التنازل بوابة مشرعة للإفراج عن المتهمين

ضحية رفض التنازل عن شكايته فنال وابلا من عبارات السب والتهديد رغم أن تنازل الضحية عن شكايته، لا يسقط الدعوى العمومية ولا يبرئ ذمة المتهمين، فإن متقاضين وأقاربهم يعتقدون أن فيه خلاصا من المتابعة وبابا تشرع للإفراج عنهم. لذلك لا يتوانوا في استعمال كل الطرق والوسائل، للحصول عليه والضغط على الضحايا وتهديدهم. عدم تنازل ضحية شبكة إجرامية تحاكم أمام ابتدائية فاس، كاد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، بعدما تلقى تهديدا صريحا بالذبح من قبل متهم داخل القاعة قبل أن يتواصل التهديد ولغة الوعيد خارجها، في مشهد يكاد يتكرر في عدة مناسبات بين أقارب متورطين في جنح مختلفة وضحاياهم من الجنسين. هدوء مشوب بالحذرلا مكان بالقاعة الثانية بالمحكمة الابتدائية بفاس، لموضع قدم حتى بين كراسيها الخشبية المتراصة في 3 صفوف متلاصقة، بعد أن عجت بحضورها إلى حد الاختناق في جلسة زوالية مشحونة مألوفة كل اثنين، عكس ما عليه الوضع بباقي القاعات الثلاث الفارغة أو المحكمة الإغلاق في انتظار جلسات ملفات عادية. هدوء مشوب بالحذر يعمها. نساء وفتيات حجزن مبكرا الصفوف الأمامية، وأعناق شباب مرسومة على وجوههم سمات طبقاتهم الاجتماعية، تتطلع من آخر القاعة، للتملي بطلعة أقاربهم المعتقلين، قادمين من «لاكاب»، في انتظار مصائر تحددها طبيعة وحجم ملفات جنحية متابعين فيها.أدخل المعتقلون مثنى وفي مجموعات، بينهم فتاتان وتبادلوا التحايا مع أقاربهم بإشارات أو بعبارات مؤثرة، فيما بدا بعضهم مزهوين يتبخترون في مشيتهم وقد ارتدوا «أشيك» الملابس والأحذية غير مبالين بما ينتظرهم ومعاناة أسرهم التي «تقتطع» من لحمها ومصروفها لتوفر لهم «قفة» مثقلة للكاهل. حوار البكم بين المعتقلين المصطفين على كراسي قريبة من مقعد ممثل الحق العام، وأقاربهم، تواصل بعد الشروع في البت في 40 ملفا جنحيا تلبسيا مبرمجة في تلك الجلسة، وتتعلق بالضرب والجرح ومسك المخدرات وتسهيل استعمالها والسكر العلني ومحاولة السرقة وعدم توفير مؤونة شيك. الذبح لمن لا يتنازلتباعا كان القاضي يطوي الملفات واحدا تلو الآخر. ومع تأجيل النظر في كل ملف، تتنفس القاعة منفرجة بمغادرة بعض المحشوين فيها من «ضيوف» حشدوا الدعم العائلي لمتهمين بعضهم تكشف سحناتهم ووجوههم الشاحبة، سوابق قضائية لا يحتاج القاضي إلى جهد مضن لقراءتها وفك شفرتها. بعد نحو ساعة من التئام هذه الجلسة، جاء الدور على 4 شباب معتقلين متهمين بالسكر العلني والتهديد بالسلاح والسرقة وإلحاق خسائر مادية بملك الغير وإهانة الضابطة القضائية، في ملف أرجئ البت فيه إلى 30 مارس، قبل أن يلتمس لهم دفاعهم السراح المؤقت ولو بكفالة مالية، مراعاة لتنازل عدة ضحايا.ممثل النيابة العامة عارض الملتمس اعتبارا لخطورة الأفعال التي تورطوا فيها، في لحظة تدخل فيها حراس الأمن لإخراج شباب حلقوا رؤوسهم بطريقة غريبة لإثارتهم ضوضاء بتحركاتهم، من القاعة، ما لم يستسيغوه قبل اقتياد أحدهم جمع شعره على شكل «قبعة»، للمثول أمام رئيس الهيأة الذي أمر بإخراجه. إخراج المتهمين من القاعة رافقه سلوك غريب لأحدهم أومأ لشاهد رفض التنازل عن شكايته، بالذبح قبل أن يتلفظ بكلمات لم يخف فيها رغبته في الانتقام منه في حال إصراره على متابعته، في اللحظة التي لفظت فيها القاعة غالبية حضورها من «أنصار» هذه الشبكة التي سقط ضحيتها عدة أشخاص. قنبلة قابلة للانفجارلم تنته فظاعة هذا المشهد بكشف متهم عن تلك الإشارة، بل استمر التشنج إلى خارج بناية المحكمة وفي سلالمها وقبالتها بشارع سان لوي بحي الأطلس، خاصة بين المشتكين وأفراد عائلات المتهمين خاصة النساء منهن اللائي كن أكثر إثارة للفوضى والبلبلة بشكل كاد ينتهي على إيقاع الدم المتدفق.من سلة «القاموس الزنقوي» انتقى المتلاسنون ألفاظا يندى الجبين بذكرها، بشكل فرض تدخل شرطي لإبعاد شباب متهور من أمام الباب الرئيسية الداخلية للمحكمة، دون أن يسلم من طاغوتهم، فيما تواصلت تهديدات النساء للشاهد الممتنع عن التنازل، بشكل حول محيط المحكمة، إلى قنبلة قابلة للانفجار.تلك النساء من لا تعلمن من قواميس التقاضي إلا «سراح» و»مداولة»، اعتقدن خطأ أن تنازل الضحية الذي تشبث بحقه في سرد حقيقة الوقائع كما حدثت حتى ولو اضطر إلى التنازل، بوابة ستشرع للإفراج عن أقاربهن المرتكبين لأفعال خطيرة، دون أن تدرين أنه «ما في كل مرة تسلم الجرة».ولاعتقادهن الخاطئ كن مستعدات لكل شيء من أجل إجبار الشاب على تقديم تنازل كتابي، ما أجج غضبه بعد أن هادنهن في بادئ الأمر، إلى حد شروعه في صراخ هستيري صائحا «واش حساب ليكم حنا كوكويات»، قبل أن تتوعده إحداهن بنصب كمين للإيقاع به أو تسخير شباب للانتقام منه.ترهيب وترغيب وإكراهالكثير من ضحايا سرقات واعتداءات بالسلاح الأبيض، يضطرون إلى التنازل لفائدة جلاديهم وناهبي ممتلكاتهم، تحت الإكراه والترغيب والترهيب، ما يمكن معاينته في عدة جلسات يتخلف عنها شهود خوفا على أرواحهم أو انتقام محتمل، أو يحضرون مكرهين لإعلان تنازلهم الشفاهي أو الكتابي. ويبقى الحق العام مكفولا حتى في حال التنازل في بعض الأفعال الجرمية والجنايات والجنح، رغم أن الحصول على أكبر عدد من التنازلات، أو «التبرئة»، يعتبره الدفاع قنطرة للتخفيف عن موكله أو جعل عقوبته أخف، فيما يفوت الأمر فرصة نيله العقاب الضروري الرادع له ولسلوكياته المشينة.وبغض النظر عما كان التنازل مجانيا أو بمقابل مادي أو تحت التهديد والإكراه، فإن اللجوء إليه قد يفوت على القضاء فرصة معاقبة الجاني بالعقوبة السالبة لحريته، خاصة في بعض الحالات التي تسقط فيها المتابعة بمجرد سحب المشتكي شكايته التي قدمها في مواجهة المتهم المعتقل احتياطيا. وترى المصادر أن تنازل الضحية يهدر مجهودا بذل قبل إيقاف المتهم وفي سائر مراحل استنطاقه تمهيديا وأمام النيابة العامة والمحكمة، ما يشجع بعض المتهمين على التمادي في سلوكياتهم التي تمس سلامة الأشخاص والممتلكات في غياب الوازع الأخلاقي والرغبة في «التوبة» الموازية ل»عفا الله على ما سلف».حميد الأبيض (فاس)

التنازل بوابة مشرعة للإفراج عن المتهمين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مطلب مجلس الدولة أمانة بين يدي البرلمان

استنفار بسجن طنجة بسبب "فيسبوك"

مقالات ذات صلة