حكايات تنسكب من عيون بويا عمر8

كأنه يقف على الطرف الآخر من الجسر المنهار، ويشير إلى الآخرين بالعبور إلى ضفته الآمنة، هكذا تتصور عائلات وأقارب محتجزي بويا عمر خطة الوزير الحسين الوردي، الذي بدأ في كنس مستشفيات عبر منها هؤلاء سابقا وتوسيع المطابخ لتحتضن أَسرة إضافية، وشحذ همم أطباء مرهقين، ويبحث عن بقايا إرادة في ممرضين مسنين، لعلاج مرض عضال في مراحله الأخيرة. وكأنهم استأصلوا الرحمة من قلوبهم، ونفضوا ذاكرتهم من سنوات عاشوها مع أبنائهم أو أشقائهم، ليلقوا بهم، بعد أن خذلتهم صحتهم العقلية والنفسية، في بيوت /معتقلات سرية وعلنية، ويقبلوا بتكبيل أياديهم، وبترويضهم كما تروض القرود والكلاب، وبتحويلهم إلى عبيد يقضون سخرة أسياد بويا عمر.هذا جزء من خلاصة سقطت في الهاوية بين طرفي الجسر المنهار، وخلف دويها سؤال: ما البديل؟ خاصة أن الوزير يعرض حلا جربته العائلات لسنوات، وألبسه الوردي اليوم زي "مبادرة الكرامة" في حين تطالب الأسر ب"مبادرة كفالة".ضحى زين الدين تسبب في مقتل والده وحاول خنق أمه حين كانت تعلم بموعد عودته من هولندا، كانت الأم تعد الوجبات التي يحبها، تنظف غرفته عدة مرات، ترتبها، تضع الملاءات الجديدة، تهاتف الأقارب، تعلمهم أنها ستنظم حفل استقبال لابنها العائد من ديار المهجر. كأي مهاجر مغربي، كان الشاب يجري تحويلات مالية بين الحين والآخر لوالديه، وكان يقوم بذلك بسخاء، غير أنه بعد فترة بدأت المبالغ المالية التي يرسلها تقل. وإن كان حافظ في بعض الوقت على هذه العادة شهريا، فإنه بعد مدة أصبحت الفترات تتباعد، لتصبح شهرين، ثم ثلاثة فأكثر. لم يلم الوالدان ابنهما، لأن كل ما كانا يتمنياه هو أن يعيش حياة كريمة، وأن يضمن لنفسه أولا مستقبلا أفضل. لم تمر فترة حتى أصبح الابن يستنجد بوالديه طلبا للمال، ولم تكن الأسرة تعلم أنه دخل عالم الإدمان من بابه الواسع، وأصبح مدينا لهذا وذاك، قبل أن يتورط في مشاكل دفعته إلى العودة بشكل نهائي إلى المغرب. خابت آمال والديه فيه، غير أنهما لم يعاتباه، وصدقا كل الأكاذيب التي قدمها لهما سببا للعودة النهائية."حبل الكذب قصير"، مثل انطبق على الشاب إذ لم تمض إلا فترة قصيرة حتى علمت الأسرة بحقيقة إدمانه، والدرجة المتقدمة التي وصل إليها، فكان يبحث عن المال بأي وسيلة للوصول إلى مخدراته، بدأ يسرق أغراض البيت. وحين كانت الأم تلاحظ اختفاء الأغراض بين الفينة والأخرى، أبعدت عنها أي احتمال بأن يكون فلذة كبدها هو الفاعل، بل استحضرت ماضيه والمبادئ التي كان يؤمن بها، وقوة الشخصية التي كان يتمتع بها، وحبه للعائلة، كل ذلك كان يطرد ظنون الأم، فكانت تختار تعويض ما فقدته بآخر، دون أن تنبس بكلمة.إذا كان حب الأم دفعها إلى رفض تصديق أن ابنها بدأ يسرق أغراض البيت للحصول على مخدراته، فإن أشقاءه انتفضوا ضده، وواجهوه، واتهموه، بل سرعان ما ضبطوه متلبسا، لتبدأ المشاجرات داخل البيت الأسري، قبل أن تنتقل عدواها إلى الجيران، الذين بدؤوا يشتكون بعض تصرفات وسلوكات الابن الغريبة، وكانت حينها والدته تدافع عنه وتصد موجات الغضب التي تأتيه من الأشقاء ومن الجيران."كنت أتحمل كل تصرفاته، وأحاول التغطية عليه، حتى حين بدأت يده تمتد إلي، بدفعي بقوة، إلى أن شاهده والده، فنهره، وواجهه، غير أن ابني استشاط غضبا وحاول ضرب والده"، تقول الأم، التي حضرت جمعا عاما لجمعية عائلات المرضى عقليا ونفسيا، وهي تصرخ أن مبادرة "كرامة" ستسلب العائلات كرامتهم من جديد، خاصة أن طبيبا أخبرها في مستشفى المحمدية أنه سيتم الإفراج عن ابنها قريبا.مرت الشهور بسرعة، وكل يوم كانت الأم تدعو أن تتحسن حالة ابنها، خاصة أنها عرضته على عدة أطباء، أكدوا أن حالته متقدمة، وأن إدمانه المخدرات أثر على صحته العقلية، لذلك تحولت الأسرة إلى العدو رقم واحد للشاب، خاصة والده، "لم يعد يدفعني، بل يضربني، وحاول عدة مرات قتلي. كنت نائمة ذات يوم، وفجأة استيقظت لأجده يحمل وسادة وكان قريبا مني، يحاول خنقي. دفعته، وحاول خنقي قبل أن يتدخل والده، وضبطناه عدة مرات وهو يحمل السكين، ويحاول طعن والده" تحكي الأم. لم يعد الإخوة يتحملون عدوانية شقيقهم، وإن كانوا جميعا يتغلبون عليه، فإنهم لم يتمكنوا ذات مرة من منعه من توجيه ضربة قوية إلى بطن والده، ألزمته الفراش لعدة أشهر، قبل أن يسلم الروح إلى باريها، "هو من قتل والده، وحاول قتلي عدة مرات، لكن هل احتفظوا به في المستشفى، أو احتجزوه لمنع وقوع جريمة أخرى؟ لا لم يفعلوا، لذلك كان علينا إيجاد حل لإبعاد الخطر عنا، فهذا الشاب لم يعد هو ذاك الابن الذي أنجبته وربيته، لقد حولته المخدرات إلى شخص آخر، إلى قاتل يجول الشوارع، ويشكل خطرا على الجميع". إحضار المخدرات نقلت الأم ابنها إلى مستشفى الأمراض العقلية ببرشيد، غير أن ممرضا كان يطالبها بضرورة إحضار كمية من المخدرات لابنها، "قال إنها تعيد إليه الهدوء، غير أنه لم يكن بإمكاني فعل ذلك، لهذا السبب أفرجوا عنه، وعاد رأسا إلى البيت".ما أن وضعت الأم ابنها في بيت محتضن ببويا عمر، حتى قررت الأسرة بيع البيت في برشيد والانتقال إلى المحمدية، حيث تعيش حاليا، "كنا نريد أن نتخلص من حياتنا السابقة، من الآلام التي عشناها، ومن الذكريات القبيحة التي خلفتها لنا هذه التجربة في بيتنا الأول". لم يعلم جيران الأسرة عن هذا الابن شيئا، لأنه أصبح يشكل بالنسبة إليها مصدر "شوهة"، واكتفت بزيارته بين الحين والآخر في بيت المحتضن، وأداء مبالغ مالية له للعناية به، "بعد أن نقلوه إلى المحمدية، زرته لأطمئن على أحواله، فكان أول ما فعله هو مطالبتي بخمسين درهما، قال إنه يريد الحصول على المخدرات، واليوم تجدد خوفي، خاصة أن أشقاءه يرفضون بشكل قاطع عودته إلى البيت، لأنه تسبب في مقتل والدهم، ولم يعد أي واحد منهم يريد أن يراه لأنه بالنسبة إليهم اختار أن يصبح مجنونا بسبب عدم مسؤوليته وإدمانه على المخدرات".صرخت الأم ولصراخها تداعت باقي الأمهات، في قاعة بدار الشباب ابن سودة بابن امسيك، وكلهن يطالبن رئيس الجمعية بإيجاد مخرج لمآسيهن، مطالبات بفعل أي شيء من شأنه إلزام وزارة الوردي بعدم الإفراج عن أبنائهن.

حكايات تنسكب من عيون بويا عمر8

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

القرقوبي...أكثر ما يطلبه المدمنون

إتلاف 15 طنا من الأسماك بالبيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات