هل يوجد تكييف خاص في العقوبات، بالنسبة إلى قضايا ابتزاز والنصب على الشخصيات السامية؟ إذا تحدثنا عن واقعة الصحافيين الفرنسيين مع ملك المغرب، فإن التكييف القانوني لفعلهما، هو "محاولة ابتزاز"، وذلك ما يتابعان من أجله، أمام قاضي التحقيق الفرنسي، أما في الوقائع الأخرى المشابهة، التي قد يحاول فيها البعض النصب على الملك أو الأسرة الملكية، فلا تكييف خاص لها إلا أنها جرائم نصب واحتيال، إذ أن القاعدة القانونية عامة ومجردة، ولا تمييز في تطبيقها بين الناس.ولا يقع التكييف، إلا بوجود نص خاص ويفرد عقوبات خاصة لجرائم معينة، كما السب أو القذف الذي قد يطال جلالة الملك، أو أحد أفراد أسرته الملكية، أو المساس بهم أو محاولة الاعتداء عليهم، لما يتوفرون عليه من حصانة، نظرا للرمزية التي يحملونها، وعدا ذلك فالكرامة واحدة و الحرية واحدة لا تختلف قيمتها أمام القانون بمنطوق الدستور، مع واجب الاحترام والتوقير اللازمين لشخص الملك و أسرته.وبناء عليه، تكون العقوبة واحدة وموحدة في شروط إنزالها، وظروف الإعفاء منها، أو التخفيف في تطبيقها، غير أن السياق يفرض نفسه من الناحية المعنوية والرمزية، إذ من المحتمل جدا أن يكون المجرم مدفوعا من جهات معينة هدفها المساس برمزية البلاد المتمثّلة في جلالة الملك و بذلك يكون الاختلاف على مستوى القصد الجنائي أو الدافع من وراء محاولة النصب أو الابتزاز. يبدو لجوء جلالة الملك وأفراد أسرته إلى القضاء، في عدد من الوقائع أمرا فريدا، فأي تفسير يراه رجل القانون في هذه المسألة؟ مثلا في قضية الصحافيين الفرنسيين، عكس اللجوء إلى القضاء، أن القصر الملكي حكيم جدا، بتعامله مع المتهمَين بدهاء كبير تحت غطاء القانون وفي إطار الشرعية مع احترام كامل للسيادة الفرنسية والنظام العام الفرنسي بل وبتنسيق مع السلطة القضائية و أجهزة الأمن بهذا البلد.كما يعد الأمر، مؤشرا، أيضا، على التزام الملك وأسرته بضوابط القانون وسيادته على الجميع، وهو ما رصدنا جميعا، صداه الطيب عند الرأي العام الفرنسي، وساهم. في كشف وجه خفي لبعض الصحافة الفرنسية التي استوعبت الدرس جيدا، وأضحت تعلم أن منهج القصر الملكي في مخاطبة الرأي العام سواء الوطني أو الدولي تغيّر عن سابقه وأصبحت الشفافية والوضوح من أبرز مميزاته.ولا أدل على ذلك من بلاغات عديدة صدرت عن القصر الملكي المغربي، أو تنصُّب الملك مطالِبا بالحق المدني كأي شخص عاد، يعتبر أنه تضرر من سلوك خارج عن القانون وترك للسلطة القضائية أن تتحمّل مسؤوليتها بكل تجرد، فلم يبق للمتهميّن إلا تبرير سلوكهما بمنطق الخطأ والضرورة التي تبيح المحظور، دون إمكانية دحض حجج دفاع الملك الذي هيّأ القضية بحنكة و تبصّر تحت تتبُّع النيابة العامة الفرنسية. كيف تبدو لك، من موقعك محاميا، ظاهرة النصب "الراقي" واستهداف الشخصيات السامية أو انتحال صفاتها؟ إن ظاهرة النصب "الراقي"، قديمة لكنها تتجدد وتتطور، بتطور الوسائل المستعملة، وأخطر ما فيها، بالنسبة إلي، استغلال رمزية ضحاياها للضغط عليهم ومساومتهم ومحاولة ابتزازهم.والأخطر في قضية الصحافيين الفرنسيين، أن الأمر وصل حد الاختباء وراء غطاء الحق والمراد به باطل، إذ استغل الصحفيان قوة القلم والكلمة وألبساها، لبوس العمل الصحافي الحر، الذي يهدف كشف الحقيقة بحسبهما، والحال أن الهدف شخصي وغايته المنفعة الذاتية واستغلال القارئ وتأليب الرأي العام، وسيلة ضغط في مواجهة الضحايا، وأظن أننا سنتفق، هنا، على أن هذه من أحطِّ الوسائل وأكثرها وضاعة.أجرى الحوار: امحمد خييحاتم بكار (*) محام بهيأة القنيطرة وأستاذ جامعي زائر بكليتي عبد المالك السعدي بالعرائش وابن طفيل بالقنيطرة