رفيق عبد الكريم الخطيب وكاتم أسراره. كان عبد الله إسوفغ، الملقب "باتريس لومبابا" المغرب، ضمن المجموعة الأولى التي أسست الحركة الشعبية الدستورية، وشاهد عصر" على أحداث كبرى شهدها المغرب قبيل الاستقلال وبعده، أهمها الصراع التاريخي بين القصر وجزء من الحركة الوطنية، ثم حروب التصفيات الجسدية بين حزبي الاستقلال والشورى والاستقلال. حضر ابن قصور وزوايا تاكونيت عمليات ومفاوضات اندماج الحركة الشعبية الدستورية وحركة الإصلاح والتوحيد لتشكيل حزب العدالة والتنمية، كما يعتبر ذاكرة العمل النقابي بالمغرب وأحد مؤسسي الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب. مقاتلات فرنسية تفصل تندوف عن المغرب عشت هذا التمزق الداخلي في منطقة كانت عصية على الرضوخ، وعرفت تاريخيا بمقاومتها الشرسة ضد المستعمرين والمحتلين، وهي المنطقة التي عرفت بولائها الخالص إلى العرش والملك والنظام الملكي منذ قرون وارتبطت بهذا الولاء.أول رد فعل من الأهالي على القرار الفرنسي بحذف منطقة تندوف وإلحاقها بالجزائر، هو جلب عدد كبير من الأعلام الوطنية وتعليقها فوق المنازل وبعض المحلات. لم أستوعب في هذه اللحظة معنى ذلك، ومعنى أن يعمد عدد من المؤطرين من حزب الاستقلال إلى حشدنا كل صباح في ساحة كبيرة لنقف أمام الراية المغربية، أو راية محمد الخامس، ونردد الأناشيد الوطنية للحرب.بالموازاة، كانت الأسر والعائلات تتحلق كل مساء في البيوت للاستماع إلى آخر الأخبار ومعرفة التطورات وتقصي بطولات المقاومة الوطنية في المدن الكبيرة. أذكر أن أسرتي كانت من الأسر القليلة التي كانت تملك مذياعا، ويكفي أن تملك مذياعا في ذاك الوقت لتكون مصدر حظوة وخطر في الوقت نفسه: حظوة لدى السكان والأهالي الذين يتحلقون كل مساء لتقصي الأخبار من بعض الإذاعات العربية التي كانت تلتقط بصعوبة مثل صوت العرب من القاهرة التي انطلقت مباشرة بعد الثورة الناصرية في مصر (يوليوز 1952)، ثم خطر لأن أي وشاية بوجود مذياع في الدوار يعني النفي والحبس والعقاب من الأذناب الفرنسيين.بدأت أشعر من ذاك الحين، أن شيئا ما يجري بالمغرب. إحساس غريب بدأ يتسرب لي منذ وقت مبكر لم نكن نسمع فيه لا سياسة ولا حركات مقاومة ولا حركة وطنية.هذا الشعور بدأ يكبر معي، وتأكد في أحد الأيام، حين كنت أتجول في السوق الأسبوعي، وأثار انتباهي منظر غريب، حين شاهدت عددا من المواطنين المتحدرين من الصحراء، أو الركيبات، متمنطقين برشاشاتهم ويتجولون في أرجاء السوق.مرت سنتان على تلك الأوضاع وحرب الأعصاب التي عشناها آنذاك، وانتهى الأمر بقرار عودة المغفور له والأسرة الملكية من المنفى، فعشنا كذلك لحظات من الفرح والتجاذب بين انتهاء مرحلة وبداية مرحلة أخرى، كما أتذكر جيدا الاحتفالات التي عمت الدوار والملحقة ونحن نحتفل بذلك الحدث السعيد الذي تزامن مع عيد العرش، أو التواريخ الثلاثة المجيدة 18/17/16 غشت.سنة 1956، قررت إدارة المؤسسة التعليمية، التي مازال يديرها الفرنسيون، إحداث بعض التغييرات في برامج التعليم، وذلك بإدخال مادة للعلوم الدينية والدراسات القرآنية، إذ وصل إلى الحجرة فقيه مغربي كان مكلفا بأحد المساجد بمنطقة بني سبيح، وأشير فقط هنا إلى أن هذه المنطقة هي أحد معاقل الطائفة اليهودية التي عاشت في المنطقة، وهي عبارة عن ملاح، إضافة إلى ملاح آخر اسمه بني حيون.هذا الفقيه تكلف بتحفيظ التلاميذ الآيات والسور الأولى من القرآن، من سورة الفاتحة إلى نهاية الآية "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها"، أو ما يطلق عليها حفظة القرآن بـ"الخامسة".يوسف الساكت