مؤشرات مقلقة في مشروع النظام الأساسي للقضاة

حصانة القضاة ضد النقل تبقى ضمانة أساسية لتدعيم استقلالهم (2/1) رغم التحسن الملحوظ الذي طرأ على مسودة النظام الأساسي، إذ اشتملت النسخة الجديدة المعدلة منها والتي أحيلت على البرلمان، على العديد من المقتضيات القانونية التي تشكل استجابة لمطالب الحراك القضائي، إلا أنها تضمنت في المقابل مجموعة من المؤشرات المقلقة. من أبرز هذه المؤشرات، نجد: 1 - تعيين القضاة الجدد خريجي المعهد العالي للقضاء في سلك النيابة العامة.نصت المادة 8 من المشروع على تعيين جميع الملحقين القضائيين وجوبا في سلك النيابة العامة لقضاء مدة سنتين على الأقل قبل إقرار إمكانية تعيينهم في قضاء الحكم. وما يبعث على إبداء بعض القلق بخصوص هذا المقترح، أن مشروع وزارة العدل والحريات لم يقدم أي مبررات موضوعية لهذا الاختيار التشريعي الذي يأتي بديلا لمقترح سابق كان يقضي بتعيين القضاة الجدد قضاة على سبيل التجريب، لمدة سنتين وهو ما رفضته كل الجمعيات المهنية القضائية، التي اعتبرت المقترح السابق يشكل مسا بمبدأ ثبات المنصب القضائي، ويخشى أن يكون السبب وراء هذا المقترح هو الرغبة في تطويق الحراك القضائي الذي يعرفه المغرب مع نزوع القضاة للتمسك باستقلالهم ، ومن ثم إعداد جيل جديد من القضاة متمرن على تلقي التعليمات في إطار السلطة الرئاسية التي تميز النيابة العامة باعتبارها فضاء التعليمات بامتياز قبل المرور إلى مزاولة مهام قضاء الحكم.2 - انتداب القضاة وتنقيلهم بدون طلب مس بحصانة القضاة من النقلإن حصانة القضاة ضد النقل تبقى ضمانة أساسية لتدعيم استقلالهم، وهو مبدأ كرسته المواثيق الدولية، ولهذا نص الفصل 108 من الدستور على أنه لا ينقل قضاة الأحكام إلا بقانون، وكان من سلبيات مشروع النظام الأساسي للقضاة أنه فشل في إقرار حصانة قانونية للقضاة من النقل الذي يبقى هاجسا يؤرق بال العديد منهم، كما فشل في إقرار مبدأ عدم قابلية القضاة للنقل إلا بناء على طلبهم وبموافقتهم.وهكذا تم الإبقاء على المقتضيات نفسها المنتقدة بخصوص انتداب القضاة ونقلهم ، فعوض إقرار أحكام جديدة تدعم حصانة القضاة من النقل عن طريق حصر إمكانية نقل القضاة، في حال تقديم طلب بذلك، بعد الإعلان عن المناصب الشاغرة بالمحاكم المذكورة، تم إبقاء الوضع على ما كان عليه، إذ نصت المادة 64 من المشروع على أنه: «يمكن أن ينقل القاضي.. في الحالات التالية:- بناء على طلبه.- إثر ترقية في الدرجة.-إحداث محكمة أو حذفها.شغور منصب قضائي أو سد الخصاص».وخولت المادة 65 من المشروع المسؤولين القضائيين بمحكمة النقض وبمحاكم الاستئناف سلطة انتداب القضاة خلال مدة ثلاثة أشهر في كل سنة، وهو ما يشكل تهديدا مستمرا ومسا بحصانة القضاة من النقل، وكان نادي القضاة، اقترح حصر الانتداب في حال حدوث فراغ في إحدى المحاكم بناء على طلب، وفي حال عدم تقديم أي طلب منح هذه الإمكانية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وذلك لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة بموافقة القاضي المعني بهذه المسطرة، مع التنصيص على عدم إمكانية الانتداب بقوة القانون سوى مرة واحدة خلال المسار المهني للقاضي.3- ترقية القضاة عندما تتحول من حق إلى امتياز.أعادت المادة 28 من المشروع تكريس مقتضى سلبي موجود في النظام الأساسي الحالي لرجال القضاء، مفاده أنه في حال عدم قبول القاضي للمنصب القضائي الجديد، إثر ترقيته تلغى هذه الترقية. فإذا كان يفترض في الترقية أنها حق للقاضي ومكافأة له على حسن سلوكه ومساره المهني، فإن المشروع الجديد أبقى على إمكانية ربط ترقية القضاة بنقلهم إلى محاكم أخرى، وهو ما يعد تكريسا لفكرة الترقية الملغومة التي لطالما عاناه القضاة والتي تحول الترقية من نعمة إلى نقمة طالما ارتبط بتنقيل القاضي دون طلبه وبدون موافقته. 4 - مشاركة القضاة في برامج التكوين المستمر بين الحق والواجبكرست المادة 41 من المشروع التكوين المستمر واجبا يقع على عاتق القضاة، ولذلك ألزمتهم بالمشاركة في برامجه ودوراته على سبيل الإلزام، ولا بد في هذا السياق أن نستحضر موقف نادي القضاة الذي قاطع في توقيت سابق لأنشطة التكوين المستمر لوزارة العدل والحريات لعدم نجاعتها، الشيء الذي تسبب في إحراج للوزارة مع شركائها الأوربيين، لذا جاء هذا المقترح ردا يستهدف حراك القضاة، وكان الأصح أن يعتبر التكوين المستمر حقا للقاضي وواجبا عليه في الآن ذاته، حيث تلتزم الدولة من جانبها بتوفير الشروط الملائمة للتكوين المستمر للقاضي في مقابل التزامه بالمشاركة في دورات التكوين.5 - إلزام القضاة بالإقامة داخل الدائرة الاستئنافيةعلى خلاف المبدأ الدستوري المستمد من المواثيق الدولية، الذي يكرس الحق في التنقل بكل حرية بما يعنيه من ذلك من حرية اختيار مكان الإقامة، أوجبت المادة 44 من المشروع على القضاة ضرورة إقامتهم في الدائرة الاستئنافية التي يعملون فيها، ولا شك أن التشدد في تطبيق هذا الالتزام، سوف ينعكس سلبا على الاستقرار الأسري والاجتماعي للعديد من القضاة.6- تقييد الرخصة الاستثنائية للقضاة بدون أجر في شهر واحد كل سنتين، حصرت المادة 56 من المشروع مدة الرخصة الاستثنائية بدون أجر في شهر واحد كل سنتين خلافا للقواعد العامة المضمنة في قانون الوظيفة العمومية، علما أن المسودة الأولى للمشروع كانت تنص على مدة سنة كرخصة استثنائية إذا كان الهدف منها التفرغ للبحث العلمي.7- حرمان القضاة من الضمانات التأديبيةتنص المادة 94 من المشروع على أن :»القاضي الذي يتعمد الانقطاع عن عمله، يعتبر في حالة مغادرة العمل، ويعد حينئذ كما لو تخلى عن الضمانات التأديبية المنصوص عليها في القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية».فمن خلال هذه المادة، يلاحظ أن المشروع حرم القاضي المنقطع عن العمل من الضمانات التأديبية المنصوص عليها في القانون. الشيء الذي يشكل خروجا عن مبادئ المحاكمة التأديبية العادلة.وتتيح المادة 89 من المشروع إمكانية توقيف القاضي فورا عن مزاولة مهامه في حال ارتكاب خطأ جسيم، وهو ما يتنافى مع المبدأين 19 و20 من المبادئ الأساسية المتعلقة باستقلال القضاء، وكان حريا تضييق إمكانية توقيف القاضي عن مزاولة مهامه بقرار منفرد وتخويل ذلك للمجلس الأعلى للسلطة القضائية مؤسسة يتعين عليها دراسة ملف القاضي والأفعال المنسوبة إليه، والتي تكون بحكم طبيعتها قابلة للتكييف خطأ جسيم مع مراعاة مبدأ التناسب، وتمتعيه بكافة الضمانات التأديبية.8- الرفع من سن تقاعد القضاة وشرعنة آلية التمديدرفعت المادة 96 من المشروع سن تقاعد القضاة إلى 65 سنة في استباق لصدور قوانين التقاعد الجديدة. ويلاحظ أن المشروع أبقى على إمكانية تمديد سن تقاعد القضاة لما بعد 65 سنة، لمدة سنتين قابلة للتجديد مرة واحدة تلقائيا، وليس بناء على طلب، وهو ما يعني إمكانية وصول سن تقاعد القضاة إلى 69 سنة. وكان من الأفضل جعل الاستمرار في العمل بعد سن الستين اختياريا لمن رأى في نفسه القدرة على مزيد العطاء المهني.بقلم: د. أنس سعدون **عضو نادي قضاة المغرب عضو المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية

مؤشرات مقلقة في مشروع النظام الأساسي للقضاة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مختصرات

عاطر يمحو الصورة القاتمة لسيدي مومن

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات