في الوقت الذي يؤكد فيه وسيط المملكة بأن الإدارة الترابية أخذت نصيب الأسد في توزيع حصيلة الشكايات، أعلن بحث أجرته المندوبية السامية للتخطيط أن الأسر المغربية أعربت عن انطباع إيجابي تجاه جودة الخدمات الإدارية خلال 2024. ولم تمض إلا ساعات قليلة عن عرض الوسيط، الذي سجل أن ترتيب القطاعات المعنية شهد تنوعا بسيطا، إذ استمر قطاع العدالة في احتلال الرتبة الأولى في ملفات التوجيه، بما مجموعه 1012 شكاية، بينما احتل قطاع الداخلية الرتبة الأولى في ملفات التظلمات، بما مجموعه 1447 تظلما، حتى قدمت المندوبية ما يفيد العكس. لا بد أن هناك تباينا في اختيار العينات المحصية، إذ كيف قارب عدد المشتكين والمتظلمين من تعامل الإدارة الترابية عتبة 1500، في حين تتحدث المندوبية في مذكرتها الإخبارية الأخيرة وهي تعرض نتائج البحث الدائم حول الظرفية لدى الأسر، عن تصريح 55.8 في المائة من الأسر بتحسن جودة الخدمات الإدارية، وأن 17.4 في المائة فقط هي التي ترى عكس ذلك. ويبدو أن حصيلة المندوبية تذهب في اتجاه الإفصاح عن وجود تقدم بطيء على طريق الإصلاح، عندما خلصت في نهاية مذكرتها أن رصيد الآراء المستطلعة سجل تحسنا ما بين 2023 و2024، انتقل من 36.3 نقطة إلى 38.4 نقطة، ضاربة المثال على ذلك بتجويد حماية البيئة، في إشارة إلى 47.7 في المائة من الأسر صرحت بوجود تحسن، فيما اعتبرت 18.9 في المائة أنه تراجعت خلال 2024. أما بخصوص خدمات التعليم فقد حدث العكس تماما، إذ قلل الوسيط من نسب المشتكين منها، عندما وضع قطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في الرتبة الثالثة بـ 571 تظلما، وكشفت المندوبية بأن 57.9 في المائة من الأسر تصر على أن تلك الخدمات تدهورت، مقابل 18.1 في المائة رأت أنها تحسنت. وفي الاتجاه المعاكس ذهبت المقارنة بين أرقام وسيط المملكة وأرقام المندوبية السامية للتخطيط بالنسبة إلى قياس جودة خدمات الصحة، إذ صرحت 61.2 في المائة من الأسر أنها قد تدهورت خلال 2024، فيما رأت 12.4 في المائة أنها تحسنت. لكن أكثر الأرقام دلالة وبعدا عن التناقضات هي تلك المتعلقة بوضعية حقوق الإنسان، بالنظر إلى تصريح 35.8 من الأسر بتحسنها مقابل 19.6 في المائة يقرون بأن الوضع مازال على حاله. ولن يتغير الحال إلا إذا توحدت معايير الرصد والتتبع، وأصبحت توصيات وأرقام مؤسسات الحكامة ذات طبيعة ملزمة، يفترض أن تتعامل معها الإدارات على أنها دليل ومنهاج ترسمه آراء المواطنين.