من غير المعقول تغيير مهنة الناسخ بشكل قصري ودمجه في إطار الوظيفة العمومية أو مهنة قضائية بشكل آلي
تمارس مهنة النساخة في المغرب في إطار القانون رقم 49.00 الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.01.124 الصادر في 29 من ربيع الأول 1422 الموافق 22 يونيو 2001 والمرسوم التطبيقي له رقم 2.01.2825 الصادر في 06 جمادى الأولى 1423 الموافق 17 يوليو 2002. فالناسخ يمارس مهامه بمقر المحكمة الابتدائية المعين في دائرتها حسب مقتضيات المادة 2 من هذا القانون، ومع ذلك فهو لا يعتبر موظفا عموميا حسب مقتضيات قانون الوظيفة العمومية، وبالمقابل لا يمارس مهنة حرة ومستقلة، فهو يخضع لرقابة القاضي المكلف بالتوثيق التي تمتد إلى تصرفاته أثناء القيام بمهامه حسب مقتضيات المادتين 22 و 23، بالإضافة إلى رقابة الوزارة الوصية (وزارة العدل والحريات).
تحدد اختصاصات الناسخ حسب المادة 11 التي تنص على أنه “ عهد إلى الناسخ تحت مسؤوليته ما يلي :
أ- أن يضمن بخط يده وبمداد أسود غير قابل للمحو الشهادة بأكملها طبق أصلها المحرر من طرف العدلين بتتابع الشهادات حسب أرقام وتواريخ تضمينها، دون انقطاع أو بياض أو إصلاح أو إلحاق أو تشطيب، إلا ما اعتذر عنه، أما البشر فيمنع مطلقا تضمن الشهادات حسب نوعها خلال ثمانية أيام من تاريخ تسليمها إلى الناسخ – ما لم ينص على خلاف ذلك – بعد مراقبتها من طرف القاضي، في أحد السجلات المنصوص عليها في الفصل 25 من المرسوم رقم 2.82.415 الصادر في 4 رجب 1403 (18 أبريل 1983) بشأن تعيين العدول ومراقبة خطة العدالة وحفظ الشهادات وتحريرها وتحديد الأجور كما وقع تغييره وتتميمه.
ب- أن يستخرج من السجلات المذكورة نسخ الشهادات المضمنة والمخاطب عليها.”
وعلى ضوء هذه المادة، فالوثيقة العدلية قبل أن تأخذ صبغتها الرسمية، لابد من المرور على الناسخ الذي يضمنها بالسجل الخاص بنوع الوثيقة، فبعد تحرير الوثيقة من طرف العدلين طبقا للقانون المنظم لخطة العدالة، يأذن قاضي التوثيق للناسخ بتضمينها (بخط يده وبمداد أسود) بالسجل الخاص بنوع الوثيقة، فيقوم بذلك “بعد أخذ أجرة التضمين من العدلين” داخل أجل 8 أيام، ثم يضمن اسمه بطرة الوثيقة ثم يعيدها للقاضي الذي يخاطب عليها فتحصل على صبغتها الرسمية، هذا ويقوم باستخراج النسخ من السجلات بناء على طلب أصحابها أو ذوي المصلحة بعد إذن قاضي التوثيق، فيقوم بنقل النسخة من أصلها بدون زيادة ولا نقصان، ويوقع عليها ويضع اسمه ثم يقدمها للعدلين اللذين يطابقانها مع الأصل، فيوقعان عليها ثم يخاطب قاضي التوثيق عليها بعد التأكد من سلامتها، ثم تقدم لأصحابها من طرف الناسخ الذي يتسلم أجرة ذلك منهم و يقتسمها مع العدلين على ثلاثة.
إذن هذه المهنة، وإن كانت حديثة التنظيم القانوني فهي عريقة في ممارستها، ولا أحد يمكن أن يبخس عمل الممارسين لها وما يقومون به من حفظ الوثائق وضمان الحقوق واستقرار المعاملات، خصوصا أمام ما تعرضت له مذكرات العدول من تلف و ضياع.
غير أن هذه المهنة، والتي ظل الممارسون لها يشتغلون في صمت وعلى ضوء عيونهم، لم يشفع لها ذلك، فبدأ الحديث عن إمكانية الاستغناء عنها بالمرة أو تغيير الإطار القانوني الذي تمارس في إطاره مع تعديل القوانين ذات الصلة.
وهكذا أخرجت وزارة العدل والحريات تقريرا حول هذه المهنة، وعملت من خلاله على تشخيص وضعية النساخة بالمغرب وتطرقت للعلاقة المتوترة بين النساخ والعدول والاقتراحات المقدمة من الطرفين، على أن ما سنخصه بالدراسة هو التصورين اللذين قدما. فالأول يتحدث عن إبقاء مهنة النساخة لكن بتغيير القانون المنظم لها والقوانين ذات الصلة غير أن هذا التصور أصبح حسب التقرير متجاوزا، والثاني يقوم على إعادة النظر في وجود هذه المهنة وإلغائها بصفة نهائية. إذن سنحاول الوقوف على إيجابيات وسلبيات كل تصور سواء على المهنة أو على الممارسين لها.
المحور الأول : إلغاء مهنة النساخة
يقدم هذا التصور من طرف الوزارة على أساس أنه هو التصور الأمثل والمناسب، وفي هذه الحالة فالمؤكد أن الوزارة الوصية ستجد البديل المناسب والآلية البديلة التي من خلالها يمكن الحفاظ على الوثائق المحررة من طرف العدول بالشكل نفسه، الذي كانت تحفظ به في إطار مهنة النساخة أو بشكل أفضل، ويبقى الأمر معلقا بخصوص الممارسين لهذه المهنة فالوزارة تحدثت عن تصورين، فميزت بين من يقل سنهم عن 45 سنة ومن أكبر من ذلك وبين من له مؤهل علمي وبين من ليس له ذلك، فالنساخ الذين يقل سنهم عن 45 سنة، يمكن إدماجهم في سلك الوظيفة العمومية حسب المؤهل العلمي الذي يتوفرون عليه، كما يمكن إدماجهم في خطة العدالة، إذا كانوا يتوفرون على الشهادة العلمية التي تخولهم ذلك، أو ينص القانون على شروط ولوج خاصة بهم، بينما الذين لا يتوفرون على مؤهل علمي أو يكون سنهم أكبر من 45 سنة، إذا ما كانوا يتوفرون على مؤهل علمي، فيمكن التفكير في إيجاد نص خاص لتوظيفهم، وبالمقابل نجد الرابطة الوطنية للنساخ القضائيين بالمغرب تحدد توصياتها في حالة إلغاء المهنة في ما يلي :
1 – فتح خيارات الإنهاء (الوظيفة العمومية، مهن قضائية، مغادرة بتعويض … ) وإصدار استمارة لولوج النساخ حسب تلك الخيارات بناء على اختياراتهم.
2 – دمج الحاصلين على الإجازات أو الماستر وفق قانون الوظيفة العمومية.
3 – دمج أصحاب الشهادات الجامعية وما دونها في سلم 9، باعتبار أن الوزارة قد عادلت عمليا بين الشهادة الجامعية وما دونها من المستويات بتنظيم مباراة الولوج ، و منح صفة ناسخ للكل وفق القانون المنظم للمهنة 49.00 أي يزاولون الاختصاصات نفسها، تحت طائلة المقتضيات القانونية والإجراءات التأديبية والزجرية نفسها.
4- اعتبار قرار الإدماج ذا أثر رجعي بالنسبة إلى النساخ، الذين ولجوا المهنة بالمباراة من تاريخ قرار التعيين وبالنسبة إلى الباقي من تاريخ صدور القانون49.00 بالجريدة الرسمية، على أساس إدماجهم بسلم9 .
5- فتح باب المغادرة بتعويض من مداخيل الرسوم القضائية المحولة من تعريفة التضمين واستخراج النسخ والبحث أو أي شكل آخر، ويكون التعويض محددا قيمة وآجالا.
6- الولوج المباشر لمهنة خطة العدالة حسب اختيارات النساخ.
7- تخصيص كوطة 5 في المائة لولوج سلك الملحقين القضائيين.
8- ولوج مهن قضائية أخرى بالإعفاء من الامتحان المهني وتقليص مدة التمرين.
9- التعيينات بمقرات العمل الحالية، إلا أن يختار الناسخ عكس ذلك للظروف الأسرية والاجتماعية والدراسية للأبناء.
ما نود الإشارة إليه هو أن مصلحة النساخ يجب أن تكون هي الأولى بالاعتبار، فالناسخ الممارس، خصوصا الذي اجتاز المباراة، يجب مراعاة الشعور النفسي الخاص به، فمن غير المعقول تغيير مهنته بشكل قصري ودمجه في إطار الوظيفة العمومية أو مهنة قضائية أخرى بشكل آلي، فهو في الأصل اختار هذه المهنة بناء على قناعاته الخاصة، وبالتالي يجب أخذ ذلك بعين الاعتبار، لذا نرى ضرورة الاستجابة لكل مطالب النساخ في إطار تصورات الرابطة الوطنية الخاصة بهم من جهة، وإعطاء لكل ناسخ الحق في تقرير مستقبله حتى يتحمل مسؤوليته الشخصية عن ذلك، ولا يكون للوزارة الوصية أي مسؤولية بعد ذلك، إذن هذا التصور له تكلفة وتكلفته ستكون باهظة جدا إذا ما لم يتم حسم مستقبل العنصر البشري بشكل يضمن كرامته واستقراره النفسي الرهين إلى حد كبير بالاستقرار المهني والمادي.
المحور الثاني : الإبقاء على المهنة
هنا تحدث التقرير عن إبقاء مهنة النساخة بالمغرب، غير أنه اعتبره تصورا غير مقبول من طرف كل الفاعلين، وعلى رأسهم الرابطة الوطنية للنساخ والهيأة الوطنية للعدول، هنا نقول أنه لا يجب التسرع في إنهاء مهنة لا تخفى أهميتها ولا يخفى التأثير الذي يمكن أن يحدثه إلغاؤها، خصوصا إذا لم تضمن حقوق الممارسين لها، لذا يجب إعطاء هذا التصور أحقيته في الدراسة، فإبقاء هذه المهنة يجب أن يقوم على نقطتين أساسيتين، الأولى تتعلق بطريقة العمل والثانية بخصوص الأجرة فالأولى يجب تطويرها وإخضاعها لمشروع وزارة العدل والحريات المتمثل في تطوير الإدارة القضائية والوصول إلى المحكمة الرقمية، ما يعني أن عمل الناسخ يجب أن يتجاوز النسخ بخط اليد، ويتم الاعتماد على النسخ الآلي تقنية “الفوطوكوبي” للمحافظة على الأرشيف الورقي (إذا كان من الضروري الإبقاء عليه) والنسخ بتقنية “السكانير” للتخزين الإلكتروني، وهذا العمل لن يتأثر بالحفاظ على خطاب قاضي التوثيق على الوثيقة العدلية من عدمه، فالناسخ من خلال هذا التصور يظهر دوره بعدما تصبح الوثيقة جاهزة لتسلم لأصحابها فتسلم له لنسخها وإعادتها للعدل في ظرف زمني قياسي لا يعرقل عمل العدول ولا حقوق المرتفقين، ويتعين جعل استخراج الوثائق من اختصاص الناسخ لوحده الذي يستخرج الوثيقة المطلوبة سواء من الأرشيف الورقي أو الآلي ويضع تأشيرته عليها واسمه ولا يتم اللجوء إلى قاضي التوثيق للخطاب عليها، إلا إذا ظل له اختصاص الخطاب على الوثائق العدلية ولا ترجع للعدول لمطابقتها بالأصل بالمرة، ويجب توزيع العمل بين النساخ داخل المحكمة بشكل متساو لتفادي النزاعات التي تظهر بين النساخ، أما بخصوص النقطة الثانية فيجب فك الارتباط بين النساخ والعدول بخصوص الأجرة، فيجب تحديد أجرة خاصة بنسخ كل وثيقة وذلك بصندوق خاص يقتسم مدخوله بين النساخ بشكل متساو كما تضاف له أجرة استخراج النسخ التي يؤديها طالبها دون أن يكون للعدول أي حق في تلك المداخيل.
هذا التصور يمكن رفضه والقول إنه متجاوز، غير أنه له أهميته الكبرى في أنه ضمانة إضافية لحماية الوثائق المحررة من طرف العدول، هذا لا يعني التقليل من أهمية مكاتب العدول في القيام بذلك.
خاتمة
يمكن القول إن مهنة النساخة لها أهميتها ولها مكانتها، وإلغاؤها يجب أن يكون قرارا يراعي شقين، الأول العنصر البشري والثاني ضمان حماية الوثيقة العدلية، كما أن الإبقاء عليها يجب أن يواكب مشروع المحكمة الرقمية، الذي تراهن عليه وزارة العدل والحريات وتصبو بلوغه في حدود 2020، لذلك يجب تطوير الأنظمة القانونية المنظمة للمهنة بشكل شمولي وجذري يفك الارتباط ونقط التوتر والخلاف بين النساخ في ما بينهم من جهة وبين النساخ والعدول من جهة ثانية وذلك بشكل تشاركي.
* (باحث في العلوم القانونية)