العلم الحديث لا يعترف بالمعجزات < ميزت في اشتغالك على التراث، وعلى القصص الدينية المأثورة بوجه خاص، بين الجانب الأسطوري فيها والجانب التاريخي، وتوصلت فيها إلى نتائج مثيرة وصادمة، هل يمكنك أن تحدثنا عن هذا الجانب؟< العقل المؤمن في أي دين، يرى أن الدين يجب أن يأتي بشكل إعجازي، ومبهر ومصاحب لظواهر فلكية، فالمسيحيون يرون أن ميلاد المسيح استدل عليه المجوس بنجم ظهر في السماء، كل ديانة تلجأ إلى كسر قوانين الطبيعة، معتبرة أن صاحب الطبيعة هو صانعها وبإمكانه أن يكسر قوانينها وقتما يشاء، هذا الاعتقاد جعل تلامذتنا في المدارس لا يأبهون بالعلم، فلا شيء يأتي منقطعا هكذا دون سبب ولا شيء يبدأ من فراغ، قلت هذا كي يتعامل الناس مع الدين بالعقل ويقتنعوا به على هذا النحو، وليس بالضرورة عن طريق الإبهار واعتماد الخوارق.فمن خلال دراستي الأساطير بدأت أستكشف هذا الأمر، فأن تقرأ بعض "الإينوما إيليش" أي قصة الخلق في الأساطير البابلية وهي مكتوبة باللغة الأكادية السامية، نجد تطابقا مع الرواية الدينية إذ تتفق مع الأساطير القديمة لشعوب الشرق الأدنى وحوض المتوسط ووادي النيل، أن الماء هو الوجود الأول الذي خرجت منه الآلهة، التي خلقت الكون، وأن السماء والأرض كانتا شيئا واحدا ثم انفصلتا، وأن الإنسان خلق من ماء ممزوج بتراب وطين، ثم بثت فيه الآلهة الحياة.وتنفرد الأساطير السومرية والبابلية ، بأن الأنثى خلقت من ضلع الذكر أثناء مرضه بسبب اللعنة التي أصابته، نتيجة أكله من شجرة من أشجار حديقة تدعى «دلمون»، إلى جانب الوجود الرمزي للحية/الثعبان قاسما مشتركا في عملية الخلق وعلاقتها بالأكل من الشجرة المحرمة، بما فيها فكرة الستة أيام واليوم السابع.فالأساطير الرافدية، كانت معينا لا ينضب من القصص والأساطير لما جاء بعدها من أديان، وفيها خرق لقوانين الطبيعة، لكن بخط السير تمسك البداية للفكرة، وستجدها مرتبة تماما ومضافا إليها، مثلا، طبيعة الشعب العبري حين كتب «العهد القديم»، كل ما في الأمر أنه يضيف طبيعته إلى الفكرة ويدخل شخوصه التاريخية في المعلومة. فهناك طوفان حصل في العراق وبطله اسمه «تاج نوح» أي الملك نوح فهو صاحب السفينة.< ألم تكن تتخوف من نتائج هذه الأبحاث خاصة أنها تهدم معتقدات راسخة لدى المتدينين بأنها أحداث تاريخية حصلت واقعيا؟< أنا أفترض أنها يجب أن يكون لدى المسلم من التحصيل المعرفي العلمي بالتحديد، فمثلا عندما نتحدث عن الصخرة التي تمخضت وولدت ناقة كحدث لازم زمنه، أو معجزات النبي موسى المتمثلة في العصا التي تتحول إلى حية تسعى أو يفلق بها البحر وغيرها، هذا كله ليس من العلم الحديث بشيء «كده بوضوح احنا ما بنهزرش»، لكن أنا أقول هذه معجزات، والمقصود هنا بالمعجزة إعجاز العقل، تعلم العقل أن يكون عاجزا أمام الفكرة فلا يستطيع إلا أن يسلم بها، فهي لا تحصل إلا مرة واحدة، فإما أن تؤمن أو لا تؤمن، وأنا كمسلم ما علي إلا أن أؤمن بأنها حدثت فعلا، لكن ما فائدتها ما دامت حصلت مرة واحدة، فالنبي محمد عندما تخبرنا الرواية الدينية أنه صعد إلى السماء والتقى الأنبياء وصلى بهم وقابل موسى فلم يطلب منه العصا ويأخذ منها المعجزات التي تخرج منها، ويستعين بها على إقناع قومه، فإذا كان النبي محمد نفسه لم يستعن بتلك المعجزات فلم نحن مطالبون بأن نتخذها سبيلا إلى الإقناع، فنحن جالسون ننتظر معجزة بسبب التفكير العاجز والإعجازي فلا نفعل ولا ننجز ولا ننتج ما دمنا نعتقد أن المعجزة قد تحدث، فنحن فبحاجة إلى العقل الحر، فأن تعتقد أنه بمجرد التلاوات والأدعية والصوم والزكاة أن الله سيتدخل وينجز لنا، باعتبارنا خير أمة أخرجت للناس، كل ما نريده فهذه كارثة الأديان كلها، أي الركون إلى قدرة الأقوى وعدم الأخذ بأسباب العلم، فهذا سبب سكوننا وعدم حركتنا يلجأ المرء لخيال ليس خيال هذا الزمن، فهي معجزات خاصة بصاحبها وليست لنا، فعندما نقول إن النبي محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، فهي إشارة إلى أن الله يقول لكم إنه « خلاص بطّلت أتدخل» وقد بلغتم سن الرشد فأرونا ماذا تستطيعون أن تفعلوا بالعقل الذي أعطيناكم.