كأنه يقف على الطرف الآخر من الجسر المنهار، ويشير إلى الآخرين بالعبور إلى ضفته الآمنة، هكذا تتصور عائلات وأقارب محتجزي بويا عمر خطة الوزير الحسين الوردي، الذي بدأ في كنس مستشفيات عبر منها هؤلاء سابقا، وتوسيع المطابخ لتحتضن أَسرة إضافية، وشحذ همم أطباء مرهقين، ويبحث عن بقايا إرادة في ممرضين مسنين، لعلاج مرض عضال في مراحله الأخيرة.وكأنهم استأصلوا الرحمة من قلوبهم، ونفضوا ذاكرتهم من سنوات عاشوها مع أبنائهم أو أشقائهم، ليلقوا بهم، بعد أن خذلتهم صحتهم العقلية والنفسية، في بيوت /معتقلات سرية وعلنية، ويقبلوا بتكبيل أياديهم، وبترويضهم كما تروض القرود والكلاب، وبتحويلهم إلى عبيد يقضون سخرة أسياد بويا عمر.هذا جزء من خلاصة سقطت في الهاوية بين طرفي الجسر المنهار، وخلف دويها سؤال: ما البديل؟ خاصة أن الوزير يعرض حلا جربته العائلات لسنوات، وألبسه الوردي اليوم زي "مبادرة الكرامة" في حين تطالب الأسر ب"مبادرة كفالة".ضحى زين الدين الأم أصيبت بكسر في الظهر حولها إلى معاقة قضى الأيام الأولى بعد العودة هادئا، خاصة أن شقيقه هدده بإعادته مرة أخرى إلى "بويا عمر" واحتجازه هناك إلى أن يموت. وفيما كان الابن الذي كان يمتهن التعليم، يعتقد أن شقيقه استعاد هدوءه وأن مسألة علاجه مسألة وقت فحسب، خاصة أنه استجاب لنصائح الطبيب، غير أنه سيكتشف أن الأم كانت تخفي أعماله، وتتوسل إلى والده كي يغفر له عدوانيته، كما تطلب من شباب الحي التستر عليه، وعدم التبليغ عن سلوكاته العدوانية تجاههم، أو تجاه أسرهم."ذات ليلة غمرته حالة جنون غريبة، أشبع والدته ضربا، وكسر أغراض البيت. بعد اتصالات وعدة إجراءات في قيادة الحي، نقل إلى المستشفى غير أنه لم يمر أسبوع حتى طالبوا والدته بإعادته إلى البيت بمبرر عدم وجود أسرة كافية في جناح المرضى عقليا"، يحكي ابن الجيران، قبل أن يضيف، وهو يبحث في حاسوبه عن صورة قديمة لسعيد بتسريحة شعر أنيقة، وابتسامة هادئة محاطا بمجموعة من الأصدقاء.نالت الأم مرة أخرى حصتها من عدوانية ابنها، لذلك قررت أن ترسل في طلب ابنها المعلم لنجدتها، "اتصل المعلم برجال في بويا عمر، وما هي إلا ساعات حتى حلوا بالحي، كنا حينها قد اتفقنا جميعا على محاصرة سعيد، ولأنه كان في لحظات هدوئه يجب الولوج إلى سينما قريبة، اعتدنا الذهاب إليها جميعا، فقد انتظرنا إلى تلك اللحظة، وطلبنا من العاملين فيها الذين تربطنا بهم علاقة طيبة، بمساعدتنا". كان المريض يحدق في الشاشة الكبيرة، حين تقدم منه رجال بويا عمر. بسرعة فطن إلى من يكونون، "غير أنهم وبمساعدتنا حاصروه، وقمنا بشل حركته، قبل أن يضعوا السلاسل في رجليه ويديه"، يقول ابن الجيران.نقل سعيد في سيارة شقيقه المعلم، وإلى جانبه كان رجلان من بويا عمر، وفي المقعد الأمامي أمه إضافة إلى شقيقه الذي تولى القيادة.انطلقت السيارة بسرعة، كان حينها المريض قد تحول إلى طفل صغير، يطلب السماح من أمه، ويعدها أنه لن يكرر فعلته، وأنه سيفعل كل ما تريد. كانت توسلاته تنفجر في قلبها وتشطره. حين اقتربت السيارة من مدخل قلعة السراغنة، استوقفها سد أمني، تقدم منها دركي، وحين لاحت له وجوه أسياد بويا عمر، أمر السائق بإتمام مسيره، غير آبه لصراخ المريض المقيد.وكأنه يعرف أنه يقترب من حبسه. بدأ الشاب يبكي ويستعطف أمه لتسمح له بتدخين سيجارة واحدة. طلب منها أن تأمر بفك قيد يديه. رقت لطلباته، واستعطفت بدورها ابنها المعلم أن يسمح له بدقيقة بدون سلاسل ليدخن، غير أنها بذلك كانت تضع رصاصة في رأس المعلم. إذ "ما أن فكوا سلسلة يديه، حتى انقض على شقيقه، الذي كان يسوق السيارة، وانقلبت بهم جميعا، ليتوفى المعلم على الفور، فيما أصيبت الأم بكسر في الظهر أورثها إعاقة دائمة، فيما أصيب الآخرون بجروح طفيفة".كأنه يعرف أنه يقترب من حبسه. بدأ الشاب يبكي ويستعطف أمه لتسمح له بتدخين سيجارة واحدة. طلب منها أن تأمر بفك قيد يديه. رقت لطلباته، واستعطفت بدورها ابنها المعلم أن يسمح له بدقيقة بدون سلاسل ليدخن، غير أنها بذلك كانت تضع رصاصة في رأس المعلم. إذ "ما أن فكوا سلسلة يديه، حتى انقض على شقيقه، الذي كان يسوق السيارة، وانقلبت بهم جميعا، ليتوفى المعلم على الفور، فيما أصيبت الأم بكسر في الظهر أورثها إعاقة دائمة، فيما أصيب الآخرون بجروح طفيفة".