شراء القروض… الرمال المتحركة

«ستأخذ قرضا بـ 20 مليونا، تشتري به القروض الثلاثة القديمة وستبقى لك أربعة ملايين سنتيم، مزيان ؟» هذا كان آخر كلام ربيعة موظفة البنك التي تعرف كريم منذ أن جاءها قبل سبع سنوات من أجل الحصول على قرض استهلاك لا يتجاوز المليون سنتيم بقليل ، من أجل إكمال مصاريف زفافه التي تحمل والده ووالد زوجته أغلبها، على اعتبار أن العروسين حديثا العهد بالوظيفة، ولم يجمعا بعد ما يواجهان به أولى عقبات الدخول إلى القفص الذهبي. قبل أن يصل إلى هذا الكم المتراكم من القروض، توالت المناسبات العائلية السعيدة منها والحزينة، وفي كل مرة لم يكن أمامه من حل إلا السلف، فكانت المحطة الثانية، ستة أشهر بعد ذلك، وفاة والده المفاجئة، إذ لم يجد بدا من العودة إلى مكتب ربيعة بنت الدرب، التي تعطف عليه كثيرا، فقد كان صديقا حميما لأخيها الأصغر، الذي وافته المنية قبل سنوات. قدمت التعزية مخاطبة إياه «إذا كنت تحتاج المال من أجل مصاريف الوفاة يمكنك أن تعتمد علي». لكن كريم كان يريد المال في الحين، وهو ما أحست به ربيعة، التي نشرت أمامها شيكا، مخاطبة «ولد الدرب» المكلوم «شحال خاصك»، ودون أن تقول هي ذلك فهم هو أنه سيكون عليه القيام بإعداد ملف سلف جديد مباشرة بعد الانتهاء من الدفن وتوديع المعزين. لم يكتف صاحبنا بسداد مصاريف وفاة والده، الذي استهلك الزفاف كل مدخراته، بل بدأ يفكر في مناسبة أخرى في الطريق، إذ سيستقبل مولوده الأول أسابيع قليلة بعد ذلك، وسينتقل المبلغ الذي في ذمته للبنك، بإضافة تكاليف الولادة و»السبوع»، إلى خمسين ألف درهم، على أن يقتطع من أجرته مبلغ لن يقل عن ألف درهم. بدأت المشاكل بين الأم والزوجة، التي لم تتردد في الدخول إلى متاهات قرض بنكي جديد لكنه، هذه المرة، أكبر، فقد قررت أن تتحمل وحدها عبء أداء أقساط بيت الزوجية شريطة أن يتكفل كريم بفرشه وتجهيزه، ما يعني الدخول في مغارة بنكية جديدة، وبداية مسلسل شراء القروض الذي لا ينتهي. أصبح كريم خبيرا في مجال التسليفات البنكية قرضا بعد آخر، إذ كلما احتاج إلى مبلغ مالي، فكر في وسيلة تتيحها العروض المتوفرة لدى بنكه، وإن لم يجد يبحث عن بنك آخر، ينقل إليه حسابه بعد أن يشتري قروضه من البنك السابق، وبالتالي تتكاثر الديون وتكبر أقساط وتطول مدة السداد. زادت محنة كريم عندما خصصت الزوجة راتبها لأداء أقساط السكن، تاركة الباقي له، إذ عليه أن يتحمل بعضا من نفقات أمه الأرملة، فاختار تجربة شركات القروض المتخصصة، بعد أن نصحه أحدهم بأن يستلف من البنك ويقصد الشركات، على اعتبار أن خدماتها سريعة ولا تضع الكثير من الشروط. وفي ظرف سبع سنوات وصل مجموع القروض الاستهلاكية العالقة في ذمة كريم 15 مليون سنتيم، وباقتطاعات تصل إلى ثلاثة آلاف درهم شهريا، فلجأ إلى «بنت دربه» ربيعة بعد أن غرق في بحر «الكريدي»، لتجد تخريجة مكنته من الحصول على مبلغ يستقبل به أول موسم دراسي في حياة ولده. ياسين قُطيب

شراء القروض… الرمال المتحركة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حرارة فاس... الإبداع لمواجهة القيظ

وكالات الاتجار في القروض الوهمية

مقالات ذات صلة