مشرع مدونة الحقوق العينية جعل حدا لازدواجية الأحكام

تقييد عقد الصدقة لا يتنافى مع البيانات المضمنة بالرسم العقاري (2/2) نتيجة ما تم بيانه أعلاه، لا يصح القول إن عقد الصدقة الجديد يعتبر ارتجاعا للصدقة ( المادة 291 من ق م ح ع ) المذكورة أعلاه، لأن المتصدق له والذي كانت له صفة متصدق لن يطالب لا حبيا ولا قضائيا بارتجاع الملك المتصدق به سابقا، وحتى وإن طالب بارتجاعه، فإنه لا يجوز إطلاقا، لأن الصدقة نهائية لا تقبل لا الاعتصار ولا الارتجاع. هذا ما أكدته محكمة النقض وزكته في قرارها عدد 2185 الصادر بتاريخ 10/05/2011 والذي جاء فيه «... ولذلك ولما للمحكمة من سلطة في تكييف العقود واستخلاص قضائها منها، فإنها حين عللت قرارها «بأن رسم الهبة عدد 422 الصادر عن المستأنف لفائدة بناته الثلاث الأوائل عبر فيها لدى شاهديها بأنه قصد من هبته وجه الله العظيم وثوابه الجسيم وهي تعد بمثابة الصدقة لا تعتصر ولا يمكن للواهب أن يتراجع ويعتصر هبته». 3 - مقارنة بين الهبة والصدقةللتوضيح، فإنه لا أجر ولا حسنات للهبة لأن الواهب يقرب إليه قريبا له محبة فيه كأن يكون ولده أو أباه أو أمه أو أخاه أو أخته. ويبقى له أمل في استرجاع ما وهبه. أما الصدقة فهي نهائية من البداية يسعى من خلالها المتصدق التقرب من الله تعالى أملا في جني الحسنات. لذلك تختلف الهبة عن الصدقة. فيما يتعلق بالهبة، فإن الارتجاع للشيء الموهوب لصيق ومرتبط بحالة الاعتصار ولا يمكن ارتجاع الشيء الموهوب إلا بعد ثبوت حالة الاعتصار، وبعد التنصيص عليه في عقد الهبة. بمعنى آخر فإن الاعتصار هو إرجاع المعطي عطيته دون عوض لا بطوع المعطى له، أما إذا تعلق الأمر بالصدقة فلا مجال للاعتصار والارتجاع، وبذلك يبقى المتصدق عليه مالكا للشيء المتصدق به إلى أن يقرر التصرف فيه بشتى أنواع التصرفات. وبما أن المالك المقيد قرر التصدق على الغير وجسد نيته بإبرام عقد رسمي بعد قبول المتصدق عليه هذه الصدقة، فلا مانع من تقييد هذا الحق بالرسم العقاري. فكلمة لا يجوز ارتجاع الملك المتصدق به إلا بالإرث ( المادة 291 من القانون 08-39 ) معناه أن الشخص الذي تصدق على غيره لا يمكنه إطلاقا أن يطالب بارتجاع الملك المتصدق به، ولكن يمكن أن يرجع له هذا الملك إما كليا بعد وفاة المتصدق عليه إن كانت له صفة وارث وحيد وإما جزئيا إن اشترك معه الغير في الإرث. ومما يؤكد أن الارتجاع يكون بطلب من الواهب ولإعطاء مفهوم دقيق لكلمة ارتجاع الملك الموهوب هو ما ذكر في المادة 286 من (ق م ح ع) التي تقول « لا يمكن الاعتصار إلا بحضور الموهوب له وموافقته أو بحكم يقضي بفسخ عقد الهبة لفائدة الواهب...» وقد يزول كل لبس استقراء للمادة 288 من (ق م ح ع)، التي تحمل المسؤولية للواهب الذي استرجع الملك الذي وهبه دون وجه حق وهلك في يده. وإذا امتنع الموهوب له عن رد الملك الموهوب إلى الواهب بعد اعتصاره اتفاقا أو قضاء، رغم إنذاره بذلك طبقا للقانون، وهلك العقار الموهوب في يده، فإنه يكون مسؤولا عن هذا الهلاك. 4 - التصرف الجديد تنظمه المادة 274 من (ق م ح ع) لكن إن أتت المبادرة من المتصدق عليه في التبرع فلا حرج عليه ولا يعتبر تصرفه ارتجاعا للملك المتصدق به أصلا، لأن الارتجاع لا يفسخ إلا عقد الهبة ولا مجال لتطبيقه في مادة الصدقة لا من طرف المتصدق ولا من طرف المتصدق عليه، فالمتصدق محروم من ارتجاع ما تصدق به والمتصدق عليه حر في تصرفه، وتصرفه هذا لا يمكن إلا أن يكون تصرفا جديدا كالصدقة مثلا. وقد نتساءل، ونقول إن اعتبر البعض أنه من غير الممكن اِرتجاع الملك المتصدق به من طرف المتصدق عليه عن طريق الصدقة، فإنه يجوز له هبته لفائدة المتصدق الأصلي، وبذلك لا مجال لتطبيق أحكام المادة 291 من (ق م ح ع). أو أن يتصدق على شخص آخر ( كالأخ مثلا )، دون المتصدق الأصلي وبعد ذلك يتصدق هذا الشخص ( الأخ ) على المتصدق الأصلي ( الأخ أيضا )، تجنبا للارتجاع.هنا يتجلى سوء فهم مقتضيات المادة 291 من (ق م ح ع)، ويفهم البعض أن الصدقة بين شخصين لا يمكن أن تكون موضوع صدقة جديدة بين الشخصين نفسيهما، بحيث لا يمكن حسب تصورهم أن يصبح المتصدق عليه متصدقا والمتصدق الأصلي متصدقا عليه . 5 - سلامة وصحة تحرير العقد وتقييدهفالسؤال الذي نطرحه هو هل للمحافظ على الأملاك العقارية مثلا مانع قانوني يحول دون تقييد هذا العقد؟ وهل الموثق محرر هذا العقد تجاوز مسؤوليته؟. لا مسؤولية لأي أحد منهما في التقييد و التحرير. فبالنسبة إلى المحافظ، وطبقا للفصل 74 من ظهير التحفيظ العقاري الذي ينص ما يلي :» يجب على المحافظ على الأملاك العقارية أن يتحقق من أن التقييد موضوع الطلب لا يتعارض مع البيانات المضمنة بالرسم العقاري ومقتضيات هذا القانون وأن الوثائق المدلى بها تجيز التقييد «. فإن تقييد عقد الصدقة لا يتنافى مع البيانات المضمنة بالرسم العقاري وأن المتصدق عليه يستمد حقه من المتصدق مباشرة حيث تسلسل التقييدات. وأن ما يتطلبه الفصل 72 من (ظ ت ع) متوفر من حيث الصفة والأهلية للطرفين ومن صحة عقد الصدقة شكلا ومضمونًا.وبعد هذا التقييد بالسجلات العقارية، لا نقف على أي فرق بين من كان مدخله تبرعا أو بمقابل. وإن طلب المالك المقيد أو غيره شهادة الملكية العقارية للرسم العقاري المعني، ولن يجد فيها ما يمنعه من التصرف بشتى أنواعه، فمن حقه أن يبيع أو يرهن أو يتصدق على من يشاء بمن فيهم المالك السابق، الذي تصدق على المالك المقيد الحالي. وكل رفض لعقد الصدقة الجديد، يعبر عن سوء فهم للمادة 291 من (ق م ح ع)، ويعتبر التصرف الجديد استرجاعا للصدقة بين الشخصين نفسيهما، وبالتالي يمنع هذا التصرف. هنا يكمن الخطأ وليس هذا هو الصواب.أما بالنسبة إلى الموثق، فإنه لن يخالف مقتضيات المادة 34 من القانون 32-09 المتعلق بمدونة التوثيق، التي تمنع عليه أن يبرم عقودا تنصب على أموال يعلم أنها غير قابلة للتفويت، أو أن تفويتها يتوقف على إجراءات غير مستوفاة، أو أنه ضمن بالعقد مقتضيات من شأنها أن تخل بالنظام العام، بل احترم ما يمليه عليه القانون ( المادة 37 من مدونة التوثيق المذكورة أعلاه).فإن أصبح المتصدق عليه المقيد متصدقا والمتصدق السابق متصدقا عليه، فهذا ليس بارتجاع أو باسترجاع نتيجة فسخ إرادي أو قضائي ناتج عن اعتصار، بل مجرد تصرف إرادي أحادي من طرف المالك المقيد تحت جميع التحفظات المرتبطة بالقبول من طرف المتصدق الأصلي، لأن رفض الأخير للصدقة يبطل الإيجاب. بمعنى آخر لا وجود لمطالبة بالفسخ ولا إكراه على إبرام عقد الصدقة. بل يتحكم سلطان الإرادة في رغبة التصدق من عدمها من جهة وحرية قبول أو رفض التبرع من جهة أخرى. يعلم المتصدق حق العلم أن صدقته تقع في يد الله قبل يد المتصدق عليه، لذا فلذّة المعطي أكبر من لذة الآخذ. هذا هو المقصود من الصدقة التي هي باب من أبواب الجنة.* موثق بالدار البيضاء

مشرع مدونة الحقوق العينية جعل حدا لازدواجية الأحكام

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مختصرات

إيقاف متهـم بتزوير الطوابع المخزنية

مقالات ذات صلة