قراءة في حكم إلغاء انتخاب نقيب هيأة المحامين بمراكش

الحكم المدني لا يفقد الإنسان حقوقه المدنية وغير مانع من أهلية الترشح(1/2) صدر عن محكمة الاستئناف بمراكش حكم عدد 535/2015 بتاريخ 11 فبرايــــــر 2015 ، وقضى بإلغاء انتخاب الصباري محمد نقيبا لهيأة المحامين لدى محكمة الاستئناف بمراكش. هذا الحكم سيثير الجدل ولا شك أنه سيفتح شهية الأقلام المتعطشة للنقد والتحليل في مثـــــــل هذه النوازل. وأريد في هذه المداخلة المتواضعة أن أدلي بدلوي بكل موضوعية ونزاهة وتجرد، سالكا طابع التفسير والتأويل حسب رأيي وتقديري والرأي الآخر، هو الذي سيصدر حكمه بالاستحسان والتأييد أو المعارضة والانتقاد . وقائع النازلة تتلخص في أن الوكيل العام تقدم بطعن في انتخاب محمد الصباري نقيبا للهيأة معتمدا في ذلك على المادة 86 من قانون المحاماة. وأنه من الشروط الواجب توفرها أن لا يكون المترشح لذلك محكوما عليه أو متابعا في قضية تمس الشرف والمروءة وأنه سبق لنقيب هيأة المحامين بمراكش أن أصدر قرارا بتاريخ 14/1/2009 تحت عدد 11/09 بمتابعة الأستاذ محمد الصباري من أجل ارتكابه المخالفات التالية: ـ عدم التقيد بمبادئ الاستقلال والتجرد والنزاهة والكرامة والشرف وما تقتضيه الأخلاق الحميدة.ـ عدم احترام مؤسسة النقيب.ـ عدم احترام أعضاء مجلس الهيأة.وهي المخالفات المنصوص عليها في المادة 3 من ظهير 20/10/2008 المنظــــم لمهنـــــــة المحاماة وبعض مواد القانون الداخلي، وأنه توبع من أجل أفعال تمس الشــــرف والكرامة يجعــــــــل أحد الشروط المطلوبة لانتخابه نقيبا مختلا طالبا التصريح بإلغاء انتخابه. فقضت المحكمة بإلغاء انتخابه نقيبا. وبصرف النظر عن الجوانب الشكلية وتطهير المسطرة في مرحلة الترشح التي أثيرت أثناء المناقشة، فإن الفصل في الموضوع محسوم في المادة 86 من قانون 20/10/08 المنظم للمهنة ـ الفقرة الثالثة والرابعة ـومحكمة الاستئناف ذهبت في تأويلها ولا أقول في تفسيرها للفقرتين المذكورتين مذهبا خاطئا بكل المعايير. (التفسير يكون على سبيل القطع والتأويل على سبيل الظن).ونظرا إلى أن النص الذي يعالج الموضوع المادة 86 في فقرتيها الثالثة والرابعة مصوغ باللغة العربية، فإن فهم النص كما يقول الفقهاء يتوقف على مراعاة أساليب اللغة العربية وطرق الدلالة فيها على المعاني، وما تدل عليه ألفاظها مفردة ومركبة، وهي الطريقة التي سأنهجها في هذا البحث.من المعلوم أن الحكم الذي تقرره القاعدة القانونية يعرف من عبارة النص أو إشارة النص أو دلالة النص، أو دلالة اقتضاء النص بتقدير لفظ لابد من تقديره، وهذا ما تقول به المدارس الفقهية، فالعلامة الدكتور سليمان مرقس في كتابه شرح القانون المدني، الجزء الأول، «المدخل في بحث تفسير النصوص التشريعية لدى مدرسة الشرح على المتون»، قال : إن هذه الأخيرة ترى أن التفسير يجب أن يتجه إلى الكشف عن نية الشرع من واقع النص ذاته ومعاني ألفاظه ومفرداته مع أعمال قواعد اللغة والمنطق واستخلاص المعنى يكون من عبارة النص أو إشارة النص أو دلالة النص ...يقول الدكتور رمسيس بهنام هو الآخر في كتابة : «الجريمة والمجرم والجزاء»، لدى شرحه تفسير القاعدة الجنائية قال : «القانون الوضعي يتضمن من ناحية تفسيره إحالة ضمنية إلى مبادىء اللغة والنحو والمنطق التي يلتزمها العقل الإنساني في تحديد مضمون فكرة الغير المعبر عنها بألفاظ.».كما أن العلامة الدكتور عبد الفتاح عبد الباقي في كتابة : «نظرية القانون» قال بــــدوره ما تقول به مذاهب الأصوليين أي عبارة النص وإشارة النص ودلالة النص ...وبما أن الفقرة الثالثة والرابعة من المادة 86 المذكورة أعلاه هما الحسم في النزاع فلنقف عندهما وقفة تأمل وشرح وتحليل بناء على أساليب اللغة وطرق دلالتها.ولأجل استخلاص المعنى بصورة جلية من الفقرتين المشار إليهما، لا بد من بيان مفهوم الفقرة عند أهل اللغة وبصفة خاصة في لغة القانون.نعم، من المعلوم أنه في كل موضوع فكرة عامة تشمله وداخل الفكرة العامة أفكار جزئية، تؤلف مفهوما خاصا يستقل بذاته، وهو مع ذلك مرتبط بالموضوع العام، والفكرة الجزئية تسمى: فقرة وكل جزء من الفقرة جملة هذه الأخيرة يسميها الفقه والقضاء «مقطعا» .إذن الفقرة الثالثة من المادة 86 تنص : « أن لا يكون قد صدرت في حقه عقوبة تأديبية « .واضح أن هذه الفقرة تتعلق بالمجال التأديبي، وقلنا إن الفقرة تؤلف مفهوما خاصا. وحجتنا على أنها تخص مؤسسة النقيب عبارة النص : وهذه الأخيرة كما عرفها الدكتور سليمان مرقس في المرجع السابق، قال عبارة النص : «هي صبغته المكونة من مفرداته وجمله وتسمى المعنى الحرفي للنص». فلفظـــا «عقوبة تأديبية « وهما من مفردات نص الفقرة الثالثة لا تصدر إلا عن مؤسسة النقيب. والمشرع هنا اشترط في المانع من الأهلية صدور العقوبة لا مجرد المتابعة فلو قصد هذه الأخيرة لنص عليها في هذه الفقرة وهي المكان الطبيعي المناسب لها ولم تغب عن باله اذ ورد لفظ المتابعة التأديبية في المــواد 64 و65 و66 و67 ... من القانون نفسه.وبدليل النص عليها في الفقرة الرابعة الخاصة بالميدان الجنائي وعلى القاضي هنا أن يطبق المبدأ الشهير « إذا نطق القانون سكت القاضي « أي على هذا الأخير أن لا يتحول إلى مشرع بخلق قاعدة قانونية، لم يقل بها مشرعه .( أي انتفاء الحكم ما عدا العقوبة التأديبية).فالفقرة الثالثة نصت على العقوبة التأديبية، والقانون هنا خاص لا يجوز التوسع في تفسيره .كما أن الفقرة الرابعة من المادة 86 تنص : «أن لا يكون محكوما عليه أو متابعا في قضية تمس بالشرف والمروءة». فهذه الفقرة تتعلق بالميدان الجنائي يستفاد ذلك من اقتضاء النص وإشارة النص . فلفظ محكوما عليه يقتضي الحكم الجنائي لأن الحكم المدني بأداء الكراء أو النفقة ... لا يفقد الإنسان حقوقه المدنية وغير مانع من أهلية الترشح ولا يدخل في خانات بطائق السجل العدلي المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية. كما أن مقطع « أو متابعا في قضية تمس بالشرف والمروءة « المقصود بها متابعا جنائيا وذلك بالدليل القطعي وهو دلالة الإشارة. فورود هذا المقطع في الفقرة الرابعة الخاصة بالميدان الجنائي إشارة واضحة تعني المتابعة الجنائية لأن المكان المناسب لها هو هذه الفقرة فلو أراد المشرع المتابعة التأديبية لنص عليها في الفقرة الثالثة الخاصة بمؤسسة النقيب.بالإضافة إلى السياق العام لنص الفقرة الرابعة، فالمشرع حينما قال : «أن لا يكون محكوما عليه» لا يلزم أن يأتي بوصف «جنائيا» لأن هذا من البديهيات، «فلفظ محكوما عليه» لا يعني إلا الجنائي ولا يتصور الحكم المدني، لأنه غير مانع ولذلك يكون في غنى في وصف اللفظ ب «جنائيا» كذلك مقطع أو متابعا فالمقطع الأول حذف فيه الوصف «جنائيا» والمقطع الثاني معطوف على الأول، والمعطوف هنا يتبع المعطوف عليه في أحواله، فلو قال : أن لا يكون محكوما عليه جنائيا أو متابعا جنائيا يعاب عليه أنه صرح باللازم المفهوم ضمنا، ويفقد النص سلاسته بتكرار الكلمات أو تنافرها، علما أنه في لغة القانون تأتي النصوص التشريعية عادة وجيزة مركزة، يبقى للفقه والقضاء الشرح والتحليل.زد على ذلك الحجة العقلية المقررة عند المناطقة وهي البرهان المقدمة الأولى من مقدماته «الأوليات»، وهي التي لا يتوقف حكم العقل فيها على الاستعانة بحسي أو غيره بل بمجرد تصور الموضوع يحكم العقل فيها أي الضروريات البديهيات يعبر عنها «منطقا وعقلا» أي إقرار نوع من الحجة تولد اليقين في النفس، وبالتالي فإن الإجماع القائل بأن المشرع لو قصد المتابعة التأديبية لنص عليها في الفقرة الثالثة، هذه المقولة هي حجة عقلية تؤطرها قاعدة منطقية وهي المقدمة الأولى المذكورة أعلاه «الأوليات». مثل السلطة التقديرية هذه الأخيرة يرددها الفقه والقضاء باستمرار وبقوة ، هي بدورها حجة عقلية تؤطرها قاعدة منطقية وهي مقدمة البرهان الثانية (المشاهدات)، هذا اللفظ لا يعني المعاينات، بل معناه المشاهدات بالحواس الباطنة، أي الوجدانيات يصطلح عليه في الفقه والقضاء بضمير ووجدان القاضي. بقلم: علي وهبي **محام بهيأة مراكش

قراءة في حكم إلغاء انتخاب نقيب هيأة المحامين بمراكش

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مختصرات

مرزوكة ترقص على إيقاع موسيقى العالم

مقالات ذات صلة