يحظى معرض "المغرب الوسيط، إمبراطورية من إفريقيا إلى إسبانيا"، برعاية صاحب الجلالة الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في الوقت الذي أشرفت صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم رفقة الرئيس الفرنسي على تدشين مرحلته الأولى بالعاصمة الفرنسية باريس، وهو الحدث المنظم من قبل المؤسسة الوطنية للمتاحف بشراكة مع متحف اللوفر.وسيعيش سكان وزوار الرباط على إيقاع الإبداع الفني التاريخي الذي يبرز مختلف المحطات التي ميزت المملكة، من خلال هذا المعرض، الذي سيقام ابتداء من يوم غد (الثلاثاء) إلى غاية فاتح يونيو المقبل، إذ يرتقب أن يكون محط انتباه مجموعة من المثقفين والمؤرخين المغاربة والأجانب، لما يضمه من تحف ومسكوكات تؤرخ لحقب متتالية تعاقبت على حكم المغرب. إعداد: ياسين الريخ مرحلة ازدهار الغرب الإسلامي حضور المغرب الثقافي بفرنسا، شكل الحدث الأبرز في الفترة بين 17 أكتوبر و19 يناير الماضيين، من خلال معرض "المغرب الوسيط: امبراطورية من إفريقيا إلى إسبانيا"، الذي أشرفت على تدشينه صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم، وهي التظاهرة المنظمة من قبل متحف اللوفر بشراكة مع المؤسسة الوطنية للمتاحف، التي اعتبرته حدثا غير مسبوق يهدف إلى النهوض بالثقافة باعتبارها رافعة للتنمية، واقتسام المعارف وتحقيق التقارب بين الشعوب والأمم، إذ ضمت أكثر من 300 عمل وتحفة فنية تعكس الإنجازات التي حققها المغرب على عهد المرابطين والموحدين والمرينيين في مجالات الهندسة المعمارية والخزف والنسيج وفن الخط وإنتاج الكتب.وفتح المعرض أمام الجمهور، "كنزا" من المكتبات والمتاحف سيما أبواب المساجد التي تكتسي دلالة رمزية وروحية، وخاصة المنابر التي لازالت تستعمل إلى حد الآن، أو الثريا الضخمة لجامع القرويين.ومنح المعرض الجمهور اكتشاف مسار الفترة بين القرن الحادي عشر والقرن الخامس عشر، وهي مرحلة ازدهار الغرب الإسلامي، التي تعاقب فيها على الحكم المرابطون والموحدون والمرينيون، ووحدوا منطقة واسعة تضم أجزاء من إفريقيا جنوب الصحراء والأندلس والمنطقة المغاربية، كما عملت التظاهرة على التعريف بأن المغرب اختار منذ تأسيس الدولة الإدريسية في استقلال تام عن المشرق، إسلاما معتدلا، يقوم على المذهب المالكي والفكر الصوفي، وهي الأسس التي تشكل الهوية السياسية والروحية للمملكة.وقال مدير معهد اللوفر جان لوك مارتيز، في كلمة له لمناسبة انطلاق المعرض، إنه يكتسي طابعا استثنائيا، نظرا إلى محتواه، إذ يسلط الضوء على مرحلة مؤسسة من تاريخ المغرب، مشيرا الى أن هذه التظاهرة تشكل فرصة للفرنسيين للتعرف على غنى التراث المغربي. للامريم: الثقافة ينبغي أن تظل عاملا لنشر السلام أكدت صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم، أن الثقافة ينبغي أن تظل، كما كانت دائما في جوهرها الأكثر إنسانية، عاملا أساسيا لنشر السلام والتقارب بين المجموعات الإنسانية، يتجاوز الخلافات السياسية، ويتصدى للنزعات المتطرفة ومحاولة الانغلاق على الذات.وأبرزت الأميرة للا مريم، في كلمة خلال مراسم افتتاح المعرض الحدث حول "المغرب المعاصر" بمعهد العالم العربي بباريس، أن "الثقافة ليست ترفا، ولا أولوية تضعها الإكراهات الاقتصادية أو المالية في الرتبة الثانية"، مشيرة إلى أنها توجد في صلب كل مشروع مجتمعي يضع الانفتاح والتقدم والكرامة الإنسانية على رأس القيم التي تقوده.وقالت سمو الأميرة إن "مبادرات كتلك التي نقوم بها اليوم تعد بمثابة مصل مضاد لا مناص منه لظواهر انعدام الأمن الثقافي والانغلاق على الذات التي تعرفها مجتمعاتنا في شمال المتوسط كما في جنوبه".وأكدت للا مريم "بما أننا مقتنعون بأن الثقافة تعتبر أحد المكونات الأساسية لتحقيق تقدم كل المجتمعات، فإننا نشجع ونستثمر في المغرب في مجال الفنون، والحفاظ على التراث، وفي الإبداع بأشكاله الأكثر تنوعا"، مبرزة أن المغرب وفرنسا "مرتبطان بمسار تاريخي مشترك وبتقاربات إنسانية وودية كثيفة جدا، ويوجهان اليوم هذه الرسالة التي نتطلع من خلالها أيضا إلى إسماع صوت إفريقيا، وإبراز ثقافتها الغنية". وأكدت الأميرة، من جهة أخرى، أن معرضي "المغرب المعاصر" و"المغرب الوسيط" بمتحف اللوفر يعدان من بين أهم المعارض التي تخصص للمشهد الفني والثقافي لبلد أجنبي، مشيرة إلى أن هاتين التظاهرتين ستسهمان "من خلال النفس الذي تحملانه، طيلة الأربعة أشهر المقبلة، في جدلية خصبة من ربط الوسيط بالمعاصر، وإعادة ربط المغرب بأسلافه وشبابه عبر صلات وصل حضارية بارزة"، مبرزة أن الأعمال الفنية والإبداعات المغربية المعروضة اليوم بباريس، تشكل صدى للمشاريع التي أنجزها المغرب أخيرا، والرامية إلى تثمين الرأسمال غير المادي للبلاد، وتوسيع الولوج إلى الفنون والموروث الثقافي، مشيرة إلى أنه في هذا الخضم، يندرج إطلاق بنيات تحتية ثقافية ضخمة مثل المتحف الجديد للفن الحديث والمعاصر، والمسرح الكبير للرباط.وأشادت سموها بالفنانين الذين تم اختيار أعمالهم، والذين سيكونون طيلة الأشهر المقبلة سفراء للإبداع المعاصر والحديث بالمغرب. معرض لإبراز الخصوصية المغربية التظاهرة استقطبت 170 ألف متفرج في مرحلتها الأولى بباريس يحتضن متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط، المرحلة الثانية من معرض "المغرب الوسيط، إمبراطورية من إفريقيا وإسبانيا"، بعد نجاح مرحلته الأولى بباريس التي استقطبت 170 ألف شخص حسب إحصائيات اللجنة المنظمة، تمكنوا من اكتشاف معالم من التراث المغربي عبر مراحل تاريخية مختلفة.ويعد المعرض الذي يكرس استمرارية الخصوصية المغربية القائمة على إسلام الأنوار وإرادة الانفتاح، حسب اللجنة المنظمة، مشروعا ثقافيا غير المسبوق، يسمح للزائر الأجنبي بالاطلاع على صفحات مهمة من تاريخ المغرب ويعينه على الفهم الجيد لحاضره، فإنه يشكل للمغاربة أيضا فرصة سانحة للعناية بتراثهم وإيلائه الاهتمام اللازم والعمل على ترميمه والحرص على صيانته وحفظه. كما يمكن المملكة من الانخراط في تطوير مجال التحافة لتربية الأجيال على تذوق الفنون وعلى ثقافة المتاحف حفظا للذاكرة التاريخية والهوية الوطنية.ويندرج المعرض أيضا، ضمن الإنجازات الملكية التي تهم صيانة التراث المكتوب والمنقول مساهمة في حفظ الذاكرة المغربية، من خلال إحداث مجموعة من المؤسسات، من بينها المكتبة الوطنية للمملكة ومؤسسة الأرشيف الوطني، كما عرفت مديرية الوثائق الملكية تنظيما جديدا فضلا عن تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والمعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، ومتحف محمد السادس الوطني للفنون المعاصرة، ومنشآت أخرى ساهمت في تعزيز الصورة الثقافية المغربية المستمدة من روافد متعددة.ويمنح المعرض لزواره تكوين رؤية على هذه المرحلة من تاريخ المملكة، سياسيا عبر إبراز عراقة المغرب باعتبارها دولة ترتكز على هوية سياسية ابتدأت منذ العهد الإدريسي إلى اليوم، وفكريا من خلال إبراز دور المغرب منارة علمية أنتجت العديد من المؤلفات في مجالات علمية مختلفة كالطب والصيدلة والفلاحة والفلك والرياضيات وغيرها في زمن كانت فيه العلوم تتحدث باللغة العربية، وكان فيه العالم اليهودي إلى جانب المسيحي والمسلم يشاركون جميعا في صنع هذا العهد المعروف بالعهد الذهبي.وللمساهمة في إشعاع التظاهرة يتم التركيز على تأثير الفلسفة الإسلامية على فلاسفة الغرب المسيحي، خصوصا مع تعليقات ابن رشد التي عرفت بفكر أرسطو بأوربا، مشيرة الى أن هذه المبادلات مكنت من مد الجسور بين عالمين ثقافيين مختلفين وشق الطريق نحو حوار بين ضفتي المتوسط.ويدعو زواره إلى عبور الفترة الممتدة بين القرنين 11 و15، التي عرفت كتابة جزء مهم من تاريخ العالم الإسلامي، إذ يقدم هذا العرض الكرونولوجي رؤية بانورامية تجاه فترة محددة من تاريخ المغرب، والتي تشكلت إثرها الدولة المغربية الجديدة المستقلة عن الخلافة بالمشرق في العهد الإدريسي، والتي تجذرت بتأسيس العاصمة فاس. مواكبة إعلامية وطنية وعالمية كبريات الصحف الفرنسية تثني على التظاهرة حظيت المرحلة الأولى من معرض "المغرب الوسيط التي أقيمت في الفترة بين 17 أكتوبر و19 يناير الماضيين، بمواكبة إعلامية وطنية وعالمية كبيرة، ساهمت في إشعاع هذه التظاهرة الوطنية المنفتحة على الخارج.وأفردت القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية الوطنية مجموعة من الربورتاجات والتقارير التي سلطت الضوء على جوانب مهمة من هذه التظاهرة، في الوقت الذي خصصت وكالة المغرب العربي للأنباء قصاصات يومية لنقل أصداء المعرض، كما واكبت الصحف الوطنية والمواقع الإلكترونية المناسبة التي تعتبر من أهم المواعيد الثقافية الوطنية في العالم خلال العشرية الأخيرة.وعلى الصعيد الدولي، خصصت كبريات الصحف والمنابر الإعلامية الفرنسية والدولية عددا من المقالات والربورتاجات لهذا المعرض، إذ نشرت إذاعة "إر تي إل" الفرنسية، في موقعها على الأنترنت، أن معرض "المغرب الوسيط"، يعتبر أول تظاهرة من نوعها تسلط الضوء على العصر الذهبي للمملكة، كما ساهمت في تقديم غنى المغرب وتنوعه، من خلال عرض خمسمائة تحفة، تبرز جوانب من الثقافة المغربية غير معروفة بفرنسا.وأضافت المحطة الإذاعية أنها المرة الأولى التي يتم خلالها التركيز بفرنسا على العصر الذهبي للمغرب، انطلاقا من القرن الحادي عشر الى القرن الخامس عشر، مذكرة بأنه لم تنظم، منذ سنة 1900، سوى القليل من المعارض الكبرى حول المغرب بفرنسا، كما أن الأعمال الفنية المغربية غير ممثلة بالقدر الكافي في المتاحف الفرنسية ومنها متحف اللوفر. من جهتها أشارت الأسبوعية الفرنسية "لوبوان" إلى أن القطع الفنية المعروضة بمتحف اللوفر ضمن المعرض تعكس عظمة المغرب الوسيط.وأضافت الأسبوعية تحت عنوان " كنز المغرب الوسيط" أن هذا المعرض اقترح على الجمهور سفرا عبر خمسة قرون من تاريخ امبراطوريات المرابطين والموحدين والمرينيين، في الوقت الذي تمكنت فيه المملكة من الحفاظ على أهم مكونات هذا الكنز الوسيط وصيانتها.من جهتها قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إن المعرض شكل الحدث في متحف اللوفر، من خلال غناه وتنوعه الفني، كما أبرز قوة وجمال الفن المغربي المعاصر، من خلال عدد من التحف المؤثثة للمساجد في العصر الوسيط، إضافة إلى عدة مخطوطات.وقالت إن معرض "المغرب الوسيط" الغني بالتحف والمخطوطات التي تزخر بها مساجد قديمة، يشهد على فترة كانت فيها المملكة محور امبراطورية امتدت من إسبانيا إلى إفريقيا ومن قرطبة إلى غاو، حيث امتزجت الثقافات والتقنيات.واعتمدت اللجنة المنظمة للمعرض، مجموعة كبيرة من الإعلاميين المغاربة والأجانب لمواكبة هذا الحدث الثقافي الوطني الكبير الذي يحظى برعاية جلالة الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.