مؤشرات مقلقة في مشروع النظام الأساسي للقضاة

الاستقلال المالي أحد أهم أركان الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية (2/2) -9الإبقاء على نظام ترقية غير محفزتراجع المشروع عن استحداث درجتين جديدتين لترقية القضاة بعد الدرجة الاستثنائية، وهي الدرجة الممتازة والدرجة الفريدة، ولعل مرد ذلك اعتراض وزارة المالية، وأبقى المشروع على نظام الترقية الجاري به العمل على علته رغم أنه نظام غير محفز بسبب طول المدة التي يفرضها لترقية القضاة والمحددة في خمس سنوات للترقية من الدرجة الثانية إلى الأولى وهي المدة ذاتها اللازمة للترقية إلى الدرجة الاستثنائية، واستثناء على ذلك عمد إلى تخفيض المدة المتطلبة لترقية القضاة من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الثانية بتخفيض سنة من المدة اللازمة مع إبقاء القضاة الموجودين حاليا في الدرجة الثالثة خاضعين لنسق الترقية القديم. -10إغفال التنصيص على مراجعة أجور القضاة بشكل دورييعتبر الاستقلال المالي أحد أهم أركان الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية، ومؤداه ضرورة توفير جميع الوسائل اللازمة لقيام السلطة القضائية بدورها الدستوري في حماية الحقوق، بالإضافة إلى ملاءمة الرواتب والتعويضات التي يتقاضاها القضاة بشكل دوري مع الارتفاع الذي تعرفه مستويات الأسعار، في هذا السياق يلاحظ أن مسودة المشروع أغفلت التنصيص على أي تدابير تضمن الاستقلال المالي للسلطة القضائية وللقضاة، وكان حريا بها التنصيص على مراجعة وملاءمة التعويضات والمنافع التي تمنح للقضاة بشكل دوري داخل أجل معقول. فضلا عن إقرار تعويض للقضاة المتمرنين لا يقل عن رواتب الموظفين المرسمين في السلم 11، وتوفير الوسائل الضرورية لقيام القضاة بمهامهم. 11- عدم ملاءمة مشروع النظام الأساسي للقضاة مع الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفينإذا كان مشروع النظام الأساسي الجديد للقضاة قد حاول ملاءمة وضعية القضاة مع الضمانات المنصوص عليها في قانون الوظيفة العمومية التي تبقى بمثابة الشريعة العامة، وهو ما يظهر من خلال رفع مدة إجازة الأمومة للمرأة القاضية من 12 أسبوعا إلى 14 أسبوع، وتحديد مدة الرخصة السنوية في 22 يوم عمل، فإن ذلك لم يمنع دون الإبقاء على عدة نقائص على مستوى المشروع من بينها إغفاله التنصيص على مقتضى مماثل لما هو منصوص عليه في الفصل 20 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية، والذي ينص على أنه: «لا يجوز أن تدرج في ملف الموظف أي اشارة لنزعات صاحبه السياسية والفلسفية والدينية، وهو مقتضى كان واردا في النظام الأساسي الحالي لرجال القضاء لكنه اختفى من المشروع الجديد». 12- التضييق على حق القضاة في التعبير وفي العمل الجمعوي والنقابيمن بين المؤشرات المقلقة في مشروع النظام الأساسي للقضاة تلك المتعلقة بحرية التعبير، حيث نصت المادة 30 من المشروع على حق القضاة في التعبير بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية، وذلك إعمالا للمادة 111 من الدستور، ويلاحظ أن المشروع الجديد وضع قيودا إضافية على حق القضاة في التعبير من قبيل ضرورة الحفاظ على سمعة القضاء وهيبته، وهو مصطلح فضفاض قد يؤدي إلى اجتثاث حق القضاة في التعبير من جذوره طالما يمكن تأويل أي انتقاد لبعض الاختلالات الموجودة في الجسم القضائي على أنه مس بسمعة القضاء وهيبته.وإذا كان الدستور نص على حق القضاة في العمل الجمعوي بالانضمام إلى الجمعيات الموجودة أو تأسيس جمعيات مهنية جديدة، فإن المشروع لجأ إلى تقييد عمل الجمعيات المهنية بضرورة مراعاة واجب التحفظ أيضا، وهو ما يعتبر توسعا غير مبرر في القيود الدستورية الموجودة، سيما أن المادة 111 من الدستور لم تقيد حق القضاة في العمل الجمعوي سوى بمراعاة واجب التجرد واستقلال القضاء، ولا شك أن تقييد العمل الجمعوي للقضاة بواجب التحفظ طبقا للمشروع الجديد، من شأنه أن يحول الجمعيات المهنية القضائية إلى جمعيات صامتة.في السياق نفسه، يلاحظ أن المشروع الجديد حرم على القضاة العمل النقابي وهو ما يتنافى مع المعايير الدولية خاصة اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية، كما يتنافى مع مستلزمات التأويل الديمقراطي للدستور الجديد الذي لم يمنع على القضاة سوى الانخراط في المنظمات النقابية، دون أن ينصرف هذا المنع ليشمل النقابات، علما بأن مفهوم المنظمات النقابية يعني اتحادا لمجموعة من النقابات القطاعية المنضوية في منظمة نقابية واحدة تجمع بينهم قواسم مشتركة وتديرها أجهزة مشتركة «ولها في الغالب خلفية سياسية»، ولعل الهدف من هذا المنع هو محاولة تنزيه العمل القضائي في إطار تكتلات مهنية عن العمل النقابي الذي يجمع بين أكثر من قطاع والحيلولة دون انخراط القضاة في «التجاذبات» السياسية خاصة وأن عملهم من خلال التكتلات المهنية الموجودة مشروط بمراعاة مستلزمات التجرد والاستقلال.في السياق نفسه، نصت المادة 38 من المشروع على منع كل عمل فردي أو جماعي كيفما كانت طبيعته قد يؤدي إلى وقف أو عرقلة عقد الجلسات أو السير العادي للمحاكم، وأوردت المادة 89 تعدادا على سبيل المثال للأخطاء الجسيمة الموجبة للتوقيف حالا، ومن بينها، الامتناع عن العمل المدبر بصفة جماعية ووقف أو عرقلة السير العادي للجلسات والمحاكم، وهو ما يعني أن مشروع النظام الأساسي للقضاة منع عليهم حق الإضراب في استباق لصدور القانون التنظيمي للإضراب الذي يحيل عليه الدستور وهو المكان الطبيعي لتقنين الإضراب، بما في ذلك حصر الفئات الممنوعة من ممارسة الإضراب. وكان حريا بالمشروع تنظيم شروط الإضراب وليس منعه، خاصة أن الإضراب الممنوع بالنسبة إلى الخدمات المرفقية الأساسية هو الإضراب غير المشروع وغير المبرر أي التعسفي أو الإضراب الذي يشل المرفق بشكل كلي.من جهة أخرى، منعت المادة 41 من المشروع على القضاة إبداء رأيهم في أي قضية معروضة على القضاء، وهو ما يعتبر صورة من صور الاستعمال المفرط لموجب تحفظ القضاة الذي يحرمهم من حقهم في التعبير باعتبارهم رجال قانون وأصحاب رأي وفكر، وكان حريا بالمشروع أن يميز بين العمل القضائي للقاضي ونشاطه الفقهي والبحثي والقانوني الصرف الذي يخدم البحث القانوني ولا يؤثر على مجريات العدالة.وعموما يمكن القول إن المشروع الجديد اعتمد على صيغة تتسم بالعمومية والضبابية، من شأنه إفراغ كل عمل جمعوي وحراك قضائي من محتواه، ما يثير من جديد سؤال تأويل هذا النص، وإمكانية استعماله كأداة لضرب أي حراك قضائي قادم أو اجتثاثه من جذوره، تحت عدة مسميات، من قبيل موجب التحفظ وتجريم الإضراب وعرقلة السير العادي للجلسات.. لتبقى عدة أسئلة مطروحة : هل يعتبر تأخير انعقاد الجلسة لفترة قصيرة بمثابة وقف لعقد الجلسات؟ وماذا عن إمكانية تعليق الجلسات أو تأخيرها على حالها، وهل يعد تحرير الأحكام بخط اليد بدلا من رقنها بالحاسوب عرقلة للسير العادي للمحاكم؟ وهل يمكن اعتبار انتقاد بعض الاختلالات التي تعانيها العدالة مسا بهيبة القضاء ومن ثم خروجا عن واجب التحفظ؟بقلم: د. أنس سعدون **عضو نادي قضاة المغرب عضو المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية

مؤشرات مقلقة في مشروع النظام الأساسي للقضاة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مختصرات

غـيـاب الـتـرشـيـحـات للـرئـاسـة

مقالات ذات صلة