تخوض التيارات المحافظة في أجمل بلد في العالم، حربا جديدة ضد الفن والفنانين، خصمها فيها هذه المرة، "كبسولة" تعرض على شاشة القناة الثانية في رمضان بعنوان "الخواسر"."الكبسولة"، التي تعرف نسبة متابعة عالية من طرف المشاهدين، لا علاقة لها من قريب أو بعيد بـ "ثمانياتون"، لا ديال أبيضار ولا ديال جنيفر لوبيز، ولم تمس من قريب أو بعيد صورة المرأة المغربية أو تشهر بسمعة البلد، كما أنها لا تتضمن حوارات خادشة للحياء. السلسلة هي عبارة فقط عن فكرة جديدة لم يسبق أن مرت على شاشة التلفزيون، واجتهاد حاول من خلاله صاحبه أن يقدم للمشاهدين ضحكا وسخرية من نوع آخر، "خفيفة ظريفة"، وبعيدة كل البعد عن "تعواج الفم" وتوظيف العاهات، والتركيز على الشخصية "العروبية" التي تصر الأعمال التلفزيونية على أن تصورها للمشاهدين على أنها بليدة، في حين أنها "قافزة"، "من يوم يومها".قامت الدنيا ولم تقعد على "الخواسر". ومرة أخرى، سيطالب حراس الأخلاق والقيم، بوقف عمل إبداعي بدعوى أنه يسيء إلى اللغة العربية ويقزم مكانتها داخل المجتمع ويهدف إلى شن حرب عليها. بل "مشاو بعيد" تماما حين اعتبروا السلسلة "انقلابا على مقتضيات النص الدستوري"، لا لشيء سوى أن كتابة العمل استعملت فيها خلطة هجينة بين العربية والدارجة، يستعملها المغاربة كثيرا في محكيهم اليومي على سبيل الدعابة دون أن يحملوها أكثر مما لا تحتمل.فجأة، ودون سابق إنذار، نصبت المشانق وشحذت السيوف والأقلام ولفقت الاتهامات الجاهزة لفريق العمل الذي أراد أن يرسم البسمة على وجوه المشاهدين بعد يوم صيام طويل، فإذا بهم "يهجرونها له"."الخواسر"، رغم الانتقادات التي وجهت إلى العمل من الناحية الفنية، ومقارنته بسلسلة "الكوبل"، والقول إنه عمل سطحي وتافه وخال من الإبداع ولا يحمل أي رسالة فنية، يبقى محاولة بسيطة للإضحاك في ثوان معدودات، من خلال فكرة ذكية ركزت على رسم شخصيات من الزمن القديم تعيش بروح العصر الجديد، ومستلهمة من مسلسل فانتازي عرف إقبالا كبيرا من طرف المشاهدين المغاربة وطبع ذاكرتهم منذ عرضه ذات رمضان، وهو مسلسل "الكواسر".أما الجميل في السلسلة، فهو أنها تضم طاقم عمل بروح جديدة وطريقة عمل مختلفة ورؤية خاصة لفن السخرية والكوميديا والإضحاك، بدءا بعبد العالي لمهر، الذي ساهم في كتابة "الكوبل" إلى جانب العبقري حسن الفد، مرورا بغاني القباج، الذي أبان عن علو كعب في التمثيل والإضحاك منذ عرضه الأول الساخر الذي عرف نجاحا كبيرا بعد أن تعود عليه الجمهور مغنيا، وصولا إلى المخرج الموهوب أمير الرواني، مخرج "الكوبل" ومخرج "الكليب" الجميل لأغنية "لمعلم"، دون أن ننسى طبعا باقي الممثلين وعلى رأسهم سعيد موسكير وياسين غلفان وياسمين بن حمو، ثم سامية أقريو، الذين مثلوا فأجادوا فعلا.تلفزيوننا يحتاج إلى هذه النوعية من الأعمال التي تخلق النقاش والجدل من حولها، ولا تمر مرور الكرام. إنها مسألة صحية ودليل على انتعاشة كبرى، شرط أن يبقى النقاش في حدود التعبير عن الرأي والرأي الآخر، دون أن يتجاوزه إلى المطالبة بالمنع والحجر على عقول المشاهدين وتنصيب البعض نفسه وصيا على لغة عربية شبعت موتا بسبب الرافضين للتجديد. من فضلكم، اعطونا بالتيساع، را قهرتونا.... (*) موقع في الواجهة www.filwajiha.com