رفع التجريم عن الفساد والإفطار العلني

كل الحقوق والحريات مقيدة بحقوق وحريات الآخرين (2/2) إن المجتمعات النامية التي تقلد المجتمعات «المتقدمة»، مأخوذة بأخلاقها وعاداتها، ظنا منها أن تلك الأخلاق والعادات هي أوج الحضارة والمدنية، ومظهر احترام حقوق الإنسان، وممارسة الحريات والتمتع بالحقوق الطبيعية، رغم أن من بين تلك الممارسات ما يؤذي العيون وتمجه الأسماع. - وأن أولئك الذين ينادون برفع التجريم عن الفساد (أو الزنا) الذي يتم برضى طرفيه، بدعوى أنه حق من حقوق الإنسانية، يتذرعون بأن تجريمه يمس بالحريات الفردية وبمراميها.أصحاب الحداثة ونتائج الانفتاح التي كرسها الدستور الجديد لسنة 2011، غاب عنهم أنهم، هم، الذين كانوا، وبالأمس القريب، ينادون بتجريم التحرش الجنسي، سواء حصل من الرجل أو من المرأة، ونسوا أو تناسوا أن الرجل يكون في الأغلب مستفزا ومدفوعا من طرف بعض النساء اللواتي يتبرجن ويتعطرن بأطيب العطور وأقواها، قبل أن يخرجن إلى الشارع العمومي، وهو ما يعتبره فقهاء الشريعة مدعاة للفتنة التي عللوا بها النهي عن التبرج الوارد في القرآن الكريم. مع العلم أن التحرش الجنسي كان مجرما قبل ذلك، وبنص في منتهى الإيجاز والشمول، وهو ما جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل 60 من الظهير الشريف رقم 58.85.1 الصادر في 15 نونبر 1959 بشأن قانون الصحافة التي تقول، عطفا على ما يعاقب بالعقوبات المقررة في الفصل 59 منه: «وكل من يلفت الأنظار إلى ما يتيح الفساد». وقد طبق هذا النص وبتكييف «لفت الأنظار إلى ما يتيح الفساد» وحقق محليا بعض النتائج التي كانت متوخاة من تطبيقه. مع العلم أن التحرش الجنسي هو الوسيلة للفساد، وأن الغاية تبرر الوسيلة. كما أن الحداثة لا تعني الاستلاب أو الخروج عن ثوابت الشعب المغربي المسلم أو تخليه عنها، أو التخلق بأخلاق غريبة عنه وعن ثقافته وبيئته، أو التقليد الأعمى، وإنما تعني الأخذ بكل أسباب التقدم من تعليم جيد وبحث علمي متطور، وتكوين مهني قوي، وفلاحة عصرية، وصناعة ثقيلة، وتشغيل وسكن لائق، وصحة تلبي حاجيات المرضى وخلق الثروة، وتوزيعها بشكل عادل، وقضاء على الفقر والهشاشة، والحد من البطالة وتوفير الشغل بطرق عادلة، لتحقيق العيش الكريم لكل المواطنين، أينما كانوا في المدن أو في القرى.وأن أولئك المنادين بإباحة الإفطار في رمضان، وبرفع التجريم عن الفساد، اعتمادا على ما كفله الدستور للمغاربة من حقوق وحريات، قد تجاهلوا أن كل الحقوق والحريات مقيدة بحقوق وحريات الآخرين، وأن كل حق يقابله واجب لتلازمهما، وإلا عمت الفوضى، وأن ممارسة تلك الحقوق والحريات مؤطرة بأحكام الدستور نفسه، بحيث لا يمكن لأولئك الذين يحتجون بالدستور التمسك ببعض أحكامه بمعزل عن بقية الأحكام الأخرى (لكي لا يكونوا ممن يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض). أو لم يرد في تصدير الدستور الذي يشكل جزءا لا يتجزأ منه: «إن المملكة المغربية دولة إسلامية، تتميز بتبوؤ الدين الإسلامي مكان الصدارة»؟ وفي الفصل الأول منه «تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة تتمثل في الدين الإسلامي السمح...»؟ وفي الفصل 19 منه، وهو يتحدث عن الحريات والحقوق: «... وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت الأمة وقوانينها»؟ وفي الفصل 7 منه أيضا منعُ الأحزاب السياسية من أن يكون من بين أهدافها المساس بأحكام الدين الإسلامي؟، وفي الفصل 175» منع تناول مراجعة الدستور الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي»؟ وقبل كل هذا، ما وعد به جلالة الملك، شعبه الوفي، وهو يعرض عليه مشروع الدستور للاستفتاء بشأنه، من أن قوانين المملكة مستمدة من الدين الإسلامي، أي من الشريعة!وهكذا يكون، وبأقوى الحجج، رفع التجريم عن الإفطار العلني نهارا في رمضان بالنسبة إلى المسلم، وعن الفساد الجنسي (أو إباحتهما)، مخالفا لأحكام الدستور، وللآداب العامة، وللأخلاق الحميدة، ومخالفا أيضا للمبادئ الدينية، ولثوابت الشعب المغربي المسلم. ويكون على من تقلدوا سلطة التشريع، أن يراعوا في التشريعات التي يصوغونها أو يصوتون عليها، كل أحكام الدستور (جملة ودون تجزئة) ومبادئ دينهم السمح المعتدل ليبقى ناخبوهم، كما كانوا، على الحجة البيضاء، ومحصنين من كل ممارسة أخلاقية دخيلة، ومتمتعين بأمنهم الروحي وبآدابهم وأخلاقهم، وبعقيدتهم التي ولدوا عليها وتربوا في ظلها وأحضانها، آخذين في الوقت ذاته عن غيرهم من الشعوب الأخرى، حرصهم على حماية أخلاقهم والتشبث بعاداتهم، وعقيدتهم.هدى الله الجميع إلى التمسك بثوابتهم وبمبادئ دينهم، وبأخلاقهم الرفيعة، مع الأخذ بالحداثة والانفتاح في جوانبهما الإيجابية المفيدة، ودعم البحث العلمي، وتوسيع مجالات التنمية البشرية والاقتصادية، والعمل على تقوية روافد رصيد «رأس المال اللامادي»، جمعا بين الأصالة والمعاصرة. وما ذلك بعزيز عن شعب محافظ على ثوابته، تواق إلى اكتساب العلم والمعرفة، وبأرفع الدرجات، ليتأتى له امتلاك ما وصل إليه العلم الحديث في المجال التكنولوجي من نتائج مدهشة، ليرتقي إلى مصاف الدول المتقدمة. ومن سار على الدرب وصل (إن شاء الله وهو على كل شيء قدير).*دكتور في الحقوق رئيس غرفة سابق بمحكمة النقض محام بهيأة الدار البيضاء

رفع التجريم عن الفساد والإفطار العلني

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مزوار يربك تحالفات الأحرار بالبيضاء

الأغلبية تنسق لتشكيل مكاتب البلديات ورئاسة الجهات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات