شذرات من تاريخ أضرحة مكناس ٤

سيدي بنعيسى... "الشيخ الكامل" هو أبو عبد الله محمد بن عيسى الفهدي السفياني الأصل، المختاري الولادة والنشأة المكناسي الدار والوفاة. كانت ولادته بفرقة مختار من قبيلة بني حسن وبها نشأ. وبعد أن حفظ القرآن الكريم انتقل به والده إلى فاس فنال تكوينا علميا في العلوم الدينية واللغوية، وبرز في التوحيد وعلوم العقائد متتلمذا في ذلك على شيوخ جامعة القرويين، ثم شد الرحال إلى مراكش فأخذ التصوف عن الشيخ سيدي عبد العزيز التباع، وبأحواز فاس وبالضبط بالبلاد المعروفة بخندق الزيتون قرب وادي اللبن اتصل بالشيخ محمد الصغير السهلي، الذي ناوله دليل الخيرات وأمره بنشره، وهما من رجالات التيار الصوفي الجزولي الذي أثر بعمق على التكوين الديني للشيخ الكامل. التحق بمكناس وأرسى بها قواعد الزاوية العيساوية، واتخذ مسجد سيدي بنعيسى (الذي حمل اسمه) بدرب الفتيان مقرا لها في البداية. وقد اضطلع الشيخ الكامل في زاويته هذه بتدريس العلم، وإطعام الطعام والدعوة إلى الجهاد، والاحتفال بالمولد النبوي بمكناس بمشاركة الوفود من مختلف أرجاء الوطن، وجمع الناس على الذكر، واستئجارهم في سبيل ذلك. كما تصدى للتعليم بالمسجد الأعظم بمحل لازال ينسب إليه بالسارية أمام الداخل من باب السادات (أحد أبواب المسجد الأعظم) هذه السارية نجد فيها لوحة كتب عليها "هنا كان الشيخ محمد بنعيسى يدرس العلم سنة 927ه. لقد جلس لتربية المريدين وإرشادهم إلى سبيل الهدى، فاستنارت به البلاد، وحصل به نفع كثير للعباد، وصار وجهة للطالبين، وحجة للمسترشدين، وصار الناس يتزاحمون عليه بقصد التبرك به، والأخذ عنه، وقد شاع صيته وذكره في سائر أقطار المغرب، وانتشرت طريقته وصارت الوفود ترد عليه، وتقوم طريقته الصوفية على المحبة النبوية، والصلاة على خير البرية، وبهذه الخصوصية تميزت عن باقي الطرق الصوفية حتى قيل : "المحبة عيساوية والسنة مسناوية". فقد كان الشيخ الكامل آية في المحبة والأدب، كما أن المسناوية غاية في اتباع السنة (الكتاني-السلوة الأنار) س ج 1 ص 186. وقد قيل في حقه :"الصالحون كلهم غرفوا من بحر النبي صلى الله عليه وسلم، والشيخ ابن عيسى غرق فيه (أحمد الغزال- النور الشامل ص 3). والطريقة العيساوية تنبني كذلك على اتباع السنة، واجتناب البدعة، وكان الشيخ الكامل في هذا السياق يردد دائما القولة المشهورة : "السنة تجمعنا والبدعة تفرقنا (الأعاف ج 4. ص 17). وكان أخذ الورد عنده مشروطا بالامتثال للمأمورات، واجتناب المنهيات، والمحافظة على الصلوات، ومراقبة الله تعالى في جميع الأوقات، والحجة والصمت، والعزلة، والرأفة. وتنهض الطريقة العيساوية على قراءة حزب الفلاح للجزولي وحزب سبحان الدايم من تأليف مشترك بين الجزولي ومحمد الصغير السهلي وأحمد الحارثي، وقراءة دليل الخيرات للجزولي أيضا، وحزب الحمد وحزب الإبريز وحزب الحصن والاستقامة والحزب الكبير المؤلف من سور القرآن. هذا وقد عرفت الطريقة العيساوية انتشارا واسعا في المغرب، فبالإضافة إلى الزاوية الأم بمدينة مكناس هناك فروع لها في أهم المدن المغربية. كما انتشرت الزوايا العيساوية بالمشرق فهناك زاويتان بمكة وزاويتان بالمدينة المنورة وزاوية في القاهرة وزوايا عدة بطرابلس بليبيا. فبعدما أرسى الشيخ محمد بن عيسى دعائم الزاوية في المجال الصوفي التحق بربه سنة 1566 م بمكناس ودفن خارج باب السيبة بالمقبرة التي تحمل اسم هذا الباب. وقد كان ضريحه في الأول بسيطا إلى أن جاء السلطان سيدي محمد بن عبد الله (محمد الثالث) فأعاد بناءه سنة 1180 ه. هكذا مات الشيخ الكامل بعد أن أرسى دعائم الزاوية وثبت أسسها ومبادئها في الأوساط الصوفية. فإلى أي حد استطاعت الزاوية اتباع قولة الشيخ المشهورة "السنة تجمعنا والبدعة تفرقنا"؟ ضحى زين الدين

شذرات من تاريخ أضرحة مكناس ٤

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أصحـاب السوابـق عائـدون

قناص أطاح بدركيين٥

مقالات ذات صلة