الأزمـة اليونانيـة…خطـر يهـدد المغـرب

ثلاثة بنوك فرنسية من الدائنين الأساسيين لليونان لديها فروع أو مساهمات ببنوك مغربية تواصل الأزمة اليونانية جلب اهتمام وسائل الإعلام الدولية، خاصة بعد التصويت برفض الإصلاحات المالية التي تقترحها بروكسيل على المسؤولين بهذا البلد، وذلك في الاستفتاء الذي أعلن عن تنظيمه «أليكسيس تسيبراس»، رئيس الوزراء اليوناني. وفتح رفض اليونانيين الإصلاحات المفروضة من قادة الاتحاد الأوربي باب التأويلات على مصراعيه بشأن السيناريوهات المحتملة لما بعد التصويت. كما تطرح تساؤلات حول ما إذا كان المسؤولون اليونانيون يتوفرون على بدائل للخروج من الأزمة، إذا ما تشبث الطرفان بمواقفهما، رفص المسؤولين اليونانيين الإصلاحات المالية القاسية المفروضة من قبل بروكسيل، وتشبث سلطات الاتحاد الأوربي بالتدابير المقترحة تحت طائلة سحب اليونان من قائمة دول الاتحاد الأوربي. وتهم التساؤلات أيضا انعكاسات فشل الاتفاق على الاتحاد الأوربي، الذي يعد الشريك التجاري الأول للمغرب، ما يجعل الاقتصاد المغربي في دوامة الانعكاسات المحتملة للأزمة اليونانية السؤال المحوري الذي يطرح من قبل العديد من المتتبعين حول الأزمة اليونانية يتعلق بكيفية وصول هذا البلد إلى الوضعية التي يوجد فيها، حاليا، وتتناسل الأسئلة لتشمل السيناريوهات المحتملة لفشل المفاوضات وانعكاساتها على الاتحاد الأوربي، بشكل خاص، والاقتصاد العالمي بشكل عام. تعتبر المديونية أس الإشكالية التي يتخبط فيها هذا البلد، علما أنها ليست وليدة اليوم، بل أن اليونان يعاني إشكال المديونية المفرطة قبل دخوله إلى الاتحاد الأوربي في ظل الفساد الإداري والمالي الذي كان يعانيه في ظل الحكم العسكري. ورغم انضمامه إلى الاتحاد الأوربي في 1981، فإنه لم يتمكن من الاستفادة من هذا الانضمام. واستمرت المديونية في الارتفاع المتواصل، إذ كان معدلها يصل، خلال انضمامه لمنطقة «اليورو»، خلال 2001، إلى 114 % من الناتج الداخلي الإجمالي اليوناني، في حين أن المعايير الأوربية تلزم بأن لا يتجاوز هذا المعدل 60 % ، وقد تجاوز، حاليا، 175 %، ما جعل الحكومة اليونانية غير قادرة على أداء تكاليف خدمة الدين والرأسمال. مشاكل هيكلية يرجع المحللون الاقتصاديون والماليون أسباب الأزمة إلى مجموعتين من العوامل، ترتبط المجموعة الأولى بالمشاكل الهيكلية للاقتصاد اليوناني، إذ أن النموذج الاجتماعي المعتمد من قبل اليونان بعد سقوط حكم العسكر في 1974، كان يرتكز على سخاء وكرم كبير في النفقات العمومية والحفاظ على قطاع عام بحجم يتجاوز الاحتياجات الحقيقية، إذ كان يمثل 40 % من الناتج الداخلي الإجمالي، كما أن الإدارات العمومية بهذا البلد تضم حوالي 800 ألف موظف، في حين أن العدد الإجمالي للسكان لم يتجاوز 5 ملايين نسمة آنذاك. بالمقابل لم تتمكن اليونان من القضاء على التجمعات المصلحية ووضعيات الريع سواء في القطاعين العام أو الخاص. وعرف البلد ارتفاعا متواصلا للتضخم حتى وصل إلى مستويات لا تحتمل، ما أدى إلى انهيار تنافسية الاقتصاد اليوناني وتسبب في تفاقم عجز الميزان التجاري. ووصل عجز الحساب الجاري للتدفقات المالية بين اليونان والخارج إلى 16 % من الناتج الداخلي الإجمالي، وأصبح اليونانيون يستهلكون أكثر مما ينتجون، ما جعل قروض تمويل الاستهلاك تقفز إلى 40 مليار «أورو». إضافة إلى ذلك، فإن انتشار أنشطة الاقتصاد غير المهيكل، الذي قدر خبراء صندوق النقد الدولي حجمه بين 20 و 30 %، من الناتج الداخلي الإجمالي، حرمت خزينة الدولة من موارد، بفعل التهرب الضريبي، تصل إلى 15 مليار درهم. وبدأت بوادر الأزمة تلوح في الأفق منذ 2009، تجلت بشكل أساسي في القطاعات الإستراتيجية في الاقتصاد اليوناني، إذ تهاوت مداخيل السياحة والنقل البحري بناقص 15%. لكن رغم ذلك استمرت الحكومة المحافظة، آنذاك، في نهج سياسة موازناتية سخية ولم ترغب في اعتماد الإجراءات التقشفية التي كانت تتطلبها المرحلة. ويؤكد متتبعون أنه لو نهجت سياسة موازناتية تقشفية آنذاك لتحسن الوضع ولما وجدت اليونان نفسها في عنق الزجاجة. عوامل خارجية لكن أسباب الصعوبات التي يعرفها البلد، حاليا، لا ترجع كلها إلى العوامل الداخلية، بل هناك مجموعة ثانية من العوامل الخارجية التي فاقمت الأزمة حتى وصل اليونان إلى حالة شبه إفلاس تام. ومن أبرز هذه العوامل المضاربات في الأسواق المالية الأوربية، خاصة العمليات المتعلقة بالقروض السيادية (قروض الدول). وتذكي وكالات التنقيط الدولية نار المضاربات، من خلال تنقيطها للقروض السيادية في مختلف بلدان العالم، وهكذا كلما كان التنقيط سلبيا، فإن ذلك يعني أن هناك مخاطر، ما يجعل الجهات المقرضة ترفع معدلات الفائدة على القروض التي تمنحها. وعرفت معدلات الفوائد على سندات القروض التي تطرحها الحكومة اليونانية ارتفاعا بشكل ملحوظ في أقل من سنة، إذ انتقلت من 5 إلى 25 %، ما بين 2010 و 2011، وذلك بعد أن أصبحت المديونية تمثل، آنذاك، 157 % من الناتج الداخلي الإجمالي. وأوضح المحللون أن هذا الارتفاع لا يمكن أن يفسر فقط بالمخاطر وتجاوز المديونية للمعايير لدولية في هذا الباب، بل أن المضاربات لعبت دورا كبيرا في زيادة معدلات الفائدة على القروض اليونانية. ويؤكدون، للتدليل على ذلك، أن معدل المديونية لدى اليابان يصل إلى 200 % من الناتج الداخلي الإجمالي، لكن معدلات الفائدة المطبقة على سنداتها لم تتجاوز 1 %، خلال الفترة ذاتها. وساهمت المضاربات على السندات اليونانية في إضعاف الاقتصاد اليوناني أكثر، وذلك برفع كلفة الدين، ما جعل الحكومة اليونانية غير قادرة على ضبط التوازنات الماكرو اقتصادية والمالية، لتتحول الأزمة إلى كرة ثلج كلما تدحرجت أكثر زاد حجمها. الوصفة الأوربية أمام الباب المسدود الذي وصل إليه الوضع باليونان فرض القادة الأوربيون تدابير تقشفية قاسية على المسؤولين اليونانيين اعتمادها من أجل استمرار الاتحاد الأوربي في دعم البلد للخروج من الأزمة. وتتمحور هذه الإصلاحات حول التوازنات الماكرو اقتصادية ورفع تنافسية الاقتصاد وتشجيع الاستثمار. وتطالب السلطات الأوربية الحكومة اليونانية، في ما يتعلق بالجانب الضريبي، بتعميم الضريبة على القيمة المضافة على عدد من المواد والخدمات التي تستفيد، حاليا، من إعفاء، ما سيمكن خزينة الدولة من رفع مواردها وسيسمح بمباشرة الإصلاحات الضرورية. وتتضمن الوصفة أيضا نهج سياسة تقشفية في ما يتعلق بالنفقات العمومية، إذ يطالب الأوربيون بتقليص الميزانية المخصصة لقطاعات الصحة والتعليم ومراجعة نظام المعاشات، التي تعتبر من العناصر التي تستنزف الميزانية، حسب تشخيص الاتحاد الأوربي، لكن تنفيذ هذه الإصلاحات ستكون له انعكاسات وردود أفعال من قبل الفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود المستفيدة من الخدمات الصحية والتعليمية، التي يصعب التكهن بما قد تؤول إليه. ولهذه الأسباب يرفض القادة اليونانيين الانصياع إلى إملاءات بروكسيل، لما قد يكون لها من انعكاسات خطيرة على الاستقرار السياسي والأمني بالبلد. وترى سلطات بروكسيل أن الوصفة التي تقترحها، والتي تهم بالأساس توازنات الميزانية ناجعة بما يسمح بتوفير الموارد اللازمة لأداء الديون. من جهة هناك، أيضا، بعض الإجراءات التي تهم تشجيع الاستثمار، إذ تطالب بروكسيل السلطات اليونانية بإلغاء العمل بالتراخيص في ما يتعلق ببعض القطاعات، ما سيشجع رؤوس الأموال على الاستثمار بها وسيقوي المنافسة ويخلق مناسب شغل إضافية، ومباشرة إصلاحات للإدارات العمومية، التي تشكو من البيروقراطية. لكن السلطات اليونانية ترفض هذه الوصفة ومعها الشعب اليوناني الذي رفض الإصلاحات المقترحة من قبل الاتحاد الأوربي في الاستفتاء الذي دعا إليه ألكسيس تسيبراس، رئيس الوزراء اليوناني، إذ رفض أزيد من 61 % من المشاركين في الاستفتاء وصفة العلاج الأوربية، لما سيكون لها من تداعيات جانبية على الأوضاع الاجتماعية، على لأقل في المدى المتوسط. وتعتبر الحكومة الحالية أن البلاد لن تكون قادرة على دفع الديون المقدرة بـ 312 مليار يورو، ما يعادل 180 % من ناتجها الداخلي الإجمالي، كما أنها غير قادرة على الاستمرار في نهج سياسة أدت إلى البؤس والفقر لكثير من اليونانيين في بلد يصل عدد سكانه، حاليا، إلى 11 مليون نسمة منهم 3 ملايين فقير و مليون و500 ألف عاطل عن العمل. وفي انتظار التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن، طالبت أثينا الأربعاء الماضي، في إطار المادة 3 من القانون الأساسي لصندوق دعم الاستقرار المالي ببلدان الاتحاد الأوربي، فتح خط ائتماني لها لمدة 3 سنوات، الذي سيخصص لتغطية ديون اليونان وضمان استقرار النظام المالي. فشل المفاوضات يرى محللون أن فشل المفاوضات بين سلطات بروكسيل والمسؤولين اليونانيين سيجعل الفرصة سانحة للقوى السياسية المشككة بأوربا والقوى القومية ببلدان الاتحاد الأوربي، للمطالبة بانسحاب بلدانها من الاتحاد الأوروبي، التي ستجعلها قضية مركزية في النقاشات السياسية المحلية والحملات الانتخابية، ما يمكن أن يقوض حوالي ستين سنة من التكامل الأوربي، ويهدد مشروع الاندماج الأوربي بالكامل. كما أن فشل المفاوضات يمكن أن يؤثر سلبا، أيضا، على نتائج الاستفتاء الذي تعتزم المملكة المتحدة البريطانية تنظيمه لمعرفة رأي مواطنيها حول بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوربي بحلول نهاية 2017، أو خروجها منه. انعكاسات اقتصادية ومالية تفيد المعطيات التي تم تجميعها من قبل بنك الأعمال «باركلايز كابيتال» أن الديون الممنوحة من قبل البنوك الأجنبية لليونان تجاوزت 200 مليار «أورو». ويرى محللون ماليون أن الإفلاس المالي والاقتصادي لليونان من شأنه أن يخلق موجة تسونامي سيصل مداها إلى العديد من البلدان الأوربية، ليخلق حالة من عدم الاستقرار في البلدان الأكثر مديونية، مثل إيطاليا، وإسبانيا، والبرتغال، ما يمكن أن يؤدي إلى مراجعة الوكالات تنقيطها بشأن قروضها السيادية. وهكذا سيؤدي فقدان الثقة في السندات الإيطالية والإسبانية إلى الامتناع عن شرائها، ما سيدفع هاتين الدولتين إلى اللجوء إلى إجراءات إنقاذ أوربية تفوق بكثير الحزمة التي قدمت إلى اليونان. وسيخلق خروج اليونان من منطقة «اليورو» أزمة ثقة بين الدول الأوروبية، ما سيدفع المستثمرين بالمنطقة إلى البحث عن أسواق أخرى وسيتحتم ذلك على الاتحاد الأوربي السعي لتغطية أكثر من 160 مليار «أورو» من السندات، ويتوقع المحللون أن تخسر ألمانيا وحدها، في هذه الحالة، بين 60 و80 مليار «أورو». وستؤدي عمليات سحب جماعية لرؤوس الأموال من البنوك اليونانية إفلاس بعضها، ما ستكون له انعكاسات على البنوك الأوروبية ذاتها، وسيؤدي في المحصلة إلى انهيار البعض منها أو على الأقل إلى إحداث فوضى وأزمة في النظامين البنكي الأوربي والعالمي. إعداد: عبد الواحد كنفاوي

الأزمـة اليونانيـة…خطـر يهـدد المغـرب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

كـرول يـقـتـنـع بـمـؤهـلات الـمـسـعـودي

دخـان "الكيـف" يسبـق نـار الانتخابـات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات