رحلة مغربي في متاهة الجاسوسية عندما توجه محمد رزكي بداية تسعينات القرن الماضي، وهو في نهاية العقد الثاني إلى ليبيا طلبا للعمل بعد أن أقفلت في وجهه أبواب الرزق في المغرب، لم يكن يعرف أنه سيقضي هناك عشرين سنة من حياته، مرت عليه فيها أحداث أغرب من الخيال، إذ كان شاهدا بالصدفة على حرب تجسس مستعرة بين البلد المضيف وبلده الأصلي، واكتشف أسرارا جديدة عن نفوذ بوليساريو في النظام الليبي السابق. محمد رزكي، الذي بدأ رحلته الليبية بالدخول إلى متاهة الجاسوسية بتشابه أسماء كاد يودي بحياته، يروي لـ "الصباح " تفاصيل عقدين قضاهما بين سجون القذافي وقصور أقرب مساعديه، أوصله حبه لبني جلدته إلى ترؤس جمعية مغاربة ليبيا، وأنهت مقامه هناك محاولة اغتيال، إثر قصف منزله بصاروخ، وفرار مأساوي إلى المغرب. جيش القبائل هل شك مختطفوك أنك تستعمل اسما مزورا ؟ لا ليس كذلك، هم يبحثون عن المعارضين للنظام، ويبدو أنهم يشككون في ولاء بعض أبناء القبيلة التي أحمل اسما عائليا يشبه لقبهم (أولاد الزكري)، على اعتبار أنه طلب مني في السؤال الثاني عن المعلومات التي أعرفها عن جبهة إنقاذ ليبيا، فأجبته أنني لم أسمع بها قط، وأن جبهة الإنقاذ توجد في الجزائر، لكنه أصر على أن الجبهة الليبية أكثر خطورة من نظيرتها الجزائرية، وعندما تأكد من عدم معرفتي للتنظيم المحظور، سألني هل كانت لدي علاقات بمواطنين ليبيين بالمغرب فكان الجواب هو النفي دائما.< ألم تكن تعرف أي شخص من هذا البلد قبل مجيئك، على اعتبار أن عمليات التهجير يشرف عليها في الغالب أناس من البلد المضيف ؟ فعلا كانت كل أجوبتي حقيقية، على اعتبار أنني لم أتعرف على الليبيين إلا بعد وصولي إلى طرابلس، إذ كان هناك وسيط مغربي بيني وبين المكلف بتسهيل سفرنا وحصولنا على العمل، لكن الجهة التي احتجزتني تشك على ما يبدو في أن المغرب كان يحتضن معارضين ليبيين وفي مقدمتهم أعضاء جبهة الإنقاذ الليبية تلك. ثم حاول أن يعرف الوضع الداخلي في المغرب من خلال أسئلة من قبيل: لماذا تهاجرون بأعداد إلى الخارج، وهل يتعلق الأمر بانعدام الحرية والقمع، فقلت له بأن الأغلبية تبحث عن العمل ولا شيء غير ذلك، ليرد هو بأن بلاده ليست أحسن حالا في توفير الشغل لأبنائها، ورغم ذلك تتوافد عليها حشود المصريين والتونسيين والمغاربة، بعد ذلك جمع دفاتره وغادر "التريلا"، وتركني غارقا في بحر من التساؤلات، هل يتعلق الأمر فعلا بتحقيق قانوني تجريه قوات نظامية، أم أنني سقطت في متاهة صراعات مليشيات القبائل أم أنه مجرد انتقام لكرامة الشخص الذي تشاجرت معه، وذهبت إلى أبعد من ذلك عندما تصورت أن لمحنتي علاقة بملف الصحراء، مسترجعا كلام زميلي المغربي في ورشة الحدادة عن وجود مقاتلين كثر من بوليساريو في جيوش القذافي.ثم عاد الشخص نفسه بعد ثلاثة أيام لزيارتي في ذلك السجن المتنقل، الذي لم يكن يسمح لي بمغادرته ليل نهار، ولا يفتح بابه إلا عندما كان الحارس يرمي إلي بقطعة خبز وكأس حليب مرتين في اليوم، ومن جديد حاول أن يعرف، إذا ما كان هناك معارضون ليبيون في المغرب، وشرحت له أنني أقيم في قرية صغيرة لا تصل إليها إلا أخبار المذياع والتلفزيون.ياسين قطيب