل، لكنها رحلت... وأخذت معها ابنتي... ولم تعد أبدا". وجد "أيوب" نفسه وحيدا في نهاية المطاف، ونيسه الوحيد "سطيراته". فقد ماله وزوجته وابنته وأصدقاءه الحقيقيين. أحس بالخطر وأصبح يرى أمامه واقعا أسود. لا أفق ولا مستقبل، خاصة حين كاد يفقد حياته ذات ليلة بسبب جرعة زائدة "أوفر دوز". قرر أن يبدأ رحلة العلاج الطويلة. وحده... عانى كثيرا كي يتخلص من إدمانه. كان يتوقف شهورا قبل أن يسقط من جديد، ثم ينهض. عاد إلى البلد وأسس مشروعا تجاريا بما استطاع أن ينقذه من مال ضاع أغلبه في شراء غرامات "الغبرة". غير رقم هاتفه وغير معارفه. أصبح اليوم لا يقترب من مكان يشتم فيه رائحة "البيضة". يقول "قطعت كلشي... الكارو والحشيش والشراب... أصبحت لدي فوبيا حقيقية منها لأنها تذكرني بسنوات ضياعي. لا أخفيك أنني أشتهي الشمان أحيانا. لكني أتغلب على رغبتي بالقراءة وممارسة الرياضة".نورا الفواري