أوراق من وحي رمضان2

ركز الباحث حميد لشهب، السيكولوجي والباحث في الفلسفة، في أعماله على محاولة فهم الإسلام بطريقة مغايرة للتقليد الرجعي المحافظ وللأصولية المتطرفة، مقدما قراءات جديدة في إطار مشروع لم يكتمل بعد. ويهدف الدكتور لشهب، المقيم في النمسا، وعضو بالمجلس البلدي لمدينة فيلدكرخ، باسم حزب الخضر، من خلال دراساته السيكولوجية للإسلام، إلى الرقي بالدين إلى ماهيته الوجودية الجوهرية، كفلسفة حياة مؤسسة على الحب، بعيدة عن الفهم المتخلف للإسلام، الذي يختزل هذا الدين العظيم في الحرام والحلال. لشهب استجاب لطلب "الصباح" بالمساهمة بنصوص من وحي رمضان، تعتبر عصارة بعض أبحاثه في مقاربة القضايا الإسلامية من زوايا فلسفية وسيكولوجية.إعداد: برحو بوزياني العلاقة بين العبد وربه في الصوم د. حميد لشهب (النمسا) تركز الفينومينولوجيا الهوسرلية على الأشياء ذاتها من خلال الوعي البشري الخالص من أجل الوصول إلى الماهيات، عن طريق التوقف عن الحكم ووضع العالم الزمكاني بين قوسين والكف عن اتخاذ أي موقف إثبات أو نفي إزاء وجود الموضوعات. فالظاهرة هي "الموضوع المعروف فى الوعى وبواسطته". و"المعروف" هو كل أنشطة الوعي مثل الحدس والإدراك والتخيل والتذكر والحكم إلخ. يمكن أن يكون هذا المعروف شيئا أو واقعة أو حالة من حالات الظاهرة. وهو الموضع الذى ‏تتم‏ ‏فيه‏ ‏كل‏ ‏أنواع‏ ‏تكوين‏ ‏وإنشاء‏ ‏المعانى، ‏أي الحقيقة‏ ‏المبدئية. ‏فكل‏ ‏وجود‏ ‏حقيقي، ‏هو‏ ‏وجود‏ ‏فى ‏الوعى‏.‏ ولهذا الأخير ‏أفعال كالإدراك‏ ‏بأنواعه‏، ‏والتفكير‏ ‏والتخيل‏ ‏والذاكرة‏ ‏والحدس‏ ‏والرغبة‏ إلخ، لـ"‏فعل" ‏الوعي ‏علاقه‏ ‏تكوينية‏ بالموضوعات‏ ‏والأحداث‏، يُكَوِّن ويبني الخبرة عن قصد ‏‏لفهم‏ ‏العلاقة‏ ‏بين‏ ‏الوعى ‏والوجود‏ ‏بموضوعاته‏ ‏أو‏ ‏موجوداته‏.‏والقصد ليس فعلا إراديا، بل إحالة إلى موضوع أو شيء. فوجود موضوع ما هو وجود في الوعى، ولا يمكن تصور موضوع دون ذات تعيه وتعطيه معنى. إنها "علاقة إحالة متبادلة بين الوعي أو أفعال الوعي وموضوعات الوجود الخارجى". وهذه العلاقة هي التي تعطي للوعي صفاته الأساسية. إنها توصل إلى معرفة ماهيات الأشياء والمواضيع، أي العنصر الثابت الذي لا يتغير رغم كثرة الخبرات الفردية، يعني "‏معنى"، "‏دلالة"، "‏صورة" ثابتة في الذهن. تتجسد الماهية بالنسبة للوعي عن طريق "الحدس الذهني"، الذي يعتبر نقطة وصول وليس نقطة بداية. والوصول هو "البينة أو الوضوح Evidence"، حيث تجتمع القصدية والحدس.كان هذا بإيجاز شديد ومقتضب منهج الفينومينولوجيا، والهدف من الرجوع لها هو محاولة فهم العلاقة بين العبد والمعبود أثناء الصيام. إذا مورس الصيام كما يجب، يعني عندما يوصل إلى تلك الحالة الوجودية العميقة، التي تسمح للصائم بوعي ذاته بالمواصفات التي ذكرنا، فإن المرء يدخل في علاقة خاصة مع معبوده، لأنه يفسحه له المجال ليحضر بقوة وعن قصد في حدسه الإدراكي. وبهذا تتفتت كل التمثلات الثقافية والدينية والأخلاقية للمعبود في وعي العابد، لتصبح علاقة مباشرة، ليس فيها أي إكراه أو وعد ووعيد، بل تأمل مباشر لماهية المعبود.لا يقتصر تأمل هذه الماهية على نخبة بعينها، بل هو في متناول كل عابد، إذا ما وعى بأنه ملزم باستعمال إدراكه الحدسي عن قصد وبوعي، لربط علاقة بينه وبين موضوع تعبده. ومن ينجح في هذه التجربة الوجودية العميقة، يصل إلى مستوى أعمق وأنضج فيما يسمى "الإيمان = التأمل"، لأنه يدرك بأن ماهية المعبود قارة وغير متغيرة، مهما تغيرت ظروف تجلياته الوجودية. من لم يوصله صيامه إلى هذا التأمل العميق للذات الإلهية، الذي يوصل بدوره إلى ربط علاقة حب وجودية خالية من أي إكراه، فإنه لا يصوم، بل يجوع فقط. الصيام من منظور فينومينولوجي هو الكف عن تمثل الله بطريقة صبياينة بدائية، براغماتية في عمقها، ليس فيها حب لله، بل خوفامنه ورجاء لكراماته. حب الله الذي يوصل له الصوم، هو حب من أجل الحب، لأن الله حب في ماهيته، وليس شرطي مرور، لا ينتظر إلا ما يقترفه العبد من أخطاء لمعاقبته أو ما يقدمه له من قرابين، في علاقة وثنية به، ليجازيه.

أوراق من وحي رمضان2

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

القرقوري مسؤول عن الانضباط بالرجاء

بـنـعـطـيـة يـشـغـل أوربـا

مقالات ذات صلة