الأسر والقروض… استهلاك يؤدي إلى هلاك

تحول نمط الاستهلاك وتنامي حالات العسر في الأداء رفعا هامش المخاطر عند الاقتراض إلى 7.2 % لا يختلف اثنان على أن أغلب الأسر اليوم، أصبحت تمول نفقاتها عبر الاقتراض، فمنها من تلجأ إلى البنوك والمؤسسات التمويلية، فيما تداوم أخرى على الاستعانة بحلول ائتمانية تقليدية، من قبيل "دارت"، وهو الأمر الذي فرضه تحول نمط الاستهلاك خلال السنوات الأخيرة، إذ تركز الإنفاق على الكماليات بشكل متزايد، فيما استبدت لذة الشراء بالأسر في المساحات التجارية الكبرى، وخلال المناسبات الاستهلاكية العادية والاستثنائية. وأمام تطور معدلات الإنفاق عبر الاستدانة، تدخل بنك المغرب أخيرا، ليدق ناقوس الخطر حول تنامي نسبة مديونية الأسر إلى مستويات مقلقة، إذ أظهر تتبع وتحليل العقود الائتمانية لعينة تضم 750 ألف عقد، يغطي الفترة بين 2008 و2013، أي ما يمثل 20 % من مجموع إنتاج البنوك وشركات التمويلات من القروض الاستهلاكية، ارتفاع هامش المخاطر لدى هؤلاء الزبناء من 5.9 % إلى 7.2 خلال سنتين فقط.وتظهر وتيرة الاقتراض لدى الأسر، إقبالا على الخدمات الائتمانية خلال مناسبات معينة في السنة، مثل رمضان وعيدي الفطر والأضحى، وكذا الدخول المدرسي والعطلة الصيفية، وهي المناسبات التي تحدد بالضرورة جدول الحملات الترويجية للبنوك وشركات التمويلات، إذ تعمد إلى رفع ميزانيتها التسويقية، وتكثف أنشطتها الدعائية بهدف الاستحواذ على أكبر عدد من العقود الائتمانية في السوق، عبر اللجوء إلى حيل وصيغ إشهارية مربكة في هذا الشأن، من قبيل "قرض بدون فوائد"، أو "اقترض حالا وادفع لاحقا"، أو "الإعفاء من تكاليف ملف طلب الاقتراض"، في الوقت الذي يتركز الإقبال على القروض الصغيرة التي لا تتجاوز قيمتها في المتوسط 50 ألف درهم.ويكشف سلوك استهلاك هذه القروض من قبل الأسر، عن سوء تدبير واستثمار لها، ذلك أنها تلجأ إلى الاقتراض لدرء أزمة مالية طارئة، دون التخطيط مسبقا لكيفية استغلال القرض، وهو ما تؤكده حالة إبراهيم، سائق في إحدى شركات النقل الخاصة، الذي يحكي كيف أدمن على استدانة مبالغ في حدود 10 آلاف درهم، مع آجال سداد في حدود عشرة أشهر، موضحا أنه لا يدري أين ينفقها، ولا يدرك بالتحديد غايته من الاقتراض، مستدلا على ذلك بالقول، "عمدت أخيرا إلى اقتراض مليون سنتيم من شركة تمويلات أتعامل معها، من أجل سداد دين علي بقيمة ألفي درهم، إلا أنني لم أدرك كيف اتجهت إلى إنفاق ثمانية آلاف درهم دون إدراك أو وعي، إذ رفعت فجأة وتيرة استهلاكي واستفدت من كماليات لا أستطيع في العادة تأمينها".هذا النمط من السلوك ما فتئ ينتشر بين الأسر، ويظهر بشكل جلي في المساحات التجارية الكبرى ومراكز "الشوبينغ"، إذ يسقط المستهلك ضحية مفهوم تسويق مبتكر، يركز على عرض كمية كبيرة من السلع في فضاء مفتوح من أجل تحفيز الزبناء على الشراء، ليرفع الزائر حجم نفقاته ويزاوج بين الضروري والكمالي من حاجياته، الأمر الذي يؤثر سلبا على ميزانيته وملاءته المالية، ليلجأ في النهاية إلى الاقتراض من أجل تغطية نفقات ثانوية تحولت إلى رئيسية في حياته الاستهلاكية، وهي الصورة التي تعلق عليها أحلام، موظفة، بالتأكيد على لجوئها إلى الاستدانة خلال فترة معينة من الشهر، من أجل تأمين حاجياتها الشهرية، وذلك بسبب سوء تدبيرها لميزانيتها، وعادات الاستهلاك السيئة التي تتبعها، موضحة ذلك بالقول، "أعمد عند خروجي من العمل يوميا إلى زيارة مركز للتسوق من أجل اقتناء ملابس ومواد غذائية بكميات مختلفة، لأفاجأ خلال لحظة معينة بنفاد رصيدي البنكي، علما أن أغلب مقتنياتي لا أستفيد منها، ذلك أن حجم نفقاتي الشهرية يغطي مصاريف أسرة كبيرة العدد في الواقع، فيما لا يتجاوز عدد أبنائي اثنين فقط".بدر الدين عتيقي قروض معلقة الأداء بلغت قيمة القروض معلقة الأداء لفائدة البنوك 54.6 مليار درهم متم ماي الماضي، وهو المبلغ الذي تحظى الأسر بحصة مهمة منه، ذلك أن أغلب حالات العسر في الأداء تركزت في فئة القروض الاستهلاكية، التي تطور الطلب عليها بشكل كبير خلال الفترة المذكورة، وهو الأمر الذي يدق ناقوس الخطر حول الملاءة المالية للأسر، وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه البنوك وشركات التمويل.وتشهد المزادات العلنية اليومية وأحكام الحجز المتراكمة في المحاكم على هذا الواقع، الذي ما فتئ يعصف باستقرار الأسر وصحتها النفسية، ذلك أن نير القروض يقف سببا مباشرا خلف مجموعة من الظواهر الاجتماعية والنفسية السلبية، يتعلق الأمر بحالات اختلاس وسرقة، وحالات انتحار وجرائم خطيرة.وفي المقابل، تقتات أنشطة تجارية من تنامي حالات عسر الأداء وصعوبة الوفاء بالالتزامات المالية، خصوصا شركات التحصيل، التي تطور رقم معاملاتها بزائد 40 % منذ 2008، إذ تتلخص مهمتها في استرداد الديون المالية الخاصة خارج نطاق التقاضي، لفائدة البنوك والشركات والأشخاص الذاتيين، المتعاقد معهم من أجل استخلاص واسترجاع ديونهم لدى الغير، بما فيها تلك الديون المتعثرة أو المستجدة أو المستعصية، وذلك مقابل عمولة تصل إلى 10 % من قيمة الدين المستخلص، إلى جانب تكاليف إضافية مرتبطة بغرامات التأخر في الأداء.

الأسر والقروض… استهلاك يؤدي إلى هلاك

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مرابون في خدمة "المعسرين"

مطالبة العنصر ورباح بإرجاع 780 مليونا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات