ترك الصيغة المغربية طامة كبرى

الباحث عبد السلام الخلوفي قال إن التجويد المغربي يمتاز بغنى تشكيلته النغمية ولا مبرر لتقليد المشارقة قال عبد السلام الخلوفي إن خصوصيات القراءة المغربية وصعوبتها كانت وراء تألق العديد من المقرئين المغاربة، وأوضح الباحث الموسيقي أنه بقدر غنى التشكيلة النغمية للقراءة بالصيغة المغربية، فإننا نشهد جنوحا غير مفهوم، للقراءة وفق المقامات الشرقية، وبالطريقة الحجازية، وهو ما يهدد هذه الصيغة. وعن سؤال حول مفارقة تجويد القرآن وفق المقامات الموسيقية، رغم أن الموسيقى ظلت محل خلاف وسط الفقهاء بين التحريم والإباحة، قال الخلوفي، "غني عن البيان أن الخلاف، في مسألة إباحة الموسيقى وتحريمها، هو خلاف استغرق ردحا طويلا من الزمان، وجدال برز في حقب مختلفة"، إلا أن هذا الجدل في المغرب، يضيف الباحث، زاد اتقادا بالعودة إلى اعتناق المذهب المالكي، أواخر عهد الموحدين، والذي كان قد خفت حضوره بعيد الصدام الذي قام بين المنصور الموحدي، وفقهاء المالكية، إذ أمر المنصور بإحراق كتب الفروع الفقهية المالكية، كما يخبرنا بذلك عبد الواحد المراكشي في "المعجب". وبرزت في هذا الموضوع، وفي فترات متباينة، يقول الخلوفي، مجموعة من التآليف في الموضوع، سواء المتبنية لمبدأ الإباحة أو مبدأ التحريم، منها "إنكار السماع" لأبي إسحاق الشاطبي الغرناطي، و"إيضاح الدلالات في جواز سماع الآلات" لعبد الغني النابلسي، و"الإمتاع والانتفاع" لابن الدراج السبتي، لكن كل هذا الجدل الذي احتدم في المشرق والمغرب والأندلس، "لم يقترب يوما من حقل تنغيم قراءة القرآن، تجويدا وترتيلا". استعراض للقدراتلفهم المفارقة ينبغي استحضار بعض المعطيات الأساسية، أولها، حسب الخلوفي "دخول الموسيقى إلى المعابد، الذي انطلق منذ عهد الإغريق، وثانيا نالت الموسيقى في بعض المجتمعات نوعا من القداسة، خاصة بعد دخولها لمعابد بعض الديانات السماوية، واتخاذها وسيلة للمناجاة والتعبد. يبدو هذا جليا في التراتيل الكنسية، والألحان التعبدية، ثالثا التفسير الذي يعطى لبعض الأحاديث النبوية، كقوله (ص): " زينوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا" أو قوله (ص): " ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، بغض النظر عن درجة التغني". لذلك، يوضح الباحث نفسه، ليس غريبا أن "نجد من يمعن في الانتقالات المقامية، والتفريعات النغمية حتى يصبح المجال مجال استعراض للقدرات، سواء في إدراك الطبقات الحادة والجهيرة"، أو فيما يتعلق بالتحكم في طول النفس، أو ما يخص التحكم في القواعد الموسيقية للتنغيم، والمزاوجة بين الانتقالات الأفقية، أي بين المقامات الموسيقية على درجة الاستقرار نفسها، أو العمودية التي تتعلق بالانتقال من الأصول إلى الفروع. جمالية التنغيم قال الخلوفي إن بروز قراء نجوم مغاربة، يصل صيتهم لكل الآفاق، وفوز العديد من المشاركين المغاربة، ومن كل الأعمار في مسابقات دولية، يجد تفسيره في خصوصيات القراءة بالمغرب، برواية ورش عن نافع من طريق الأزرق، إذ أن "التجويد بهذه الرواية يكتسي صعوبة كبيرة، مقارنة مع التجويد المشرقي برواية حفص عن عاصم بن أبي النجود الكوفي، فالتجويد بقراءة ورش نجد فيها كثرة المدود وطولها، ونجد فيها ترقيق الراءات وتغليظ اللامات، وكذلك القواعد الخاصة بالإمالات". وحسب الخلوفي فإن التميز في القراءة لا يقتصر فقط على حسن الصوت وجمالية التنغيم، بل يعتمد أساسا على ضبط القواعد والتمكن منها، "صحيح أن بدايات التجويد في التاريخ الإسلامي كانت بالسليقة، وكانت تؤخذ شفاهيا مضمنة في حفظ القرآن، فيتمكن القارئ من القواعد بفعل كثرة الترديد، ولم توضع للتجويد قواعد إلا عصر التدوين، في العهد العباسي وفي القرن الثاني للهجرة، بعد أن فشا اللحن في اللغة، نتيجة اختلاط المجتمع العباسي، من جراء وجود الأعاجم أو من هم من أصول مزدوجة عربية وأعجمية، فكان الخوف على اللغة والقرآن، فتم إعجام القرآن وشكله، ووضعت بالتالي قواعد لتجويده وترتيله". ويبقى سر تميز القراء المغاربة، حسب الباحث، نابعا من تمكنهم من القراءة وفق رواية، تستدعي استحضار جملة من القواعد الصعبة والمعقدة، وهو ما يفسر، قدرة العديد من القراء المغاربة، على المزاوجة في القراءة بين الصيغتين المشرقية والمغربية. خصائص المدرسة المغربية بالإضافة إلى مسألة اختلاف الرواية والتباينات الظاهرة في القواعد المعتمدة، بين الرواية المغربية، وباقي الروايات، فإن الجانب النغمي والمقامي، يحضر، حسب الباحث الخلوفي، في تميز المردسة المغربية في التجويد، إذ يحتكم نغميا للطبوع الأندلسية بشكل خاص، و"عندما نقول طبوعا، فإن الكلمة تحيلنا على علاقة الطبوع بالطباع البشرية، وما تستضمره هذه العلاقة، من قدرة المرسل (القارئ) على التأثير في نفسية المرسل إليه (المتلقي)، وفق تباين تركيبات المتلقين، هوائية كانت أو مائية أو ترابية أو نارية". كما يستحضر التجويد بالصيغة المغربية، يقول الباحث، تشكيلة من المقامات الموسيقية، التي تزخر بها العديد من المناطق، ف"نجد البياتي الأطلسي، ونجد مقام الحجاز المرساوي، ونجد أنغاما من سهول الشاوية، ويحضر المقام الخماسي في قراءة مجودي سوس والجنوب المغربي"، غير أن المؤسف في كل هذا، يضيف الخلوفي، هو "بقدر غنى التشكيلة النغمية للقراءة بالصيغة المغربية، فإننا نشهد جنوحا غير مفهوم، للقراءة وفق المقامات الشرقية، وبالطريقة الحجازية كذلك". وقال الباحث إنه بتفحص بسيط لمختلف القراءات، التي نسمعها الآن في مساجدنا، سواء في تراويح رمضان أو في الصلوات العادية، "تجدنا نسلم أن مقرئينا انخرطوا في نوبة تقليد بادية المعالم، لمقرئي الشرق وبلاد الحجاز، ولا شك أن هذا الإجحاف في حق القراءة وفق الصيغة المغربية، من قبل قرائنا الأفاضل، المشهور منهم والمغمور، سيؤدي لا محالة، لهجر مدرسة كبيرة في القراءة والإقراء، هي المدرسة المغربية"، وتلك طامة كبرى، يقول الباحث.عزيز المجدوب

ترك الصيغة المغربية طامة كبرى

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مختصرات

أئمة أصبحوا كنجوم الكرة

مقالات ذات صلة