على الشريط الساحلي لعين الذئاب، حركة غير عادية تبدأ مع الساعة الواحدة والنصف صباحا، إذ يعجل دنو وقت السحور، بمغادرة صالونات الملاهي، بعد إنهاء ليلة، ولو قصيرة، على نغمات الموسيقى وأدخنة الشيشة والمعسل. محلات أخرى تزيد بعض الوقت قبل أن تجبر الزبناء على المغادرة بدعوى الإغلاق، تماما كما يحدث في الحانات في الشهور الأخرى، فالملاهي حافظت على كل شيء، إلا المسكرات، بتسكين السين.في ملهى معروف بتقديم وجبات غنائية يمزج فيها بين الشعبي والعصري، غير بعيد عن مركب سينمائي، تبدأ الحركة منذ الساعة التاسعة والنصف ليلا، فتيات يتسابقن إلى الموائد، وحركات أصابعهن لا تكاد تتوقف وهي تضرب على شاشات الهواتف الذكية.شيئا فشيئا، وبمنحى تصاعدي، تمتلئ القاعة الفسيحة المزينة بمصابيح ملونة خافت ضوءها، فيما تعطي المجموعة الموسيقية لنفسها شرف افتتاح الأمسية بموسيقى صامتة قبل أن تقلبها بأخرى مزعجة.الإيقاع داخل هذا الفضاء لا يحكمه ميزان موسيقي، بل تتحكم فيه المزاجات التي يكون عليها الزبون.في مائدة قريبة من المجموعة الموسيقية، تظهر فتاة بلباسها الأسود، رفقتها فتاتان أخريان، الثلاث منهمكات في تدخين الشيشة، مع ململة الرؤوس انتشاء بالإيقاع الموسيقي وتتبعا لمده وجزره.لم يدم الوقت طويلا فسرعان ما تحدثت الفتاة التي كانت ترتدي عباءة سوداء، إلى مايسترو الجوقة، وأشارت عليه بأغنية من اختيارها، فما كان منه إلى أن انتقل إلى لون موسيقي آخر، لتدق طبول "الخليجي" وبالضبط اللون الإماراتي، وتنخرط الفتاة في رقصة يتمايل فيها جسمها وتحاول في كل مرة إزاحة شعرها من على وجهها. ما أن انتهت الوصلة حتى قامت فتاة أخرى كانت تجلس في زاوية بعيدة عن الجوق، همست في أذن المغني ثم مدت له ورقة مالية بلون أزرق، ليضحك في وجهها، وينطلق في أداء أغنية لمطرب كويتي مشهور.انطلق الإيقاع وتمايلت معه الأجساد، فكانت السهرة في تلك الليلة الرمضانية تنافس بين فتيات قادمات من الخليج، لقضاء الشهر الفضيل بين ذويهن. ومن أجل تأكيد ذلك لا يتوانين في ارتداء لباس البلد الذي قدمن منه وأيضا طلب أغان تنتمي إليه.اشتدت المنافسة بين الفريقين، وتحولت السهرة إلى ما يشبه إرضاء لهذا النوع من الجالية الخليجية.التنافس بين المغربيات الوافدات من الخليج، كما روى أحد النوادل العاملين في الملهى ذاته، يظهر جليا بأن كل واحدة تفتخر بالجهة التي قدمت منها بل في بعض الأحيان، ولأداء ما بذمتها لا تتوانى في إظهار عملة ذلك البلد، متسائلة إن كانت تصرف في المغرب، أو باستطاعتها أداء ما عليها من حساب بواسطتها، ويشير المتحدث نفسه إلى أن هذا السلوك ليس في واقع الأمر إلا محاولة من المعنية بالأمر للتأكيد على أنها بالفعل جاءت من بلاد الخليج.وغالبا ما يعمدن إلى مرافقة فتيات أخريات معهن، ليشتد التنافس داخل حلبة الرقص وأيضا بالنسبة إلى الإكراميات التي توزع على الموسيقيين.ويشير النادل، إلى أن التعامل مع هذا النوع من الزبائن، ينبغي أن يكتسي اهتماما خاصا، إذ أن الزبونة تكون لها طلبات كثيرة وسؤالات أكثر ينبغي التجاوب معها وعدم إهمالها، فعلى قدر ذلك تضمن استمرار مجيئها إلى الملهى، كما تضمن علاوة لابأس بها في آخر الليلة.م. ص