حفيظة ورقية وكلثوم، ثلاث نساء يعشن في البيضاء. الأولى تقترب من عقدها السادس، والثانية أتمت الخامس، والثالثة عمرها 30 سنة. والقاسم المشترك بينهن، أن ظروفا في الطفولة، حالت دون مرورهن من المدرسة. ورغم أنهن ربات بيوت وأمهات لأبناء، فشمعة الأمل في استدراك ما ضاع لم تنطفئ يوما، بل زادت توقدا، لما حللن بالمدينة المليونية "كازابلانكا"، حيث إيقاع الحياة سريع، ولمواكبته لا بد من إدراك كيفية "فك الخيوط وتمييز الأرقام" على الأقل.الساعة تشير إلى السابعة مساء، والنساء الثلاث، يوجدن الآن في مدرسة للا أمينة الموجودة بزقاق متفرع عن زنقة سمية الشهيرة بحي درب غلف الشعبي، وسط البيضاء. ويستفدن من برنامج تعليم كبار السن، الذي تسهر عليه جمعية التحدي للبيئة، في إطار برنامج محو الأمية الذي أقرته وزارة التربية الوطنية منذ سنوات خلت. أما من يسهر على تلقينهن الحساب وقراءة الوثائق باللغة الرسمية، فليس سوى لطيفة، ابنة رقية، مدعومة بمتطوعات ومتطوعين آخرين، من أبناء الحي، وأغلبهم طلبة جامعيون أو حاملون لشهادة الإجازة. فما الذي أيقظ حماس النسوة وإلى ماذا يسعين تحديدا؟بالنسبة إلى حفيظة الكوير، ربة بيت أسرة بسيطة تتكون من الزوج وثلاثة أبناء، رغبة التعلم، لم تفارقها منذ طفولتها في بادية إقليم آسفي، وظلت تمني النفس بالحصول على فرصة، غير أنها ترددت في البحث عليها. وكان لابد من حدث فارق، لاتخاذ القرار، والظفر بالفرصة."بقى في الحال بزاف"، تقول حفيظة، وهي تسترجع لحظة انتظارها لابنتها الصغرى، أمام روض للأطفال حتى تعود معها نحو المنزل، فمر من هناك، موزع لمطويات إعلانية، وسلمها واحدة. وعلى عكس نساء شابات كن بقربها، لم تتمكن من قراءة وفهم مضمون الورقة. ومنذ ذلك الحين قررت الانضمام إلى أول مركز لمحو الأمية، تصادفه في طريقها.وغير بعيد عن حفيظة، تجلس رقية العسري، داخل القسم حيث يتلقيان دروسهما، وحيث قرر أعضاء جمعية التحدي، أن تكون الحصة مفتوحة لتبادل الحديث عن أهم المواضيع التي تستأثر بالنقاش العمومي لمناسبة الإعداد لتخليد0 اليوم العالمي للمرأة للسنة الحالية. وتحكي رقية، لزميلاتها، جوابا عن استفسارات "الصباح"، أن حافزها للانضمام إلى المركز، إهانة تعرضت لها في مركز للشرطة."مشيت نجدد بطاقتي للتعريف الوطنية، ولما انتهت الشرطية من عملية أخذ البصمات بعدما تحققت من الوثائق التي سلمتها، زودتني بقلم بغرض التوقيع، ولا شك أنكم تعرفون الارتباك الذي يصاب به من يمسك قلما لأول مرة، وبصعوبة خططت دائرة على الورقة"، تسترسل رقية، عاملة النظافة المتحدرة من تارودانت، مضيفة: "لكن ما حز في نفسي هو النظرات الساخرة للشرطية، علما أنها، يا حسرة، امرأة مثلي".أما كلثوم، الزوجة الثلاثينية التي مهمتها الوحيدة هي الاعتناء بطفلين وأبيهما، فقد ترعرعت في بادية سوس، ثم جاءت بها لقمة عيش زوجها إلى العاصمة الاقتصادية، تقول إن حافزها في ولوج مركز تعليم الكبار، هو أن أطفالها، شرعوا يطلبون منها، مساعدتهم في واجباتهم الدراسية، مؤكدة على أنها تنوي، الذهاب إلى أبعد مدى، ومنها برنامج ما بعد محاربة الأمية، والذي يقترح الانخراط في ورشات لتعلم حرف تقليدية.ولا تخفي النسوة الثلاث، سعادتهن وسرورهن هذه الأيام، لأنهن بدأن يتلمسن نور العلم، وبدأت أولى الثمار تقطف، إذ أن حفيظة، التي تحترف "الطرز" في ورشة داخل بيتها، صارت تعتمد المقياس المتري في تقطيع الثوب، وتميز الشبر بالسنتمتر، كما أن زميلاتها، صرن يستخدمن لوحة المفاتيح على الهاتف، ويحررن بها الرسائل القصيرة.وليست دروس الحساب والقراءة وحفظ أذكار الصلاة، وحدها ما تستفيد منه تلك النساء، بل يؤكدن أن الجمعية، مكنتهن من ورشات حول حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية، وعن تنظيم النسل، فأكدت، واحدة، أنه كان من الممكن أن تزوج ابنتها القاصر، لكن بفضل تلك الورشات، صارت تعارض الفكرة.امحمد خيي